الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كآبة الشيخوخة تنتشر بين نُزلاء دور المسنين بسبب الوحدة

كآبة الشيخوخة تنتشر بين نُزلاء دور المسنين بسبب الوحدة
20 ابريل 2012
إن عامل تقدم الإنسان في العمر يجعل صحته البدنية والنفسية أكثر هشاشة وقابليةً للإصابة بالعلل. ومن بين أكثر الأمراض النفسية شيوعاً في وقتنا الراهن الكآبة. فهي تتربص بالشخص منذ وصوله سن البلوغ، وتُلازمه إلى أن يبلغ أرذل العمر ويقترب من عقده التاسع، إنْ كُتب له فعلاً أن يعيش عمراً مديداً، لكن النبأ السار حول الكآبة التي تُصيب المسنين هي أنها وخلافاً لباقي أمراض الشيخوخة تبقى علةً قابلةً للعلاج، ودرجة استجابة المسن لهذا العلاج لا تختلف عن درجة استجابة الشاب والكهل. تقول سوزان ليهمان، مديرة طب الشيخوخة في مستشفى جونز هوبكنز “بالرغم من أننا نُصاب بالكثير من العلل عندما نكبر، ونفقد العديد مما كنا نتمتع به في فترة الشباب، فإن معظم المسنين يمكنهم التكيف مع هذه التغيرات التي تطرأ على أجسامهم ونفسياتهم، بما فيها الاكتئاب”. وتُضيف “هناك فرق بين الشعور بوحدة قاتلة تُسبب الكآبة، وبين الإصابة بكآبة سريرية حقيقية ومكابدة ما يُصاحبها من سوء المزاج وبعض الأعراض السلوكية والنفسية الأخرى”. وتُشير ليهمان إلى أن البحوث العلمية أظهرت أن الكآبة السريرية لا تُصيب إلا 2% من المسنين البالغين 65 سنةً فما فوق، بينما يُصاب بالكآبة الظرفية المؤقتة أو العارضة قرابة رُبع المسنين، مع العلم أن هذه النسبة تزداد في صفوف المسنين المتخلى عنهم أو الذين يعيشون في دور العجزة. وتُفيد ليهمان أن الأمراض بجميع أشكالها تؤدي إلى ضعف الجسد ووهنه، فالكآبة المؤقتة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على جودة الحياة، ولذلك ينصح الأطباء النفسانيون دوماً بإيلاء أهمية خاصة لأعراض الكآبة عند المسنين، لأنها تجعل مناعتهم الهشة مسبقاً أكثر هشاشةً. النساء أكثر اكتئاباً تشيع الكآبة في صفوف النساء أكثر من الرجال منذ مرحلة البلوغ وإلى الوصول إلى منتصف الثمانينات من العمر. وتلعب العوامل الوراثية دوراً في جعل الشخص أكثر عُرضةً للإصابة بالكآبة في أي سن، غير أن دورها يبقى أهون مقارنةً بما هو عليه حال العوامل الوراثية المسببة لأمراض القلب والتغيرات التي تطرأ على الدماغ عند التقدم في السن. وفي هذا الصدد، تقول ليهمان “نعتقد أن عوامل أخرى بيولوجية أكثر منها وراثية تلعب دوراً أكبر في الإصابة بكآبة الشيخوخة”. وقد أظهرت مسوح وفحوص أُجريت ضمن دراسات سابقة حول أمراض الشيخوخة بشكل عام أن هناك تغيرات بسيطةً تطرأ في الدماغ على مستوى المادة البيضاء لدى بعض المسنين، وقد يكون ذلك دليلا محتملا على وجود علاقة بين السكتات الدماغية البسيطة والكآبة. ومن شأن أمراض أخرى أن تلعب دوراً ما في هذا الإطار، فمرض السكري على سبيل المثال يُضاعف مخاطر الإصابة بالكآبة في مرحلة الشيخوخة إلى الضعف، والكآبة بدورها يمكن أن تكون عامل خطورة للإصابة بمرض السكري أو مفاقمته، وعلاقة الاثنين ذات تأثير متبادل، تقول ليهمان. وتُضيف “هذه العلاقة تشبه تماماً تلك الصلة القائمة بين الكآبة وداء شريان القلب التاجي. ثقافة «العيب» لكي يعرف الشخص مدى قابلية إصابة أبويه أو جديه أو أي أقاربه المسنين بكآبة سريرية أم كآبة مؤقتة ناتجة عن الشعور بالحزن والملل من الوحدة، يجب عليه أن يكون دائم التواصل معهم والسؤال عن أحوالهم ومحادثتهم. فغالبية المسنين يفضلون المعاناة في صمت على طلب مساعدة الآخرين، حتى إنْ كانوا أبناءهم أو أقاربهم. ويقول لورينزو نوريس، المدير الطبي لخدمات علاج أمراض الشيخوخة في مستشفى جورج واشنطن الجامعي، “يختلف معدل الإصابة بالكآبة من جيل إلى جيل، ومن ثقافة وبيئة إلى أخرى، فالمرضى المسنون هم الأقل تحدثاً عن معاناتهم من مشاكل نفسية الكآبة وسوء المزاج، ويرجع ذلك إلى كونهم نشأوا في فترة كان التوجه السائد فيها هو كتمان أمر الأمراض النفسية، أو تحمل فضيحة أن يعرف الآخرون أنك مريض بالكآبة، فمرض الكآبة كان يُنظر إليه إلى وقت قريب من قبل فئات عديدة في المجتمع وكأنه “عيب”، وظل الكثيرون يتوجسون من الحديث عنه خشية أن يُتهموا بالجنون أو الخرف، فالكآبة ظلت طيلة الفترات الماضية مُرادفةً للضعف الشخصي والنقائص الذاتية المحرجة، ولا أحد كان يعتبرها مرضاً عصبياً عادياً كغيرها من الأمراض. أما الجيل الحالي من الشباب والكهول، فهم أكثر تطبيعاً مع الأمراض النفسية بشكل عام، وأكثر استعداداً للتعاطي معها بإيجابية، فهم يعتبرونها مرضاً عارضاً قابلاً للعلاج وانتهى الأمر. طفرات اجتماعية نتيجةً لهذه التحولات الاجتماعية التي طرأت على مستوى النظر إلى الكآبة، ظهرت أصوات باحثين وتعالت نداءات خبراء ونفسانيين تدعو إلى ضرورة أن يظل أفراد الأسرة والعائلة متيقظين ومراقبين لحال القريب المتقدم في السن لتجنيبه الإصابة بأعراض الكآبة، حتى إن كانت بسيطةً أو في مراحلها الأولى، وذلك لأن غالبية المسنين يشتكون فقط عند إصابتهم بأمراض بدنية، ولا يتحدثون البتة عن مشاكلهم النفسية، بل يعانون منها في صمت، ويدفعون ثمن ذلك ضعف مناعتهم العامة وتتدهور صحتهم على نحو سريع يُشبه السقوط الحر. وتقول ليهمان “من الشائع جداً أن المرضى المسنين يتحدثون كثيراً عن أمراض بدنية ملموسة كمغص المعدة وصُداع الرأس وآلام المفاصل، لكنك لا تجد أحدهم يتحدث عن معاناته من الحزن أو نوبات البكاء التي تنتابه بين الفينة والأخرى فيستسلم لها وحيداً ويُكفكفها وحيداً ومتوارياً عن المحيطين به. وهذا التركيز على الأمراض البدنية فقط يُفاقم حالاتهم النفسية، فتضعف لديهم القدرة على التعافي مما يعانونه من أمراض بدنية ونفسية. الأعراض الشائعة تقول ليهمان إن تراجع شهية الأكل ونقصان الوزن والأرق وفتور القوة الطاقية للجسم وغياب التركيز يمكن أن تؤشر على الإصابة بالكآبة، علاوةً طبعاً على فقدان الاهتمام بمُتع الحياة الدنيا، والتوقف عن ممارسة الهوايات المعهودة كالبستنة أو عزف الموسيقى أو قضاء الوقت مع الأبناء والأحفاد، فهذه كلها عوامل قد يمهد ظهورها للإصابة بالكآبة السريرية. ولذلك يعتبرها الأطباء النفسانيون بمثابة الإنذارات التي ينبغي الانتباه إليها كثيراً، والإسراع باتخاذ رد فعل فوري حُيالها سواءً عبر تشجيع الشخص المعني على معاودة ممارسة عاداته وهواياته ونشاطاته والاستمتاع بها كالسباق أو اصطحابه لمراجعة طبيب متخصص. العلاجات الناجعة يمكن لمرض الخرف أن يظهر على المسن وكأنه كآبة، ويمكن للكآبة عينها أن تتسبب في اختلال الوظائف الإدراكية. وتقول كارين جونسون من مركز ميدستار بمستشفى واشنطن الجامعي “من بين أبرز الصفات المميزة للكآبة التي تصيب المسنين والمتقدمين في العمر هي أنها تُبطئ وتيرة التفكير، وتجعل المصابين بها ينسون الأشياء بسهولة ويفتقدون إلى مهارة حل المشاكل واتخاذ القرار، أو حتى إدارة شؤون المنزل الذي يسكنونه، ما يجعلهم يبدون وكأنهم مصابون بالخرف، في حين أن الأمر يكون متعلقاً بالكآبة السريرية التي تُعد، بخلاف الخرف، مرضاً قابلاً للعلاج. ولعل الخبر السار لمصابي الكآبة هو أنه توجد تشكيلة واسعة من الخيارات العلاجية والصيدلانية الناجعة للتعاطي مع الإصابة بالكآبة في أية مرحلة عمرية، بما فيها الشيخوخة. وتقول ليهمان “الأشخاص المسنون يستجيبون للعلاج بنفس درجة استجابة الشباب، فلا توجد أمام المصاب مهما كانت سنه أية عقبات أو حواجز للتعافي والشفاء”. ومن المهم الإشارة في هذا السياق أن نعرف أن مضادات الكآبة الموصوفة للمسنين تختلف عن تلك الموصوفة للشباب أو الكهول. وتتمثل القاعدة العلاجية الأساسية بالنسبة للمرضى المسنين في البدء بدواء خفيف التأثير، ثم الانتقال تدريجياً إلى ما هو أكثر منه فعاليةً، كما يقول نوريس. فالأدوية قد تكون أكثر تأثيراً على المسنين حتى لو كانت تُتَناول بالجرعات نفسها. يقول بعض الخبراء إن العلاج بالمحادثة هو من بين الخيارات العلاجية المستخدمة لعلاج الكآبة في الوقت الراهن. وتقول ليهمان “من المهم توعية الجمهور بمرض الكآبة بمختلف أنواعه حتى يتطبعوا معه ويعتبروه مرضاً عادياً قابلاً للعلاج. وينبغي تشجيع الناس من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية على طرد كل ما قد يعلق في أذهانهم من أفكار سلبية أو صور نمطية عن هذا المرض، والتحلي بالشجاعة للتخطيط لعلاجه ووضع الأهداف الملائمة للتعافي منه”. التطبيع مع الكآبة يقول بعض الأطباء النفسانيين إن الكآبة تُصنف ضمن الأمراض التي يمكن الوقاية منها، وإن اتخاذ ما يلزم للوقاية منها خير من علاجها. وتقول ليهمان “إن الأشخاص الذين لديهم استعداد مسبق للتعافي بسرعة والتكيف مع أي ظرف أو بيئة، والذين مروا بتجارب من قبيل الانتقال للعيش في مكان مختلف أو أحيلوا على التقاعد، أو ابتعد عنهم أولادهم وأحفادهم فجأةً، يشعرون بحال أفضل”. وتؤكد ليهمان أن الكآبة السريرية تكون غير متوقعةً أو حتى مقبولةً لدى هذه الفئة من الأشخاص، وحتى إن أصابهم شرر منها، فإنهم سُرعان ما يتعافون منها ويُقبلون من جديد على حياتهم اليومية. وتختم ليهمان بالقول “قد يعيش الشخص 65 أو 75 أو 94 سنةً، لكن خسارة شيء ما هي إلا أمر حتمي يطاله مهما كان العمر الذي عاشه. ولكل مرحلة عمرية تحدياتها الخاصة، لكننا نتميز كبشر بقدرتنا على تجاوزها، فدعنا نفعل ذلك دون يأس. ودعنا نتذكر أن أقوى الأسلحة لمواجهة شبح كآبة الشيخوخة هي استدامة العلاقات الأسرية والاجتماعية، والتمتع بدفء الأولاد والأحفاد، والمواظبة على أنشطة تُغذي الروح بقدر ما تُغذي الجسد، فكل إخلال بميزان حاجات الروح والجسد يجعل الشخص نفسه يدفع الثمن”. هشام أحناش عن “لوس أنجلوس تايمز”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©