الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التهامي بنكيران يصور الغرابة والطرافة في الحياة اليومية بمدينة فاس المغربية

التهامي بنكيران يصور الغرابة والطرافة في الحياة اليومية بمدينة فاس المغربية
19 ابريل 2013 23:47
محمد نجيم (الرباط)- في معرضه الفوتوغرافي الذي يحمل عنوان « قضبان الجاذبية»، يقدم الفنان المغربي التهامي بنكيران أعماله الجديدة التي تحمل تفاصيل دقيقة وتكشف وتغوص في أعماق الحياة اليومية لسكان فاس، المدينة التي ولد وترعرع فيها هذا الفنان الذي يحمل آلته ليقتنص الصور الجميلة التي ينصهر فيها الزمان ويتوقف عند الضغط على زناد الكاميرا، ليخطف الدهشة ويجمد الحدث بشاعرية وحس مرهف يحمل كل أبعاد الدهشة والجمال. في كتيب المعرض الذي أقامته مؤخرا وزارة الثقافة المغربية برواق محمد الفاسي بالعاصمة المغربية الرباط، اعتبر الفنان والناقد الجمالي المغربي جعفر عاقيل أن التهامي بنكيران «يُعتبر من الفتوغرافيين القلائل بالمغرب المهووسين كثيرا بفكرة المزج بين أسلوبي الوثيقة والتعبيرية في إنجاز العمل الفوتوغرافي. إن الفعل الفوتوغرافي عند بنكيران هو بحث متجدد ومتنوع عن معادلة تجمع بين تمثيل الواقع والتعالي عنه في الآن نفسه؛ فمنذ معارضه الأولى أبان مبدعنا عن اهتمام كبير بموضوع الحدود الفاصلة بين «الواقع» le réel وطريقة تمثيله أو بالأحرى إعادة إنتاجه فوتوغرافيا. وتجسد الأعمال التي خصصها لمدينة فاس عموما و»المدينة القديمة» خصوصا، رؤيته الاستشرافية ونضجه الفكري وذوقه الرهيف في تمثُّلِ ثم تَمْثيل فضاء شكَّل لعقود طويلة، ولا يزال، موضوعا لإثارة الغرابة والطرافة وتجسيد المغرب العتيق. لقد صار الفعل الفوتوغرافي مع بنكيران فعل تفكيك وهَدْم ثم إعادة بناء داخل التأطير الواحد، وكل ذلك من أجل تكثيف للحظة أو حالة تصوِّر اليومي الفاسي والمغربي على السواء في أدق جزئياته وبساطته. ويوظف فوتوغرافيا لبلوغ هذا الغرض سلسلة من التقابلات القائمة على عنصري المملوء والفارغ، الواضح والمضبب، النور والعتمة، وخاصة الاستعمال الذكي للَّطَخات اللونية والتوزيع المحكم للكتل والحركية والتعدد في انتقاء زوايا النظر الموظفة؛ أي استعمال سلسلة من المكونات والأواليات التي تضفي على الحالات التي تنقلها لنا شبحية كامراته تنوعا وانفتاحا يقطع مع النماذج الفوتوغرافية السابقة عنها». مضيفا أن هذا الفنان «مُنشغل بالتنقيب والاشتغال على صيغ قادرة على منح فوتوغرافياته بعدا لَمْسِيا. وبعبارة أشمل بالقضايا التشكيلية وأبعادها الفنية والجمالية في إنجاز الصرح الفوتوغرافي. ولتحقيق هذا الرهان انكب منذ مدة على التفكير والبحث في إيجاد الأجوبة المقنعة لسؤال اللون وأشكال حضوره في العمل الفوتوغرافي وطريقة نشره وكيفية تركيب تدرجاته وسلاليمه على مساحة الصورة حتى يمنح هذه الأخيرة بعض النتوءات. وهذا ما يفسر من جهة أخرى ذلك الحضور القوي لتقنية التنضيد، والطباعة الفوقية، والتلاصق، في أعماله، وكلها تقنيات وأساليب تغني عوالِمَهُ المصوَّرة، ومن ثم تمنحها صفة تأطيرات وبناءات وتشييدات غريبة، تأخذ فيها تركيبات اللون وأحجامه وأشكاله معاني رمزية ودلالات ثقافية جديدة. كذلك، يولي هذا الفنان الإيقاع التجريبي، اهتماما خاصا ودقيقا لمكونات الشكل وتوازن الكتل وجدلية النور والعتمة في منتجاته. فالمتأمل في أعماله يلمس أن الكتابة الفوتوغرافية عنده، سواء منها المرتبطة بموضوع الغرافيتي أو ذات المنحى الاجتماعي، تثير بإلحاح سؤال القيمة الإضافية التي يمكن أن تضيفها هذه العناصر لمعاني الصورة ودلالاتها؛ أي كيف يجعل الفوتوغرافي من هاته المفردات عنصرا فاعلا، وحاسما في إعادة تشكيل الحالات أو اللحظات أو الشذرات الملتقطة، ومن ثم إعادة تشكيل طريقة إدراك المشاهد للأشياء الممثلة أمامه. ذلك أن منح الأشياء المصوَّرة حدودا أو إحاطات جديدة معناه منحها أشكالا غير متداولة. وهذا يتطلب بالطبع التفكير في إيجاد تأطيرات جديدة تخيط بأسلوب إبداعي وبحس فني وجمالي بين جزئيات كل هذه المكونات». وتمثل صور سلسلة « قضبان الجاذبية»، مُختبرا حقيقيا لتجريب هذه الاستعارات والانشغالات الفكرية والجمالية، حيث يتأسس نظر الفنان في هذه الأعمال على مبدأ استفزاز بصر المشاهد ومن ثم بصيرته، فالسلسلة التي يقدمها التهامي تسرد مجموعة من الحكايات التي يعيشها يوميا الإنسان عموما والإنسان المغربي تحديدا مع قضبان افتراضية أو بالأحرى من صنع خياله، قضبان تحجب عنه الرؤية الصافية للأشياء وتقلص من حرية حركاته وديناميته وتستدرجه نحو الجاذبية..؟ ذلك أن بنكيران يدرك جيدا أن انتصارنا على تعب الحياة مرهون بقدرتنا على التحليق عاليا بأجسادنا، بل بذواتنا وروحنا نحو أفق جديد. أما الناقد الجمالي بنيونس عميروش فيرى أن التهامي بنكيران «يحفر فرادته وخصوصيته في المشهد الفوتوغرافي المغربي، إذ اتخذ مسلكا مخالفا تغيب فيه الصورة النمطية ذات البعدين التوثيقي والإثنوغرافي، التي طبعت الممارسة الفتوغرافية خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي. وذلك لصالح تعبيرية خطية تقوم على النظرة المكثفة التي تحيد عن الوجود والحشود والزقاق، في اتجاه بحث إشكالي يروم تخليص الفعل الفتوغرافي من النموذج أو «الموديل» على الأصح، ضمن محاولة تذويب التشخيص والتجسيم لملاحقة جمالية تجريدية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©