الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سنيارنا سافر وتوكّل بالله»

«سنيارنا سافر وتوكّل بالله»
17 أغسطس 2016 20:36
خالد الظنحاني ارتبط أهل الإمارات بالبحر ارتباطاً وثيقاً، لا سيما أولئك الذين يعيشون على مقربة منه، إذ شكل لهم مصدر زرق وفير، فكانوا يمتهنون صيد السمك والغوص على اللؤلؤ، وهما النشاطان اللذان يعتريهما الكثير من المخاطر والأهوال، ذلك أن البحر معروف بكرمه وجوده، إلا أنه قد يغدر بصاحبه في أحايين كثيرة، وهناك حكايات وقصص عديدة تدور حول هذه القضايا. وفي إحدى الليالي سمعت أبي يتحدث لوالدتي عن قصة رجل من منطقتنا يدعى علي الغاوي، وكان يعد من الرجال الغاصة المهنيين والمتقنين جداً لمهارة الغوص، هذا الرجل ركب البحر في أحد المحامل، أي سفن الغوص، وكان النوخذة في ذلك المحمل فظاً غليظ القلب، وحدثت بين الأخير والغواص الغاوي مشادة كلامية، فما كان من الغاوي إلا أن رمى نفسه في البحر، ولجأ إلى محمل آخر على مقربة منهم، ضمن مجموعة المحامل التي خرجت مجتمعةً، وهو ما يطلق عليه السنيار، ومن تلك الحادثة تعرفت على مفردة ثراثية جديدة وهي «السنيار». السنيار مفردة موجودة في اللهجة الإماراتية أو الخليجية عموماً، استخدمت قديماً وما زالت تستخدم في الوقت الحالي، وتطلق على السفن الكثيرة المتلازمة، وقديماً كانت رحلة الغوص تتم على شكل جماعات، وكانت تسمى «سنيار»، التي تعني تتابع السفن بقصد الغوص، وسيرها على شكل القافلة، وذلك لمساعدة أي سفينة تتعرض لسوء أو حادث. وعندما سألت والدي في إحدى الليالي عن معنى السينار، أجابني: مفردة السينار يا ولدي تعني أن تخرج سفن الغوص أو الصيد إلى عرض البحر مجتمعة، بغرض حماية بعضها بعضاً، أو إذا حدث حادث، لا قدر الله، لأحد المحامل، تهب المحامل الأخرى لمساعدته، ذلك أن البحر خطير يا ولدي ولا بد من أخذ الحيطة والحذر لأي طارئ. لقد وُظّفت هذه المفردة التراثية في الأدب الإماراتي كثيراً، خاصة الأدب الشعبي، من قبل شعراء عايشوا مرحلة صعبة من الزمن، فلا وجود للطرق والمواصلات الحديثة كما هي الآن، فكان الشاعر يمثل بيئته، وهو مرآة صادقة تعكس الموروث من ثقافة مجتمعية وأعراف وأنماط ترعرع فيها، فلا عجب أن تجد الشعراء الشعبيين المميزين على مستوى الموضوع واللفظ، يضمنون قصائدهم مفردات تراثية أصيلة مستساغة ولطيفة الوقع، كمفردة السنيار. ففي كلمات الأغنية المعروفة «بوعبدالله» التي تغنى بها الفنان محمد البلوشي، نبض جسّد المعنى الجميل لمفردة سنيار، حيث يقول مطلع القصيدة: دار الهوى شامي يا بو عبدالله سنيارنا سافر وتوكل بالله في حين أن أبياتها التالية، تناولت موضوع الفراق والبعد عن المعشوق، ذلك أن المسافر لأي غرض كان، يترك خلفه أحباباً يشتاقون لوجوده، فالبعد عن المحبوب نار تحرق قلب المحب، ولا يكاد ينفك منها كلّما لاح له طيف محبوبته: آه يا قوي قلبه صويحبي الغالي عزم على الفرقه آه وا عزالي كسر مجاديفي وقطع حبالي ياويله من الله يا بو عبدالله وهناك الكثير من القصائد والأشعار التي تناولت مفردة السنيار، وأبدع فيها الشعراء، فكانت نبراساً للأجيال التي أتت من بعدهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©