الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب تركيا الباردة

27 يونيو 2010 21:24
نشرت الـ"وول ستريت جورنال" قبل بضعة أسابيع مقالة ذات عنوان ملفت للنظر: "الإثارة في حرب تركيا الأهلية غير الدموية"، مشيرة إلى جو الحرب الباردة المستمرة بين "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، والذي يميل إلى الإسلام، ونخب الدولة العتيقة التي تدعو إلى العلمنة، ويصف عناصرها أنفسهم بـ"الكماليين" ويسعون للحفاظ على الدين والسياسة منفصلين بشكل كامل. إلا أن تلك هي آخر "المعارك" في "الحرب الباردة" بين الإسلام السياسي والعلمنة التركية التي بدأت قبل حوالي مائة سنة. يشكل فهم تاريخ الجانبين وعلاقتهما ببعضهما مفتاح حل عقدة حرب تركيا الباردة حتى يتسنى للدولة أن تصنع السلام مع نفسها. بدأ الأمر عام 1923 عندما خرجت الجمهورية التركية من رماد الدولة العثمانية. أطلق أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، "ثورته الثقافية". كان يعتقد أنه لا مكان للإسلام في قضايا الدولة، فبدأ حملة لتقليص الدين لصالح الدولة، فقام بإلغاء الخلافة، وأغلق جميع المدارس والمؤسسات الدينية، واستبدل الشريعة الإسلامية بالقانون المدني السويسري والقانون التجاري الألماني والقانون الجزائي الإيطالي، واستبدل الحروف العربية باللاتينية، ومنع عرض الرموز الدينية في المؤسسات العامة. لكن ثورة أتاتورك الثقافية كانت "ثورة من الأعلى"، ولم تصل إلى قلوب الغالبية وعقولهم. وقع الاحتكاك الرئيسي الأول بين الإسلام السياسي والعلمنة التركية في حادثة "مينيمين" عام 1930 عندما حرّضت مجموعة صوفية على التمرد. تم قمع التمرد وقُتل القائمون عليه. بعد موت أتاتورك عام 1938، وإجراء أول انتخابات متعددة الأحزاب عام 1950، شن مندريس، الزعيم السياسي الذي سرعان ما أصبح رئيساً للوزراء، وحزبه الديمقراطي حملة انتخابية وفازوا على أساس برنامج يتعهد بإعادة الإسلام إلى الحياة العامة من خلال جعل اللغة العربية شرعية، ورفع المنع عن الآذان. لكن الجيش التركي قام بانقلاب عسكري عام 1960 مدعياً حمايته للعلمنة الكمالية، واعتقل مندريس بتهمة انتهاك الدستور. عاد الإسلام السياسي للظهور مجدداً مع فوز حزب "الرفاه" بقيادة أربكان في انتخابات عام 1996. أثار أربكان قضية الحجاب، وشجع التعاون مع الدول الإسلامية، لكن حكومته أُسقطت كذلك على أيدي الجيش عام 1997 وتم حظر حزبه في العام التالي. ورغم هذا الحظر، أوجد الجناح الإصلاحي لحزب الرفاه عام 2001 ما أصبح أعظم نجاح للإسلام السياسي في تركيا حتى اليوم، حيث فاز "العدالة والتنمية" بغالبية الأصوات، وهو يحكم الدولة منذ ذلك الحين. أتى حزب "العدالة والتنمية" بتركيا إلى عتبة الاتحاد الأوروبي، وعمل على تسييس الدين من خلال قضيته الرئيسية وهي الحجاب، وشجع ضمنياً التحول المحافظ للمجتمع التركي من خلال طروحاته وسياساته على أعلى المستويات، والتي تترجم على شكل "ضغوطات في الجوار" ليصبح أكثر تديناً على مستوى الجذور. وبعد مرور ثماني سنوات أصبح المجتمع التركي أكثر استقطاباً، فهناك كفاح مستمر من جانب الحكومة وأنصارها للسيطرة على الإعلام والشرطة والهيأة القضائية لإخراجها من قبضة الكمالية. في الوقت نفسه لا يسع المرء إلا أن يلاحظ التحول في سياسة تركيا الخارجية التي تركّز على ما يسمى العالم الإسلامي، مبعدة نفسها عن حلفائها الغربيين التقليديين. لكن حتى يتسنى للتقدم الحقيقي المستدام أن يستمر، يتوجب على تركيا التعامل مع حربها الباردة الداخلية دون استقطاب الجانبين كرابحين وخاسرين. وفي نهاية المطاف، يحتاج الأمر لطرفين لرقص التانجو. يتوجب على نخب العلمنة أن تتقبل المسرح الديني التركي وحساسياته، ويتوجب على الناشطين الإسلاميين أن يدركوا أن الكثيرين يؤمنون أن الإسلام دين وليس أسلوباً لإدارة الدولة، وأنه بالتالي يجب أن يبقى في المجال الخاص. ويبدو الاتحاد الأوروبي وشروط كوبنهاجن للتأهل لدخوله، والتي تضم احترام الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان والأقليات واقتصاد السوق، كأفضل طريقة لضمان التقاء عالما تركيا أخيراً حتى يتسنى للدولة صنع السلام مع نفسها، من خلال إطار اجتماعي سياسي يستطيع الطرفان الوصول إلى حل وسط من خلاله. ليونيداس أويكونوماكيس زميل بحوث بجامعة "كريت" ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©