الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوافل نورانية تصل القديم بالمعاصر في مهرجان الفنون الإسلامية

قوافل نورانية تصل القديم بالمعاصر في مهرجان الفنون الإسلامية
18 سبتمبر 2008 00:19
''أما أنا، فسأدخل في شجر التوت حيث تحولني دودة القز خيط حرير فأدخل في إبرة امرأة من نساء الأساطير ثم أطير كشال مع الريح''· اتكاءً على القصيدة الواردة للراحل الكبير محمود درويش، واتساقاً مع شعار: (على طريق الحرير)، اختار مهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة في دورته الحادية عشرة والممتدة من بداية شهر سبتمبر الجاري وحتى الخامس عشر من أكتوبر القادم، أن يسلك ذات الممر التاريخي والسحري الذي مهّد للقاء حافل بالرؤى والأخيلة والانتباهات الفنية بين حواضر الشرق والغرب، فطريق الحرير الذي امتد من (شانغهاي) في الصين واخترق في مسار العودة والإياب قارتي آسيا وأوروبا حتى وصل إلى مدينتي روما والبندقية الإيطاليتين، هو واحد من أهم المعابر التي أسست لحوار ثقافي عريق ومتجذر بين هويات مشتتة وموزعة على خارطة هائلة من اللغات والديانات والمرجعيات الروحية والفنية والحضارية· يشبه طريق الحرير بحضوره المجازي والمخيالي، ذلك النهر الذي انبثق كالأسطورة، وامتد فجأة بين مدن قاحلة ومنسية كي يعيد صياغة الحياة فيها، وكي يموسق الزمان والمكان على إيقاع تبدلاته الخضراء، وعلى هوى حضوره المشع والمزهر في الأبد· فمن اسطنبول وحلب وطهران والبصرة وامتدادا إلى دلهي وإسلام آباد وأصفهان وبخارى، حوّل مسار الحرير القرى والتجمعات المجهولة على ضفاف القرن الخامس قبل الميلاد، إلى مدن (الاقتصادات العالمية) بمقاييس ذلك الزمان، كما حولتها إلى حواضر كوزموبولتية بامتياز، ورغم اتكائه على عصب التبادلات التجارية استطاع درب الحرير هذا أن يذوب الثقافات المتناثرة في وعاء فني شاسع ومليء بخصوصيات بصرية وتشكيلية لم تعد معزولة ومقطوعة النسب، بل استفادت من فنون الآخر وأفادتها بكل ما هو غريب ومدهش واستثنائي· وقياساً على هذا الوعي المتجدد بضرورة الارتقاء بالذائقة الجمالية، وإحياء التقاليد الفنية والفضاءات الإسلامية التي لونت خط الحرير، ارتأت إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة أن توائم بين قدسية وروحية شهر رمضان المبارك وبين تجليات الخطاب البصري والتشكيلي لمهرجان الفنون الإسلامية· وكما يقول هشام المظلوم مدير إدارة الفنون والمنسق العام للمهرجان فإن الدلالات الثقافية لشعار طريق الحرير تعمل في اتجاه التواصل الفني مع دول شرق ووسط آسيا، كما أنها تترجم الرغبة الملحة في الحوار الحضاري مع الآخر من خلال استقطاب فعاليات كبرى وبرامج تخدم الثقافة العربية والإسلامية المشتركة والمؤثرة في مسيرة الفنون العالمية القديمة والمعاصرة· انطلق المهرجان مع بداية شهر رمضان من خلال معارض رديفة وورش تدريبية ومشاركات تخصصية لهيئات ومؤسسات أهلية وحكومية، وفي العاشر من رمضان افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة المعارض الأساسية الكبرى للمهرجان في متحفي الشارقة للفنون، ومتحف الفن العربي المعاصر، وهي المعارض التي أكملت عقدالـ 1500 عمل فني للدورة الحالية من المهرجان من خلال 130 فعالية وبرنامج وبمشاركة 11 دولة، ومنها الدول التي انطلق منها واخترقها طريق الحرير في العالم القديم وهي الصين والعراق وسوريا وأوزبكستان وإيران· الملصق الإيراني فمن إيران أتى معرض: ''الملصق الإيراني المعاصر'' كي يعبر عن ملامح حضارة تعود إلى سبعة آلاف سنة، وتتزاحم في سجلاتها الدينية والأدبية والفنية القديمة، العديد من الملاحم والأساطير والروايات والقصص والأشعار والنصوص الصوفية والأطياف الموسيقية والتزيينية، وتجلت هذه الفنون الكتابية والبصرية والأدائية في الرسم والنحت والنقش والعمارة والصناعات التقليدية والاحتفالات الشعبية والمناسبات المقدسة، وبالتوازي مع هذا الإرث العريق والغني بالفنون الحية والأخرى البائدة، ظهر جيل جديد من الفنانين الإيرانيين الذين اختاروا فن الملصق كي يصيغوا قالباً مميزاً لإبداعات تفوح برائحة الماضي وتستند في ذات الوقت على أساليب فنية معاصرة، وهي إبداعات تستقي أصالتها من جذر بعيد، وتتعامل معه من خلال حساسية جديدة تجاه التعبير الفني عن أصداء التاريخ وأصوات الحاضر· استخدم فنانو الملصق الإيراني التكنولوجيا الحديثة وتصاميم الجرافيك وزاوجوها بفن المنمنات والخطوط القرآنية والحكم والأمثال القديمة، ومنها الأمثال التي وردت في مخطوطات شهيرة للفردوسي والخيام وحافظ الشيرازي وابن سينا والخوارزمي والمولوي وغيرهم من المبدعين والعلماء القدامى· وحفل المعرض بمساهمات نوعية لفنانين وسينمائيين وموسيقيين من خلال جمعية إيران لفنون التصميم، وكما يقول سعيد مشكي مدير الجمعية، فإن هذه الملصقات تمتلك مساحات مختلفة وجديدة تميزها عن التصميم الأوروبي، كما أن تطور الطباعة في السنوات الأخيرة نتج عنه جدل واسع النطاق حول التصميم التصويري في إيران· ويضيف شكيمي: ''إن الجيل الحالي يمثل الجزء الفعال من تصميم الفنون التصويرية في إيران، ويمكن مشاهدة حضورهم بوضوح في جميع المناطق، إنه جيل لن يتلاشى قبل أن يخلف وراءه بصمة واضحة في فنون التصميم الجرافيكي''· المرئي والمسموع يعتبر معرض المرئي والمسموع من الأعمدة الأساسية لمهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة، وهو المعرض الذي انطلق مع ولادة فكرة المهرجان قبل 11 عاماً من الآن، مستفيداً في ذلك من فنون الخط العربي العريقة لتعزيز وقع الرؤية والإيقاع في ثنايا الحرف والعبارة، وما يجوس في فضاء اللغة المرئية من أنساق كتابية وتشكيلية وجمالية احتضنتها المخطوطات والمصاحف والمرسومات الخطية القديمة، وهي ذات الأنساق الكتابية التي حاولت أن تتجاوز: ''الثابت فيها''، نحو: ''المتغير حولها''، لخلق حالة بصرية وسمعية للخط العربي يكون فيها الجدل النقدي والتجريب الأدائي والرهان الفكري أدوات جديدة وديناميكية لتطوير فنون الكتابة ودمجها بتطورات الراهن الفني في العالم· وفي هذا السياق تعبر إدارة المهرجان عن قيمة هذا الحدث من خلال إصرارها على تمكين معرض المرئي والمسموع من التواجد والاستمرارية واستقطاب فنانين جدد وذوي خطابات تشكيلية متفردة، فهي ترى أن المعرض يعمل على توجيه العلاقة بين الحداثي والتراثي في إطار التطور ومناهجه، وتجاوز المتاح، وتفعيل الحوار بين المبدعين من جهة، وبينهم وبين الآخر من جهة أخرى، فالرهانات على المرسوم الخطي باتت مرتبطة بالأفكار والتقنيات المعاصرة· وكما تقول مدونة المعرض: فإن العمل ما زال مستمراً من أجل تجاوز الرؤى التي ما زالت تراوح منذ عقود في مواقعها، فالمزيد من الحرية ما زال متحققاً للمبدع لإنجاز غوايات إبداعية تستند في منطلقها على مرونة التعامل مع هذا الشكل الإبداعي، وابتعاد المبدعين عن الحدود الحسية واليقينية التي جهدت لإبقاء الفن في موقع التبعية والتكرار الممل والألاعيب التسويقية· وتضيف مدونة المعرض: ''إذا كان نصف القرن الماضي حيزاً للبيانات التي أطلقت في التنظير للحروفية أو المرسومات الخطية، فإن الفن هذه الأيام بات خارج هذه البيانات، وخارج التوترات التي فرضتها أسئلة المرحلة سابقاً، وباتت صلاحية الممارسة الفعلية للرهانات الفنية على مستوى مختلف من الغواية الإبداعية، وعلى مستوى جوهرة الدلالات المستقبلية لاستمرار هذه النزعة الفنية، أو ما يمكن يتولّد عنها''· استقطب المعرض أعمالاً حروفية متميزة لفنانين من الإمارات والعراق ومصر وسوريا والسودان، فيما يشبه حواراً متبادلاً بين أنماط الخط واللون والوسائط الفنية الموزعة على اللوحات والمجسمات الطينية وأعمال الخزف والسيراميك المتداخلة مع جماليات الخط العربي، كما استقطب المعرض أعمالاً لخطاطين شبان اكتسبوا خبرات فنية عالية من خلال التحاقهم بمعهد الخط العربي والزخرفة في الشارقة· جرس ونور شكل حضور الفن الصيني في المهرجان مفاجأة مدهشة للزوار والمشاركين، فقوافل النور والاستنارة والوهج المعرفي التي عبرت خط الحرير في الأزمنة الغابرة، بدت من خلال المعروضات الصينية وكأنها ولدت من جديد، أو كأنها خلعت عنها ثوب الغموض والأسطورة والسراب الكثيف للتاريخ، كي تتجلى مرة أخرى في أروقة متحف الشارقة للفنون، مزيلة بذلك غباراً ذهنياً وبصرياً راكمه التجاهل والنسيان وغربة المسافة واللغة· ففي معارض حملت عناوين معبرة عن مضامينها العميقة مثل: ''بداية ونهاية الطريق'' و''جرس الجمل'' و''المخطوطات'' جاء التفاعل البصري مع المعروضات حافلاً بمتعة لا يحوزها سوى الرحالة الكبار في أسفارهم الروحية إلى مجهول الأرض وغامض الأمكنة، فالصور التوثيقية لطقوس وعبادات مسلمي الصين، والأنماط المعمارية المميزة للمساجد الصينية، جاءت وكأنها تخاطب عين المشاهد بلغة لا تحتاج إلى ترجمان، فهي لغة سيّالة وطازجة تقهر الزمن وتنتصر على الاستحالات المعرفية· يقول الحاج نور الدين جوانج جيانج المشارك في المعرض: ''كان مجيء الإسلام إلى الصين من البلاد العربية والإسلامية عن طريق الحرير في عصر سلالة (تانغ) التي حكمت الصين في القرن السابع الميلادي، وللدين الإسلامي 1300 عام من التاريخ في الصين، حيث خلق ظهور هذا الطريق ظرفاً مثالياً للتبادل الاقتصادي والثقافي بين الصين والبلدان العربية، ويعتبر طريق الحرير كالوشاح الملون والغني بالألوان حيث ربط الحضارة القديمة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، ومن خلاله عرف الغرب الاختراعات الصينية القديمة الأربعة وهي: الورق والبوصلة والبارود والطباعة· ومن أوزبكستان جاء معرض الفنان صالحوف بهادر (نور على نور) كي يضيء جانباً مغيباً من الفن الإسلامي في هذا البلد المؤثر والمتأثر بقوافل طريق الحرير، وتميزت أعمال بهادر بتكنيكها الحروفي العالي والمتناغم روحياً مع المواد المستخدمة كخلفيات وأطر هندسية وتزويقية معززة لقيمة وحضور الأمثال والحكم والآيات القرآنية، تتجول أعمال الفنان في مناخ بصري يستقي من الطبيعة الدلالات الإعجازية والماورائية، ويتداخل الحس الإيماني للفنان مع الجهد المتقن في التعامل مع الحرف كطاقة مضيئة وكمعبر مقدس إلى الذات الطاهرة من دنس الوجود· وعلى النسق الروحي ذاته جاء معرض الفنان الإماراتي عبدالقادر الريس والمعنون بـ: ''نور الحروف'' ليحتفل بالحرف العربي وفيوضاته الوجدانية، من خلال منح هذا الحرف الأبعاد والكتل التي تضعه في مصاف الكائن الصوفي، الراقص وسط الألوان الزاهية، والذائب في الوجد المنهمر فيه وحواليه، تصدرت اللوحات الحروفية الكبيرة للريس جانباً مهماً من أروقة متحف الشارقة للفنون، وأضافت لأسلوب الريس المميز بعداً جديداً وطاقة لونية وحروفية مختلفة في مسار تجربته الطويلة مع الألوان والظلال والبيوتات القديمة المأهولة بالسحر والفتنة· المنصوص والمبصور ومن الفعاليات الكبرى لمهرجان الفنون الإسلامية تأتي الندوة الدولية حول (المنصوص والمبصور في الكتابة العربية) كإضافة تنظيرية ونقدية مهمة يتواصل فيها المنتج الفني مع المنتج الفكري، ويتداخل فيها المحترف التشكيلي مع المحترف الذهني، وشارك في الندوة الدكتور فاتح بن عامر من خلال بحثه المعنون بـ: ''الريادة في استلهام العلامة الخطية التراثية''، وشاركت الدكتورة هند الصوفي بورقة حملت عنوان: ''الريادة العربية: قراءة نقدية للحروفية''، بينما شارك الدكتور محمود شاهين ببحث قيم حول ''المنجز البصري الحروفي العربي المعاصر''، وأشار فيه إلى أن اهتمام الفنان الأوروبي بكتاب ألف ليلة وليلة، حرّض الفنان العربي للالتفات إليه أيضاً، لا سيما بعد الغلة البصرية الوافرة التي تمخضت عن استلهام المبدع الأوروبي لأجواء حكايات ألف ليلة وليلة وهذه الغلة اتسمت بالموضوعية الإبداعية والرصانة التخيلية بينما حمل بعضها الآخر صورة سلبية وغير صحيحة عن الشرق وأساطيره وحريمه وسلاطينه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©