الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين… بوادر تغيير في الاستراتيجية النووية

20 ابريل 2013 22:47
جيمس آكتون باحث بارز في معهد «كارنيجي» للسلام الدولي أحياناً يصعب تأويل تصريحات بلد ما حول أسلحته النووية، ومعرفة ما يرمي إليه على وجه الدقة، لكن في أحيان أخرى يكون لافتاً أن دولة معينة ابتعدت عن سياستها السابقة وقطعت مع الماضي، وهو ما ينطبق على الصين التي أصدرت يوم الثلاثاء الماضي وثيقة دفاعية جديدة حذفت فيها تعهداً سابقاً بألا تبادر الصين أبداً باستخدام السلاح النووي. هذا التعهد الواضح كان حجر الزاوية في السياسة النووية لبكين طيلة نصف القرن الأخير، لتأتي الوثيقة الأخيرة بنوع جديد من الغموض في العقيدة النووية الصينية، حيث تدافع عن استخدام السلاح النووي رداً على هجوم نووي دون أن تنفي اللجوء إليه أولاً. ولأن الموضوع الأساسي الذي يحظى بالأولوية اليوم هو تهديد كوريا الشمالية باستخدام السلاح النووي، وبالنظر إلى الاحتمالات الضعيفة لتصعيد نووي مع الصين، يركز المسؤولون الأميركيون على ما تقوله الوثيقة الدفاعية حول ترسانة الأسلحة التقليدية التي تعكف بكين على توسيعها، باعتبارها القضية الأولى بالاهتمام، لكن كل هذه التطورات الأخيرة، مثل التصعيد الكوري الشمالي وتطوير الترسانة التقليدية، ثم السكوت في الوثيقة عن تعهد الصين السابق بعدم استخدام السلاح النووي أولاً، قد تكون مترابطة. ففي عام 1964 ومباشرة بعد إجرائها أول تجربة لسلاحها النووي، تعهدت الصين بأنها «لن تستخدم السلاح الفتاك للمرة الأولى تحت أي ظرف من الظروف»، هذا التعهد بعدم المبادرة إلى إلقاء القنبلة النووية أولاً كان دائماً حاضراً في الوثائق الدفاعية الصينية، بدءاً من الأولى الصادرة في 1998 وانتهاء بما قبل الأخيرة في 2011، وكان التعهد من بين الضمانات العالمية القوية بعدم استخدام السلاح النووي عكس الولايات المتحدة التي لم تلتزم قط بمثل هذا التعهد. ومن المستبعد طبعاً أن يكون إلغاء هذا التعهد في الوثيقة الدفاعية للسنة الجارية ضرباً من السهو البيروقراطي، ذلك أن حضور التعهد في الوثائق السابقة كان متأصلاً وثابتاً لدرجة أنه لا يُرجح نسيانه من قبل كاتبي الوثيقة الدفاعية، هذا بالإضافة إلى ما تشير إليه الدلائل من إقدام الصين حالياً على إعادة مراجعة عقيدتها النووية. ففي ديسمبر الماضي، وبعد فترة وجيزة من اختياره أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني ألقى، الرئيس الصيني تشي جيبينج، خطاباً أمام قوات المدفعية الثانية المسؤولة عن أسلحة الصين النووية المنتشرة في المجال البري، وفيه قطع الرئيس مع العقيدة السابقة للزعيم ماوتسي تونج الذي كان يقلل من شأن الأسلحة النووية معتبراً أنها «نمر من ورق»، معيداً التأكيد على أهميتها في تحول بارز، مشيراً أنها تمثل دعماً استراتيجياً لمكانة الصين كقوة عالمية، وكان لافتاً أن الرئيس لم يكرر تعهد الصين بشأن عدم اللجوء أولاً إلى السلاح النووي. وبعد الاستماع إلى الخطاب وقراءة الوثيقة الدفاعية من المرجح أن يولد ذلك قلقاً لدى الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما اليابان، ومع أن جزءاً كبيراً من هذا القلق ستحركه الأصوات المتشددة المناهضة للصين في تلك البلدان التي ستقول إن سياسة عدم المبادرة باستخدام السلاح النووي كانت مجرد غطاء صيني، وسيستغلون التحول الصيني للتهويل منه، إلا أن هناك أصواتاً أخرى معتدلة قد تتفق مع تحليلهم وتشعر بالتوجس. ففي الشهر الماضي فقط، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تقريراً أنجزه مجموعة من الباحثين الذين ينتمون إلى الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» أكدوا فيه أن سياسة عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية «كانت عاملاً من عوامل حفظ الاستقرار ويتعين الحفاظ عليها». لكن التغير الحالي في السياسة الصينية تجاه السلاح النووي قد يكون مرده إلى الاتجاهات الأمنية في المنطقة، فحتى قبل أن يطلق الزعيم الكوري الشمالي تهديداته النووية في الآونة الأخيرة، أعلنت «البنتاجون» خططها لتعزيز أنظمة الصواريخ الدفاعية بمنطقة شمال آسيا، ومع أن الولايات المتحدة أكدت أن الهدف من تلك الصواريخ، هو مواجهة التهديدات الكورية الشمالية، فإنه من الواضح أنها ترمي أيضاً إلى التصدي لترسانة الصين المتنامية من الصواريخ التقليدية، بحيث تخشى الصين من أن تطور الولايات المتحدة دفاعاتها إلى درجة تصبح معها قادرة على تحييد الصواريخ النووية بعيدة المدى التابعة لبكين، وهو الخوف الذي تغذيه الاستثمارات الأميركية في تطوير قدراتها التقليدية في مجال الصواريخ، لذا قد تكون الوثيقة الدفاعية الجديدة للصين مقصودة لبعث رسالة واضحة مفادها أنه في حال اندلاع أزمة في المستقبل، واستنتجت بكين أن أميركا على وشك ضرب ترسانتها النووية بأسلحة تقليدية، فإنها قد تلجأ إلى استخدام السلاح النووي أولاً، وهو الانشغال الذي يتعين على واشنطن التعامل معه وتفهمه. فرغم أن احتمال التصعيد النووي مستبعد تبقى عواقبه وخيمة، فالتوتر في المنطقة عال جداً بسبب التهديد الكوري الشمالي، ما يجعل من الحوار أمراً ضرورياً تصاحبه خطوات لبناء الثقة، الأكثر من ذلك يمكن للشكوك بشأن استخدام السلاح النووي أن تمتد إلى السلاح التقليدي، الأمر الذي يعقد جهود الحوار وتفادي الأسوأ. ومع أن الصين امتنعت في السابق عن الدخول في حوار مع إدارتي أوباما وبوش حول السلاح النووي، إلا أنها تبدو مستعدة أكثر اليوم تحت رئاسة «تشي جيبينج» المهتم بالاستراتيجية النووية لبدء حوار ثنائي، فمن جهة يتعين على الصين توضيح لماذا تجري تغييراً في استراتيجيتها النووية، ومن جهة أخرى يتعين على واشنطن إدراج الأسلحة التقليدية في الحوار مع الصين وعدم قصرها على الترسانة النووية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©