الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وسموم خطاب اليمين «الثوري»

أميركا وسموم خطاب اليمين «الثوري»
30 نوفمبر 2009 23:32
والتر رودجرز ويلمنجتون - كارولاينا الشمالية قد تكون هنالك أماكن قليلة جداً في أميركا لديها ندوب عميقة بسبب التحريض الكلامي والخطاب المتشدد مثل ندوب مدينة "ويلمنجتون" الواقعة بولاية كارولاينا الشمالية حيث ما زال الناس يتحدثون همساً عن الحرج الذي ما زالوا يشعرون به بسبب أحداث 19 نوفمبر 1898. إذ تعد ذاكرة "ويلمنجتون" الجريحة شهادة مأساوية على حقيقة أن التقدم الاجتماعي ليس حتمياً، وأن الخطابات والكلمات الناضحة بالكراهية، إذا لم تواجَه، كثيراً ما تتحول إلى عنف طليق. واليوم، انتشر في أميركا الحديث عن ثورة مضادة للحكومة على نحو خطير ولم يعد مقتصراً على جهات محدودة معروفة بتعصبها. فقد اكتشفت إحدى الوكالات الأمنية الفيدرالية مؤخراً 50 ميليشيا جديدة، من بينها واحدة تضم أفراد شرطة وجنوداً سابقين وحاليين. ومما يذكر هنا أن الرئيس السابق بوش كان هدفاً لقرابة 3 آلاف تهديد بالقتل في السنة حين كان في السلطة. أما الرئيس الحالي أوباما، فيتوقع أن يكون نصيبه من هذا ضعف ذلك العدد بخمس مرات. وعليه، فإنه يجدر بالأميركيين في هذه الظروف أن يتأملوا تجربة "ويلمنجتون" ومرارات ما جرى هنا قبل 111 عاماً. ففي 1898، كانت هذه المدينة متقدمة على بقية الجنوب الأميركي بأشواط، حيث كانت تنعم بثقافة سياسية شاملة ومتعددة الأعراق؛ وكانت تضم طبقة وسطى سوداء صاعدة، وكان فجر عهد جديد من الأمل قد بزغ في كارولاينا الشمالية، بشكل عام. ولكن الخاسرين في انتخابات 1896، من "الديمقراطيين" البيض، شعروا بالانكسار وخشوا ألا يعود لهم مكان سياسي في الولاية عقب خسارتهم في الانتخابات، وخاصة بالنظر إلى رفض التقدميين البيض والناخبين السود لهم، فرفعوا لافتة "استعيدوا الولاية" واتخذوها شعاراً لمعركتهم. وهو ما قاموا به بالضبط. ففي التاسع من نوفمبر، أصدر بعض البيض من سكان ويلمنجتون "إعلاناً أبيض للاستقلال" قالوا فيه "إننا لن نبقى محكومين... من قبل رجال من أصول إفريقية". وفي اليوم التالي، تولت واحدة من مجموعات الحراسة الأهلية من البيض المتعصبين والمسلحين مهمة تنحية زعماء المدينة "الجمهوريين" (السود والبيض) من السلطة بالقوة، فأمسكوا بزمام الأمور، وأحرقوا المباني وأطلقوا النار على السود. وبلغ العدد الرسمي للقتلى أقل من 20، وإن كانت بعض المصادر الأميركية من أصل إفريقي تزعم أن نهر المدينة كان يغص بمئات الجثث. وما من شك في أن الآلاف من السود الخائفين فروا من المدينة، على كل حال. وللأسف، لم يتحرك لا الرئيس ماكينلي ولا حاكم كارولاينا الشمالية (وكلاهما "جمهوريان") من أجل وقف ما كان يجري، على رغم أنه يرقى إلى كونه انقلاباً وأعمال شغب عرقية. ومباشرة بعد ذلك، أضعفت قوانين "جيم كرو" الحقوق الأساسية للسود طيلة نصف القرن التالي. والواقع أن المرء وهو يستمع إلى حديث اليمينيين في أميركا اليوم يتكون لديه شعور بأننا إزاء أمر سبق أن شاهدناه. ففي مارس الماضي، قال مقدم الأخبار في قناة "فوكس نيوز" جلين بيك: "إذا شرع هذا البلد في الخروج عن السيطرة... فإن ثمة مناطق من البلاد ستنتفض". وذاك بالضبط هو ما حدث في "ويلمنجتون" في 1898 حيث دبّر الأشخاص الذين خسروا السلطة في الانتخابات انقلاباً تميز بالرعب والعنف والإرهاب. واليوم، ها نحن نسمع صدى مثل ذلك الخطاب الثوري المتطرف مرة أخرى. فأثناء تغطيته لتظاهرة احتجاجية في بوسطن الربيع الماضي، صاح مقدم الأخبار الاقتصادية في قناة "فوكس نيوز" يقول: "أيها الناس، متى سنستيقظ ونبدأ في مقاتلة الفاشية التي يبدو أنها أخذت تكتسح هذا البلد؟". وهنا، يتذكر القس ويليام باربر، رئيس "الجمعية الوطنية لتمكين السكان الملونين" في كارولاينا الشمالية، مشاعر مماثلة على اللوحات الإعلانية في الجنوب الأميركي خلال فترة الحقوق المدنية: "كانت تصور مارتن لوثر كينج على أنه شيوعي واشتراكي ومناوئ لأميركا". وعلى غرار ما حدث في 1898، فإن وطنية وشرعية أية شخصية أميركية سوداء بارزة أصبحا موضع تشكيك وتساؤل مرة أخرى، حيث يتساءل اليمين الرجعي الراديكالي اليوم عما إن كان أوباما مواطناً أميركياً حقاً. ويحذر باربر مما يسميه "ولادة جديدة للخطابات الخطيرة"، مذكراً أن "كل أشكال العنف تكون عادة مسبوقة بلغة عنيفة". واليوم كذلك، يرتفع مؤشر الكراهية على نحو خطير إلى الأعلى. ففي أغسطس الماضي، قال ستيفن أندرسون من الكنيسة المعمدانية في "تمبي"، بولاية أريزونا، لرعاياه، إنه يدعو الله أن يموت أوباما. وكذلك يفعل أيضاً القس ويلي دريك في كاليفورنيا. إن الدرس واضح: فاللغة الصحية تنتج سكاناً أصحاء. أما اللغة غير السليمة، فنتيجتها سكان غير أصحاء. وفي هذا السياق، يقول ديفيد سيسيلسكي، وهو مؤرخ من كارولاينا الشمالية: "إن عنف ويلمنجتون في 1898 أرسى دعائم ولاية يحكمها حزب وحيد، مما دق إسفيناً بين الناس بسبب أهداف سياسية". والواقع أن "ويلمنجتون" ما زالت تسعى للتعاطي مع تداعيات تلك الأحداث حتى بعد مرور أزيد من قرن على ذلك لأن أجيالا من الأطفال السود حُكم عليها بأنظمة تعليم من الصنف الثالث. ولعل الجانب الأكثر مأساوية لخطاب البيض المتعصبين بالأمس واليوم هو أن الديمقراطية تعرضت للخيانة؛ والثقة، التي تعد عنصراً أساسياً من الديمقراطية، تعرضت هي أيضاً للتدمير. وقبل عام من اليوم، ساعد زعماء أهالي "ويلمنجتون" النائب العام بِن ديفيد على إطلاق حملة مصالحة من أجل استعادة الثقة بين الأعراق، وتجاوز إلقاء اللوم على الآخر، أو تبني المواقف السلبية في اتجاه التعافي والتصالح، وهي عملية بطيئة. وبالمثل، فإن الأميركيين على الصعيد الوطني في حاجة إلى حوار مماثل لتلافي تكرار التاريخ العرقي المؤلم للبلاد. كما يجدر بأقلام الكراهية والمدونين اليمينيين تأمل الخسارة الاجتماعية والإنسانية التي لحقت بمدينة "ويلمنجتون" على المدى الطويل على أيدي جيل سابق من السياسيين المتعصبين. وبعد ذلك، عليهم أن يتخلصوا من خليطهم السام المكون من التحريض، واللغة التي تنضح بالكراهية، والعنصرية المبطنة والمتنكرة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©