الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غَسَقٌ قبل العبور

غَسَقٌ قبل العبور
17 أغسطس 2016 20:35
د. منصور جاسم الشامسي «السِّنْيارُ» مُفرَدةٌ، مُرْتَبطةٌ بالبِيئَةِ البَحْرِيَّةِ الخليجيَّةِ، تَعْني مَجْموعَةَ السُّفُنِ الْمُسافرةِ في البَحْرِ، أوْ تَكَتُّلاً مِنَ السُّفُنِ الذّاهِبَةِ إلى مَوْسِمِ الغَوْصِ، تخْرُجُ مَعاً فريقَ عَمَلٍ بَحْريَّاً واحداً، وتنسيقاً مُشْتَركاً، ومِنْ دَلالاتِ مَعانِيها، الرُّفْقَةُ والصُّحبَةُ والْجَماعةُ والْمُشارَكَةُ والأُلْفَةُ والتّفاهُمُ والوُدُّ. وفي بلادِ الشّامِ لفظةٌ قَريبةٌ من «السّنيار»، فيها حروفٌ مُشتركة، وهي «السِّيران»، وتَرجِعُ الكلمةُ إلى أيامِ الدَّولةِ الأُمَويّةِ، وتَعْني الذَّهابَ، مجموعةً أو مجموعاتٍ، متحابّة، إلى مَكانٍ أَخْضَرَ يُفضَّلُ أنْ يَكونَ قَريباً مِنْ مَصْدَرِ ماءٍ كَنَبْعٍ أو نَهْرٍ، ويُقصدُ بها النُّزْهَة. غَسَقٌ قبل العبور نَدْخُلُ حَساسيةَ الرَّحيلِ والذَّهابِ والسَّفَرِ والعُبورِ والانْتِقالِ والْمُغامَرةِ والْمُغادرةِ والْمُخاطَرَةِ والبَحثِ عَن الأَكملِ والأَجملِ والآلَقِ، واكتشافِ الْمَجهولِ، وتَركِ الغُرفِ الْمُسدَلَةِ السَّتائِرِ إلى الفَضاءاتِ، والبَحثِ عَن الضَّوءِ والحُريّةِ والحُلُمِ والفَرحِ، والوُجُودِ الآخَرِ، والوُجودِ المُكمِّلِ، في مَكانٍ ما، تَكتَنِفُها ضَرورةُ الصّداقَةِ والتّكتُّلِ والتوحُّدِ والائْتلافِ والتّرابطِ والحبِّ والتناغُمِ والتّواشُجِ، وقصيدةِ شَوقٍ تُتلى في الطريقِ، في تَشكيلاتِ الصُّحبةِ الإيقاعيةِ الشّاعِريةِ، والعَفويةِ والتّلقائِيّةِ في الْمَشاعِرِ الْمُتبادَلَةِ، ويَنْمو التّأمُّلُ الذّهْنِيُّ في الرّحْلَةِ النَّبيلَةِ، والنَّقلةِ العاطفيةِ، لدى الطّرَفَينِ، وبَراءةُ العاشقِ وقُوّةُ قلبِهِ وصفاؤهُ، تُهَيْمنُ، والوجودُ الشِعريُّ، غيْرُ الوجودِ الدّارجِ، يَسْمُو، مُقتَرناً بِمَسيرَةٍ وِجْدانِيّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وتَسودُ بَصيرةُ أهْلِ الهَوى وحِكْمتُهم واعْتِدالُهُم وشَفافِيَّتُهم وجَمَاليّاتُهُم، وتُصْبحُ العَواطفُ مِهَاداً لِلرُّقِيِّ والكَمَالِ. أدفعكَ يا صَديقي بِلينٍ في الْمَدى، َكيْ تَرى، الشَّوْقَ الذي أرى، في رِحلة الْمُنتهى: (1) تُرْشدُ إلى الحبِّ، قالوا رَفيقُ هوىً أنْتَ ننطلقُ معاً في الأكْوانِ مُرْتَعِشَةً قُلوبُنا لا تَصْمُتُ تُعَلّمُنا الوَجْدَ الْمُتّجَدِّدَ لا يَنْهَزِمُ عاشِقٌ دَخَلَ الأُسْطُورةَ الْحُبُّ بُحُورُهُ كأَنَّمَا السَّبائِكُ عِنْدكَ /‏‏‏‏‏ والفِضَّةُ /‏‏‏‏‏والرِّيقُ العَذْبُ /‏‏‏‏‏ والرِّقَّةُ /‏‏‏‏‏ والنُّجُومُ وغُرّةُ الْجَمالِ... مآلٌ والوَعْدُ/‏‏‏‏‏ والصُّدودُ والوِصالُ/‏‏‏‏‏ والْجُلَّنارُ والسَّرابُ الذي أرى يَسْتَيقِظُ مِنْ بُعْدِهِ ويَقتربُ حُلُمُ الجنُودِ في الْحُروبِ السَّلامُ والتَّمدَّدُ في الضّياءِ وحَمْلُ القَمَرِ كُلَّ لَيلةٍ تَقْتَربُ الأَمانِيُّ مِنَ الشَّمْسِ أَراها مَاثِلَةً الوِقْفَةُ العَذْبَةُ الجَريئةُ سَادرةً هي الموجُودةُ في شِعْري خُذْني إلَيْها باغِتْها بالْمَجيءِ الْمُتَأنِّي خُذْها جَانباً/‏‏‏‏‏ حَدِّثْها عَن خَلاخِيلِها عِنْدي (2) قلْ لها: قَدْ حَلُمْتُ باللَّمى /‏‏‏‏‏ باللُّطْفِ /‏‏‏‏‏ والصَّباحَةِ رُبَّمَا... قَدْ أدْركتَ وِجْهَتي يا واسطةَ العِقْدِ الذي أرى وشَمْعَةً ساهرةً جَميلٌ أنتَ قَد آذنْتَ بالرَّحيلِ إلى أرضٍ لا تَمِيلُ ‏ عِنْدَ الصّباحاتِ /‏ تَشْتاقُ أكثَرَ وفِي الْمَساءاتِ /‏ حَمَلْتُ إليكَ عُطورَها هذا غَرْبِيٌّ وهذا عَرَبِيٌّ وبَيْنَهُمَا رِحْلَةُ رُوحي فِي الشَّتاتِ الْمُنَظَّمِ قَدْ قَرَأتُ عَليكَ رسائِلَها دَعوةَ عَاشِقَةٍ تَعْبُرُ الْمُنْعَطفاتِ وتَنتَظِرُني لا رفاقَ لها /‏‏‏‏‏ لا حُرّاسَ/‏‏‏‏‏ لا حَاشِيةَ تَعرفُ، عِندَ العُبورِ إلى العَتَباتِ، العِشقُ يَتَجَرَّدُ خُذْني إلَيْها بَدَأتْ تَذْكرُ أَنّي مَنْ كَتَبَ القَصيدةَ الْمَجْهولَةَ وَوَضَعَها فِي حَقِيبَةِ يَدِها يَوماً ما تَجَاوَزَتِ القَصيدةُ شَوْقَها ودَعَتْني لِلتَّوقيعِ خُذْني إلَيْها يَتِيْمَةٌ بَعيدةٌ تَقرأُ الشِّعْرَ.. وتُغَنّي تَعْزِفُ القِيثارَةَ.. وَتَبْكي تَسألُ: كَيْفَ الحبُّ يَجِيءُ؟ أرِها نَقشَ قَلْبي في قَلْبِها، أيُّها الصَّديقُ: في شُؤونِ الحُبِّ أرحَلُ حَتى أَصِلَ إلَيْها، وإنَّني أعْزِفُ أوتارَها، وأَنْسِجُ وُروداً عَلى قِيْثاراتِ الْمَواعيدِ أنا الأرضُ الّتي تَتَفَتَّحُ لها تَتَّسِعُ لِدُخولِ مَوْكِبِها أَسْأَلُها رَسْمَ اللّقاءِ في اللّيْلِ المُتْعَبِ (3) طيوفاً راحلةً أرْقُبُها تَدخلُ الْمَمالكَ الْمُلوَّنَةَ الْبَهِيَّةِ تَحْمِلُ الوَلَهَ عَلى شِفاهِ سَفِيْرَةِ عِشْقٍ تَعْرِفُ عُنوانَهُ الفَريدَ الذّاهِبَ في التّاريخِ، لا تَقْرأُ سِوى كلمَةٍ مِنْ نُورٍ؛ حُبٍّ، ثُمَّ تَفتَحُ الصَّفَحاتِ، وقَتَها كُلَّ حينٍ، جَالِسةً في الأَبْعادِ، وجَالِساً في الأَبْعادِ؛ نَقْتَرِبُ، تَسْكُنُنا لَيالينا الْمُكْتَظَّةُ بِنُورِ اللّقاءِ، السَّائِرِ في صَفَاءِ الرَّغْبَةِ العاطِفِيَّةِ، لا تَصلُ مُتَأخِّرَةً، وتَضَعُ حَداً للتَّشّظِّي، نَلتَقي في الْمَلْمَسِ النّاعِمِ، والكلامِ السّابِحِ في الْمَلاحِمِ العِشْقِيَّةِ، نَدْخُلُ العَتْمَةَ /‏‏‏‏‏ تَنْتَشي /‏‏‏‏‏ تَتَلَمَّسُ خُطانا السَّائِرَةَ. لَيسَ وَحيداً هَذا الْحُبُّ /‏ الرُّفْقَةُ الغَرامِيَّةُ تَسْكُبُ فَرَحاً في غُرْبةِ عاشِقَيْنِ/‏ يَمْضِيانِ في التَّصاريفِ /‏ يُومِضانِ في اللَّحْظَةِ الْمِثالِيَّةِ /‏ تَقْتَربُ الأَحْلامُ مِنْهُمَا /‏ لا تَنْشَطِرُ /‏ تَتَقاطَرُ الإضاءاتُ /‏ لا تَنْكَسِرُ /‏ ولا تَسْقُطُ/‏ لا تَذْهَبُ وَحْدَها/‏ تَعْرِفُ أنَّ خَلْفَ النَّافذةِ عَيْناً تَرى /‏ وفُؤاداً مُعَلَّقاً عِنْدَ بابِ الغُرْفَةِ /‏ يَعْرِفُ أنَّ الإبْراقَ في الدّاخِلِ يُرى /‏ ولا يَذهَبُ وَحْدَهُ؛ يَقتَحِمُ الغُموضَ كالفَجْرِ، يَسْتَخْرِجُ النُّورَ الواهِنَ الْمَنكوبَ بالنِّسْيانِ والضَّياعِ، يَجْعَلُ أَضْلاعَهُ مَراقِيَ في الأَعْمَاقِ. أَيَّتُها الصَّديقَةُ ارْتَقي. صَديقانِ يَتَهامَسانِ عنِ الضَّروراتِ، كَلَّما العَالَمَ الْمُتناثِرَ تقاطرَ فَوقَ الْمَوْجِ، يَكْتَسي باللَّوْنِ الأَزرقِ غَنّيا الحُبَّ عِندَ كُلِّ مُنْعَطَفٍ وَرَسَمَا سَيْرَهُمَا خارِطَةَ حُبٍّ لِلوالِهينَ يَتَقَدَّمانِ إلى الماءِ يُسافِرُ البَحْر في عُيونِهِما يَجْلِسُ إلَيْهما كُلٌّ مِنْهُما يَسْرُدُ حِكايَتَهُ الدُّموعُ تُغادِرُ دَهاليزَها السِّرِّيَّةَ القَطَراتُ على الخُدودِ أَدْعِيةٌ وتَنَهُّداتٌ كلُّ الدُّنيا مَتاحِفُ إِلّا بُيوتُ العَاشِقينَ تَتَمَلْمَلُ الحَكايا والقِصَصُ والرِّواياتُ آياتٌ تَوّاقَةٌ للنّهايَةِ العِشْقِيَّةِ للبِدايَةِ مَرَّةً أُخرى مِنْ صَفْحةِ القَلبِ عِنْدَ الْمَرايا تَزْهُو الجذورُ العاطِفِيَّةُ تَنْبَعِثُ تُجاذِبُ الأنْداءَ في أَشْيائِها الصَّغِيرَةِ وحَرائِرها الْمَوْضُوعَةِ في الدّواليبِ رائِـحَةٌ وغَاديةٌ أَشواقُها قَدْ جَعَلَتْني شاعراً لا بدّ من «السردال» لا بد لـ «السنيار» من «السردال» وهو قائد مجموعة السفن التي تخرج متلازمة، ويمتاز بالخبرة والدراية في الحسابات وأماكن «المغاصات» وأعماقها، وهو المسؤول عن حماية السفن من التيه أثناء الرحلة، لأنه يعرف الاتجاهات الصحيحة اعتماداً على الاهتداء بالنجوم والعلامات الطبيعية الموجودة على الجزر والسواحل، كما أن «السردال» هو الآمر الناهي في المحمل، أو مجموعة المحامل، والقاضي الذي يفصل بين المتخاصمين، وهو صاحب القرار في التحول من هير (المغاص) إلى آخر، وهو الوحيد المخوَّل بالإعلان عن موعد العودة إلى الديار بعد رحلة شاقة في البحث عن اللؤلو، تمتد إلى أربعة أشهر أو تزيد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©