الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبوالفرج الجوزي إمام الوعظ في عصره

أبوالفرج الجوزي إمام الوعظ في عصره
17 سبتمبر 2008 23:26
حظي أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم الآداب، وبلغت مؤلفاته أوج الشهرة والذيوع في عصره، بحسب عبدالمتعال الصعيدي في كتابه ''المجددون في الإسلام''· يتفق شمس الدين الذهبي في كتابه التذكرة مع الصعيدي، على أن ابن الجوزي تميز بخلاف معاصريه، بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته التي بلغت نحو ثلاثمائة مصنف، شملت الكثير من العلوم والآداب، ومنها التفسير، الحديث، التاريخ، اللغة، الطب، الفقه، والمواعظ وغيرها من العلوم، استحق بها أن يكون بفعل من المجددين بالإسلام· وسار على درب ابن الجوزي، الذي ولد ببغداد عام 510 هجرية، العديد من المصنفين في العصور التالية· ولذا كان نموذجاً مثالياً في الجمع بين رضا الناس وإقرار الحكام، إذ سخر كل حياته في الوعظ وأمر الناس بالتقوى وحثهم على الطاعات وترك المحرمات، وقد رضي الناس بهذا منه، كما نال القبول من الأمراء والملوك في عهده، لكونه كان يحثهم على الطاعة وعدم الخروج على الجماعة· هو أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن عبيدالله بن عبدالله بن حمادي بن أحمد بن جعفر، وينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعاش حياته في الطور الأخير من الدولة العباسية، حينما سيطر الأتراك السلاجقة على الدولة العباسية· عُرف بابن الجوزي لشجرةِ جَوْزٍ كانت في داره في بلدة واسط بالعراق، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها· كان ابن الجوزي كما يقول الصعيدي، أحد أبرز علامات عصره في مجالات: التاريخ، الحديث، الوعظ، الجدل، الكلام· جلس للتدريس والوعظ وهو صغير، وقد أوقع الله له في القلوب القبول والهيبة، فكان يحضر مجالسه الخلفاء والوزراء والأمراء والعلماء والأعيان· ولذا كثر محبوه حتى بلغ مجلس علمه أحيانا مائه ألف· كما اعتاد من آن لآخر أن يحضر مجالسه الخليفة المستضئ، مما عظم من مذهبه الحنبلي لدى نفوس الناس· وكان مع ذيوع صيته وعلو مكانته زاهداً في الدنيا ولكن بخلاف من قبله وتحديداً الغزالي ناصب الصوفية العداء، وكان يختم القرآن في سبعة أيام، ولا يخرج من بيته إلا إلى المسجد أو المجلس· ولذا يروى شمس الدين الذهبي في كتابه التذكرة، عن ابن الجوزي قوله: ''ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، واسلم على يدي مثلهم، وكم سالت عين متجبر بوعظي ولم تكن تسيل''· من أبرز مؤلفات ابن الجوزي: أخبار الظرّاف والمتماجنين، أخبار النساء، أعمار الأعيان، بستان الواعظين، تلبيس إبليس، تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، تاريخ بيت المقدس، تحفة المودود في أحكام المولود، الثبات عند الممات، جواهر المواعظ، الجليس الصالح والأنيس الناصح، حسن السلوك في مواعظ الملوك، ذم الهوى، زاد المسير في علم التفسير، سيرة عمر بن عبدالعزيز، صفوة الصفوة، صيد الخاطر، الطب الروحاني، فنون الأفنان في علوم القرآن، كتاب الأذكياء، كتاب الحمقى والمغفلين، لطائف المعارف فيما للموسم العام من الوظائف، مناقب عمر بن الخطاب، الناسخ والمنسوخ في الحديث، والوفا في فضائل المصطفى· ولذا ذكره الذهبي في التذكرة بقوله·· ''ما علمت أن أحداً من العلماء صنف مثل ما صنف هذا الرجل''· وصفه ابن كثير في البداية والنهاية: بأنه ''أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره''· وقال عنه ''جمع المصنفات الكبار والصغار نحواً من ثلاثمائة مصنف، شكل في فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه ونفوذ وعظه وغوصه على المعاني البديعة وتقريبه الأشياء الغريبة، فيما يشاهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة'' وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان بقوله ''كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ صنف في فنون عديدة، التي كتب بها حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحصل منها شيء كثير، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك، فكفت وفضل منها''· تؤكد الدكتورة مؤمنة بشير العوف في كتابها ''أبو الفرج بن الجوزيّ والتصوّف السنّي، الخلاف بين الفقه والتصوّف في القرن السادس الهجري ''أن معركته التي عرضها في كتابه ''تلبيس إبليس'' مع الصوفية تُعد نموذجاً للمفكر والداعية الساعي لإعادة المسلمين إلى صحيح الدين · ويتخذ عبدالمتعال الصعيدي، من موقفه الصارم هذا من الصوفية وممارساتهم، أحد المقومات الرئيسة التي تدرجه ضمن قائمة المجددين بالإسلام، إذ قال أن ابن الجوزى ''نطق بحكم الدين في تصوفهم، وكان في هذا صريحاً لا يخشى طغيان سلطانهم في هذا القرن على العامة وأشباه العامة من المسلمين، على عكس حاله فيما سبق''· ويمكن بلورة موقفه هذا في شيئين رئيسيين: أولهما: أبطل نسبة تصوفهم إلى أهل الصفة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر أن أهل الصفة إنما قعدوا في المسجد، وأكلوا من الصدقة بحكم الضرورة لكونهم كانوا فقراء يقدمون على المدينة، لا أهل لهم ولا مال، فبنى لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- صفة في مسجده ليأووا إليها، ويناموا فيها، فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال· ثانيهما: أن الأولين منهم ذكروا أن التصوف عندهم رياضة النفس ومجاهدة الطبع برده عن الأخلاق الرذيلة، وحمله على الأخلاق الفضيلة، غير أن إبليس لبّس عليهم في أشياء ثم لبّس على من بعدهم من تابعيهم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©