الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صوت هذا الهباء العظيمْ

صوت هذا الهباء العظيمْ
18 سبتمبر 2008 00:43
1···وصوت الظلام يدق نوافذ روحك لا تملك اليوم صوتاً لتصرخ بالليل: يا ليل كن لي رفيقاً وتصرخ بالرمل: يا رمل يكفي ودعني طليقاً ودعني أعود إلى غصن زيتونتي وأعود إلى ثوب أمي المطرز بالأرجوان ودعني ألملم أطراف روحي ألمّ عباءتها وأضمّ حدائقها وأشمّ ملابس سهرتها عطرها وملابسها الداخلية في آخر الليل··· دعنيَ يا رمل أبكي على قبر جداتيَ الراحلات، أشمشم أرواحهن التي عتقتها الهموم، ودعني - على مهل في النسيم الأخير من العمر - آوي إلى السيسبان وما ظل في الأرض من خشب السنديان الحنونْ وآوي إلى ما تبقى على درج الروح من أغنيات، إلى جبل وكهوف من الذكريات لأعرف أني أعيش طويلا، وأبقى مدى الدهر لا أعرف الموت، لا يعرف الموت بيتي فقد عشت، أشهد أنيَ قد عشت، عشت القرون أرى كل ما لا يراه سواي، سمعت الذي ليس يسمع غيري، قرأت الحياة وأوغلت في كتب الموت، حتى تعلمت كيف يكون التناغم بين أغاني الحياة ومهزلة الموت، جربت ألف طريق، وكان الدراويش في أول العمر يستدرجون الطفولة صوب الزوايا، لنسرح في ملكوت الفراغ، فراغ السماء من الشعر والشعراء، ليرجع طفل التراب إلى أرضه عشت ما بين حي اليهود وما بين حي القرود الذي فيه ضيعت القردة ابنتها وابنها هذه الشام؟ هل هذه الشام منذ أمية حتى خريف الأسد؟ رحلتي - قال - تبدأ من أول الشرق حتى نهايات هذا الوجودْ رحلة الشام تبدأ منذ ولدت على أرض فينيق في أوغاريت وكان أبي وجدودي ذوي العربات التي هي من أرز لبنان أو سنديان الجليلْ عربات مضت تفتح الأفق في أرض أفريقيا، ومضت بي إلى ماء قرطاج، سرتُ إلى القيروان لأبني مسجدها، أخذتني الحروب إلى قلب أسبانيا فرفعت هنالك حمراءها ومضيت لأبني قاهرة للمعز وأحفر في دولة النبط بتراءها رحلة في خيال الخيال وفي ليلة هي من ألف ليلة في شوارع بغداد كانت جدارية لجواد تغنّي ملاحمها كان نُصْبٌ عتيق يردّ علينا السلام وكانت مراكب دجلة تحملنا نحو أحلامنا وكانت حرائق نيرون تأكل أفكار أجدادنا في المتاحف·· في المكتبات العتيقة في شارع المتنبي· أعود إلى الشام كي أتوضأ من بردى، فأرى بددا، ـ بردى مات مثل خيول الحكومة يا صاحبي·· بردى صار مستنقعا، قال لي صاحبي وهو يبكي بساتينه، وخراب حدائقه، إنه بردى: تحفة الشام في ألف عام، ومن ألف عام أزور حميدية الشام، أين حميدية الشام؟ لا شام في الشام·· سرت إلى حلب حالما بالسلام على المتنبي·· على الخيل والليل، أوقفني، في المعرة سيدها المتبصر ذو المحبسين: ـ إلى أين تمضي، فما عاد في حلبٍ حلبُ المتنبي وما في المعرة وجه المعري ولا روحه سرتُ تطلبني في الخليج مياه لأسلافنا ورمالْ ورأيت الذي لا يرى فهنا موجة من رماد التواريخ تصعد من أرض هذي البلادِ، سألتْ: من ترى أشعل النار في بيت تاريخنا كي نظل يتامى ونأكل أشعار أجدادنا ثم نأكل من حلم أحفادنا وننام على الرمل يأكلنا الجوع والنفط يأكلنا صوت هذا الهباء العظيمْ ···وأسأله وهو يقبع بين ثلوج الخليج: أما زلت تكتب شعرا من النار والياسمين؟ أما زال ثمة من يقرؤون قصائدك الساخنات؟ أما زال ثمة ورد وقمح وأغنية من أغاني النشيد البدائي في حلمك الأبديّ وما زلت تزرع هذا الغبار القديم وتحصد أزهار هذا الغبارْ 2 هي سيمفونية العمر هنا من يقرأ الله هنا من يعزف الشيطان في الروح يعيش الله والشيطان مثل الملح والحلم هنا في النبض في نهر الشرايين أرى الشيطان والجنّ المجنِّح والخرافة والأساطير التي تهب الهباء وألف شرطي على باب القيامة يحملون أبا العلاء على سطور من رسالته لماذا يحملون أبا العلاء على سطور من رسالته؟ ودانتي؟ ما الذي صنعت يداه لكي يُقاد إلى الجحيم مكبّلا بخيوط كوميديا؟ هي المأساة في التهريج والتهريج بالمأساة تسري في شرايين الحياة وفي بحار لم تعد فيها بحار في مياه راح يحكمها السرابْ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©