الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طموح الإلغاء... فلسطينياً

30 نوفمبر 2009 23:33
عبد الوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن لم تكن السلطة الفلسطينية تفاوض إسرائيل من أجل أن تعزز مكانة "فتح" في الحكم، وإنما من أجل إنهاء الاحتلال. ولأن المفاوضات تعثرت وانهارت ثم فشلت، والآن يصعب استئنافها، وجدت السلطة نفسها بلا شعبية وبلا هيبة حتى داخل "فتح". أما الآن، مع تأكيد وجود صفقة لتبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، ومع تسرب الكثير عن حوار معمق بين وفدين أميركي وحمساوي برعاية سويسرية، قد تجد "حماس" أن من شأنها أن تأخذ في الاعتبار احتمالات أن تكون بديلاً عن السلطة. وهذا طموح لا تنكره الحركة الحاكمة في قطاع غزة، لكن ينبغي أن تكون مدركة تماماً أن تحقيقه لا يمكن أن يكون بلا ثمن. فالسلطة لم تكن لتكون في مكانها لولا تنازلات أرضتها في اتفاقات أوسلو، وأملت بأن تعالجها لاحقاً بهدف تحسين الظروف أو تخفيف مفاعيل التنازل. ولولا "أوسلو" لما كانت انتخابات، ولما كانت "حماس" متمتعة الآن بشرعية صناديق الاقتراع. وهذا لم يمنعها من التنكر لـ"أوسلو". صحيح أنها رفضته دائماً من موقعها في المعارضة، وكان ذلك موقع تقدير وتفهم، إلا أن دخولها اللعبة ثم فوزها ثم نقضها لقواعد اللعبة لا تنتمي الى أي منطق، فضلاً عن أنها لم تبنِ أي بديل عملي وواضح في حمايتها لمصالح الشعب. ليس الهدف هنا الدفاع عن اتفاقات أوسلو، وإنما الإشارة الى وقائع ارتضيت في حينه، برغم إجحافها، لكن الواقعين العربي والدولي اللذين سدّا الآفاق أمام الفلسطينيين وقيادتهم آنذاك، أوائل التسعينيات، دفعا الى قبول مجازفة "أوسلو" ونقل الصراع من فضاء عربي بدأ يضيق عليه إلى مدى فلسطيني ضيق لكنه قابل للتوسع. لكن -على الأرض- ارتطم الجهد الفلسطيني بحقيقة "ميزان القوى"، الذي فرض الإسرائيليون -وقبل الأميركيون- أن يكون معياراً لأي سلام أو تسوية، لذلك راح "أوسلو" ينتقل من فشل إلى فشل، من حقبة دموية إلى أخرى، ما أعاد الصراع الى فضائه العربي لتولد "مبادرة السلام العربية" لكنها لم تغير الكثير في الموقف الإسرائيلي- الأميركي. ثم إن حرب غزة دفعت بالصراع إلى الواجهة العالمية، وللمرة الأولى أصبح الحديث عن جرائم الحرب الإسرائيلية مستنداً إلى مرجعية حقوقية دولية. بين الكفاح التفاوضي والكفاح المقاوم عاد للقضية الفلسطينية توازنها الضائع، إلا أنها للأسف باتت منقسمة -وبالتالي عاجزة عن استثمار أي مكسب ولو ضئيل يلوح في أفقها. شعب بجسدين متنافرين، بجناحين يطير كل منهما على هواه، وبرأسين، لا يفكران معاً، بل يتربص أحدهما بالآخر. طالما انتظرت هذه القضية حدوث نقلة ولو صغيرة على المستوى الدولي باتجاه إنصافها، لكن حتى لو حدث اليوم انقلاب جذري في الموقف فإنه لن يفيدها بسبب الانقسام السقيم بين الضفة والقطاع. والأسوأ أن الواقع العربي المريض زاد الانقسام حدة. بعض العرب يرعى بعض الفلسطينيين لأنه يستفيد من تناحر أبناء الشعب الواقع تحت الاحتلال. بعض العرب يؤيد "حماس" بداعي أنه يكبر فيها مقاومتها للاحتلال، لكنه يقيم علاقات طيبة مع دولة الاحتلال، أو أنه يطرق كل الأبواب للتفاوض معها. لابد لـ"حماس" أن تدرك الفارق بين أن تحقق المقاومة خيراً للشعب الفلسطيني وبين أن تكون هذه المقاومة مجرد شعار يتباهى به اللاعبون الأكثر بعداً عنه. ما دامت السلطة الفلسطينية اتخذت أكثر مواقفها عقلانية بشأن المفاوضات ورفض استئنافها ما لم يتوقف الاستيطان تماماً، وما دامت "حماس" بلغت أقصى ما يمكنها من دور ومكانة، فإن أي تقارب ومصالحة بينهما يجب أن يتما على أساس تكامل الجهود، لا أن يلغي أحدهما الآخر، ففي أي إلغاء خسارة للاثنين معاً. وبطبيعة الحال فإن السلطة لن تستطيع التماهي مع مواقف "حماس"، ولا "حماس" تستطيع أن تصبح هي "السلطة" بعد كل ما رأيناه من تجربتها في القطاع
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©