الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غضب بين المثقفين في الخليج بسبب تصريحات مسيئة من يوسف زيدان

17 أغسطس 2016 22:19
أثارت آراء الدكتور يوسف زيدان التي أدلى بها خلال ندوة أقيمت ضمن مهرجان «ثويزا» في مدينة طنجة المغربية جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية الخليجية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعل معها المغردون على نحو واسع. وفي تغريدة له، لفت سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى ضرورة الرد على زيدان، وقال معقباً على ما أدلى به الدكتور عيد اليحيى: «عيد اليحيى يرد على يوسف زيدان: كلامك كلام جهلة». وكان الدكتور عيد اليحيى مقدم برنامج «على خطى العربية» قد رد على افتراءات يوسف زيدان عبر برنامج «تفاعلكم» المذاع على قناة «العربية» قائلاً: «الجزيرة العربية مصدر اللغة العربية، فكيف ليس بها علماء للغة العربية؟.. الإمام علي (رضي الله عنه) أبو اللغة العربية وصاحب النحو، وأبو الأسود الدؤلي هو عربي وهو الذي نحا النحو بأمر من الإمام علي بن أبي طالب، ثم الأصمعي.. ثم من جاء بعدهم من الموالي، مثل سيبويه وابن جني.. كلهم من الجزيرة العربية، ومن منهم ليس من الجزيرة فقد تعلموا فيها». وأضاف اليحيى: «كفى للغة العربية فخراً أن يدخل فيها من غير العرب، ثم يكون عالماً بها، لذلك اللغة العربية هي أم اللغات». وأكد أن علماء الغرب «يرون أن جميع الهجرات السامية خرجت من الجزيرة العربية، وليس بعد انهيار سد مأرب كما زعم زيدان». وأشار إلى أن سد مأرب كان «حديثاً»، وليس «قديماً»، وهذا يوضح جهلاً كبيراً وفقراً في المعلومات. ووجه اليحيى رسالة لزيدان قائلاً: «الجزيرة العربية خرجت منها أعظم اللغات المكتوبة وأكثر الحضارات». وتوالت ردود المغردين على «تويتر»، أو «الفيسبوك» لتدحض افتراءات يوسف زيدان على هذه المنطقة التي يكفيها شرفاً وفخراً أن نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – نشأ وعاش على أرضها، وهو أفصح العرب، فيما استذكر آخرون مواقف زيدان المشككة في قضايا تاريخية ودينية عديدة، ووصفوه بأنه مزور التاريخ، وسارق الروايات. وطالب مثقفون سعوديون وخليجيون بضرورة استبعاد يوسف زيدان بقرار جماعي من الفعاليات الثقافية في المملكة ودول الخليج وعدم دعوته، واصفينه بـ «السلبي الحاقد»، فيما أبدى آخرون دهشتهم، ووصفوا زيدان بالعنجهية، وبأنه غير محايد ويهرف بما لا يعرف. وقال الكاتب السعودي تركي الحمد: «لو تجرد يوسف زيدان من تحيزه، وقرأ كتاباً مثل«تاريخ اليمامة في صدر الإسلام» لعبد الله العسكر لما تفوّه بكثير من مغالطاته.. ولكنها العنجهية». أما الناقد الدكتور نايف رشدان، فأبدى دهشته وعجبه من مثقف «ينظر إلى العطاء من خلال منظور ماضوي»، مضيفاً «علينا ألا نلقي بالاً لهؤلاء». وشدد الكاتب الروائي الإماراتي عبدالله النعيمي على ضرورة استبعاده وعدم دعوته قطعياً لأية فعالية، مؤكداً أن «مثل (زيدان) سيستمر في غيه»، بينما قالت الدكتورة عائشة النعيمي: «ستظل منطقة الخليج في نظرهم مجرد برميل نفط، ويوسف زيدان للأسف تطاول على تاريخ الجزيرة العربية بنبرة فيها الكثير من القبح»، مشددة على أن «يوسف زيدان حالة خاصة لا يمثل فيها المثقف المصري الأصيل الذي يدرك جيداً تاريخ وحضارة الجزيرة العربية منذ ما قبل الميلاد وحتى نزول الرسالات والأنبياء والثقافات المتنوعة والأطياف المتعددة». وتساءلت الكاتبة الإماراتية حصة لوتاه قائلة: عندما يذكر الكثيرون من شيوخ التصوف وكبارهم يذكر أنهم منحدرون من آل البيت، أي من العرب، فهل فاتت يوسف زيدان هذه الحقيقة، وهو من كتب حول بعضهم؟ وأضافت لوتاه: «النظرة العنصرية والمستعارة من نظرة الاستعمار لعرب الجزيرة لا تخلو إما من جهل، أو من تعصب. صفتان لا تليقان بمن يدعي المعرفة يا يوسف زيدان». وقالت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح، إن «يوسف زيدان يعود لشعوبيته، وهذه المرة يحاول ضرب السعودية والعرب في قلب الجزيرة العربية بكلام، أقل ما يقال عنه إنه تافه». أما الدكتورة ثريا العريض، فقالت: «لن نتخلى عن العروبة والتكاتف لأن جاهلاً يهرف بما لا يعرف، ويكشف بكلامه الفاضي عن الماضي مدى جهله بالحاضر». من جهتها سعت «الاتحاد» إلى أهل العلم والاختصاص من المتخصصين في اللغة العربية والتاريخ، حيث عبر حبيب الصايغ، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عن أسفه الشديد تجاه الآراء التي صرح بها زيدان حول حضارة شبه الجزيرة العربية، والنعوت التي "تكاد تكون عنصرية والتي أطلقها على شعوب عربية بأكملها"، ووصف الصايغ هذه الآراء بأنها "مرتجَلة وغير مسؤولة". وقال الصايغ: لسنا في وارد الدفاع عن الحقيقة، لأنها ناصعة إلى الدرجة التي يصبح معها أي إنكار أو تشويه نوعاً من العمى أو الجهل أو سوء النية المبيّت والذي لا يجدي معه أي حوار، لكننا بحاجة إلى أن نتوقف عند ظاهرة مرضية أخذت تستشري على نحو ما في الوسط الثقافي العربي، وتُحدث نوعاً من البلبلة الخطرة في ظرف نحن أحوج ما نكون فيه إلى الحكمة والتبصر. وهذه الظاهرة أدنى ما توصف به أنها تهريج يراد به لفت النظر بأي طريقة من الطرق، ولو جاء ذلك على حساب الحق والحقيقة، ولو كان ثمنه التضحية بروح الأخوة التي تربط بين شعوب أمتنا العربية، وهي آخر ما تبقى لنا في زمن التشرذم والضعف وانهيار القيم. وأضاف الصايغ: ما نحتاج إليه هو التحلي بحس المسؤولية في البحث والتحليل وقراءة التاريخ، وعدم الانجرار وراء المغالطات التي تم الترويج لها من قبل أنظمة وتيارات وقوى تخوض شعوبنا الآن أشرس معاركها ضدها، لا سيما ما يتصل منها بنظرية الهوامش والمراكز التي تجاوزها الزمن، وكانت تعبيراً بغيضاً عن نزعات استعمارية عنصرية لم تجلب سوى الويلات والكوارث. ودعا الصايغ إلى ضرورة التصدي لأي قضية تتعلق بالتاريخ في إطار علمي منهجي محكم، وضمن قواعد رصينة من التحليل، لا عبر تصريحات أو آراء مرتجلة بغرض إثارة الإعجاب أو لفت النظر، وقال: نعتقد أنه قد حان الوقت كي يتجاوز بعض المثقفين العرب مرحلة الارتجال إلى مرحلة البحث، وأن يدركوا أن مسؤولياتهم تتخطى طموحاتهم الشخصية الضيقة لتصبح مسؤولية سياسية واجتماعية وأخلاقية، لا سيما في هذه المرحلة التي نبحث فيها عما يجمع لا عما يفرق، دون أن نضحي بالحقيقة، والحقيقة في موضوعنا ثابتة وفوق كل الشبهات. وشدد الصايغ على أن احترام الآخر والحرص على عدم التعدي عليه وتجنب كل ما من شأنه أن يؤذيه في تاريخه وهويته مبدأ لا يجوز في حال من الأحوال التساهل فيه، فكيف إذا كان الطعن في الذات التي ينتمي إليها الشخص، فتاريخ شبه الجزيرة العربية لا ينفصل عن تاريخ أي مدينة أو عاصمة عربية أخرى، ونحن عندما نتحدث عن حضارة عربية لا نتحدث عن حضارات في الخليج أو العراق أو الشام أو مصر أو المغرب، بل عن وجود متكامل متصل، يغذي بعضه بعضاً، ويدعمه، ويمنحه شخصيته وهويته. وأكد الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن ما ذكره الروائي والباحث من عواصم عربية هي حواضر فعلاً، وموضع اعتزاز، لكن لا يصح تجاوز أدوار تاريخية فاعلة ومؤثرة بالسوية نفسها لحواضر الجزيرة العربية والخليج العربي، وقد كان بعضها مهبط الوحي ومركز الإشعاع والتنوير على مدى القرون. ومن جانبه ، قال الدكتور علي بن تميم أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب: الثقافة تعتمد على التنوع، وأظن أن دعوات الصفاء العرقي والبحث عن ماضي الحضارة في أي عرق تشبه دعوات التشدد، حتى التجارب العلمية في علوم الجينات والحمض النووي تثبت استحالة نقاء الأعراق.. من هنا، استغرب كيف يقع يوسف زيدان في هذه المشكلة، فقد كانت نظرته عنصرية ولا تتوافق مع تميز كتُبه، وموقفه هذا يشبه مواقف المستشرقين الذين كانوا يمثلون ثقافتهم فينظرون إلى المنطقة من المركزية الأوروبية ويعبرون عنها. وبهذا المنطق الذي تحدث عنه زيدان ستواجه معظم الثقافات تحديات كبرى. لقد كان ادوارد سعيد يقول: «هيهات أن تكون الثقافة وحدانية موحدة أو مستقلة ذاتيا». وأضاف د. ابن تميم: إن الثقافات العرقية لا تستطيع الصمود، بل أقول إن التحيزات العرقية لا تصنع إلا الصراعات والموت. وقد لاحظت، عندما سمعت ما قاله في الندوة بالمغرب، أن الجمهور ضحك، وفي هذا تعبير عن الاستغراب والاستهجان، كما أنني لاحظت نوعاً من الاستعلاء في كلامه، وعندما سألته إحدى الحاضرات عن الفراهيدي ارتبك. وثمة معضلة تتعلق بالخليل بن أحمد الذي اكتشف المعجم العربي تتمثل في ما قيل عن أنه جاء بالفكر المنهجي من الهند، وهذا غير صحيح، أما علماء اللغة الذين جاؤوا من المنطقة فيشار إلى ابن دريد، والكندي وهو أول فيلسوف عربي، وابن رشد. وتابع د. ابن تميم: اعتقد أن العرب أنفسهم لم يقولوا بالعرق وصفاء الثقافة، وهم يعترفون بالهجنة والتنوع، كما أن اللغة العربية احتفت بالقادمين من كل مكان من روم وأحباش وغيرهم، حتى أن الزمخشري لاحظ ذلك في القرآن ووصفه بأنه متعدد الألسن، والألسنية لا تعزو نفسها إلى جوهر واحد مثل اللاتينية، والعرب لم يكتفوا بالمصدر الواحد لأنهم يدركون أنهم جاؤوا في لحظة انهار فيها برج بابل. وحتى العلم يظهر خلاف ذلك، فالبريطانيون المتمسكون بنقاء عرقهم مثلاً يظهرون خلاف ذلك عند التحليل العلمي، وهذا ما وصلت إليه دراسات ما بعد البنيوية ودراسات ما بعد الاستعمار التي ترى أن المركزيات انهارت. وزاد الدكتور على بن تميم: زيدان موهوم، فحتى الثقافة المصرية نفسها استقبلت شوقي وبيرم والخضر شيخ الأزهر القديم وكلهم قادمون من ثقافات أخرى، ثم إن كلام زيدان ينقلب على ما أسسته الثقافة المصرية، وما يطرحه فيه مغامرة لأن الثقافة ليست صافية. معظم الدراسات الحديثة تشير إلى أن الثقافة العربية لم تقل إنها ولدت ثقافة صافية في عرقها، وما طرحه لا يمثل سؤالاً في الثقافة العربية أساساً. وعندما كان بعض الشعراء في بلاطات الخلافة يشيرون إلى السود والعبيد بنظرة عرقية كان الخليفة يسخر من ذلك. كل التقاليد العربية التي أسست قديما احتفت بالمكونات الغريبة وهضمتها وجعلتها جزءا من ثقافتها، ومن شواهد ذلك التأثير المتبادل بين الثقافة الفارسية والعربية. وأردف د. ابن تميم: يبقى أن مفهوم الجزيرة العربية واسع، وربما رآه زيدان من منطلق الجنسية، وهي فكرة حائرة ومحيرة، فالمنطقة جغرافيا تضم الخليج واليمن والعراق، وكان أبو الطيب المتنبي يحتفي بالجزء البدوي في الثقافة العربية لأنه الأكثر قوة فكريا، ويرى أن الحضارة فيها جزء مصنوع في حين أن البداوة فيها الفطرة والقوة. وإذا توقفنا عند سيبويه سنجد أنه مع مجايليه عندما انتقلوا إلى المنطقة العربية انتقلوا من ثقافة ترفضهم أصلا، وكان انتقالهم إعجابا بالثقافة العربية وكان أيضاً فرارا من العرقية الفارسية التي دمرتهم، فوجدوا أن العربية هاضمة لهم وغير عرقية انطلاقا من القول عن العصبية:«اتركوها فهي منتنة». وعند سيبويه تحديدا علينا أن نفرق بين البنوة بالانتماء البيولوجي وبين تبني الثقافة، فأن تتبنى ثقافة أخرى هو الأهم، نتحدث عن تبني عالم كبير للثقافة العربية التي لا ينتمي إليها، في حين أن الكثير من أبناء الثقافات يتنكرون لعرقهم مثلما فعل زيدان، وهؤلاء يشكلون مشكلة، تبني ثقافة بشكل عام أهم من الانتماء العرقي لها، وهذا هو ما يصنع التغيير والتحول. وختم د. علي بن تميم قائلاً: على يوسف زيدان أن يمتلك الشجاعة ليحدد ماذا يريد قوله ويناقش الموضوع، فلم تمنع ثقافة شبه الجزيرة العربية من الاحتفاء بزيدان الذي استضيف في عدة مدن هنا، وكتب عنه من يسميهم (سرّاق إبل)، في إشارة إلى أنهم لم يكونوا عنصريين واحتفوا بإبداعه. إن ثقافة الجزيرة العربية ليست ثقافة عرق، وهذا ما يجعلها قوية ومستمرة وأسهمت في إخراج أصوات أقليات حافظت على التنوع بين الألوان والعرقي والنوع من ذكورة وأنوثة، كما أنها حافظت على المدونات الدينية القديمة ولم تتلف الإلماحات الوثنية فيها. والحديث عن الصفاء العرقي طرح ليس له قيمة وهو انقلاب على التطور الفكري الذي أحدثته الثقافة الكونية التي ينتمي فيها الإنسان إلى عدة ثقافات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©