السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

السّنيار.. تراث الأزرق

السّنيار.. تراث الأزرق
18 أغسطس 2016 12:24
د. أحمد عبد المنعم عقيلي «السنيار» مصطلح إنسانيّ تراثي عميق ارتبط بوجدان الإنسان الخليجي عموماً والإماراتي خصوصاً، وعندما نريد الوقوف على هذا المصطلح ودلالته وماهيته، نجد أنه ابن التراث، وواحد من إرهاصاته العميقة، الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان أن نقف وقفةً نعرّج فيها على مفهوم التراث ودلالته، لتكون نافذةً ندخل من خلالها إلى مصطلح «السنيار» ومفهومه، ودلالاته النفسية والوجدانية والإنسانية والاجتماعية. يتخذ التراث مكانة مرموقة وخالدةً في ذاكرتنا العربية عموماً، وفي الذاكرة الإماراتية الحيّة المتجدّدة، فهو المرآة التي تمثّل الشعوب والأمم، وترسم إطارها التاريخي الذي يشكّل انطلاقة حضارتها، وهو بمثابة الوعاء الذي يحوي كل جوانب تطور الشعوب ونموّها وارتقائها. ومصطلح «السنيار» جزءٌ مهم ومحوري وحيوي، مرتبط بالجذور وبالعادات والتقاليد، جزءٌ لا ينفصل عن حياة الإنسان الخليجي عموماً والإماراتي خصوصاً، وهو يحمل في طياته ظلال العادات والتقاليد والقيم والفنون والمهارات التي اكتنفتها أرض الخليج العربي لعصور خلت، فعاشت في أفئدة أبنائه وفي عقولهم، ومثّلت ذاكرتهم الجمعية التي يعتزون بها، وينتمون إليها، فالسنيار مرآة تعكس معارف وأنشطة شعبية متنوعة، صاغها المجتمع عبر تجارب طويلة، وتداولها أفراده وأبناؤه، وتناقلوها بعد أن تعلّموها بطرق عفوية، ومن ثم التزموا بها في سلوكهم وتعاملاتهم، وهي التي مثلت أنماطاً ثقافية متنوعة ربطت حاضرهم بماضيهم، ورسمت صورة مشرقة لمستقبلهم، ومستقبل أبنائهم وأحفادهم. مكانة كبيرة ولو وقفنا على دلالة المصطلح في المجتمع الإماراتي لوجدنا حقائق مهمة وجوهرية، تعكس وبوضوح أهمية «السنيار» ودوره الفريد لدى الإنسان الإماراتي، ولعلنا نفرد تلك الحقائق في مجموعة من النقاط، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: أولى الإنسان الإماراتي مكانة مهمة لبيئته التي عاش فيها، منذ فجر التاريخ وحتى يومنا الحاضر، وذلك على اختلاف أنواعها الجبلية والصحراوية، والبحرية، لما لتلك البيئات من أهمية في نفسه ووجدانه، حيث يلمس المتتبع لها ارتباطاً وثيقاً بأصالة المجتمع الإماراتي وحضارته، وذكريات ماضيهم وتراث أجدادهم المتمثل في رحلات القوافل البرية من جهة، ورحلات الغوص ومغامرات الصيد من جهة أخرى، إضافة إلى الدور الذي تحققه تلك الرحلات في الجانب الاقتصادي، إذ تعدّ مصدراً لكسب الرزق، ومورداً مهماً يعتمدون عليه في تأمين متطلبات حياتهم اليومية، وسعيهم للارتقاء بمستقبل أبنائهم والنهوض بواقعهم الاجتماعي والاقتصادي. ولا يقتصر الأمر على الجانب الحياتي فحسب، بل يتعداه إلى الجانب الإنساني والوجداني للإنسان الإماراتي، لما يحمله من نزعة وجدانية، وأصالة روحية وعمقٍ يحثه ويدعوه إلى الحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وإعادة إحيائه وبث الروح فيه من جديد، كي ينعم الأبناء به، ويستفيدوا من تجارب الأجداد الخالدة، ومن ثم تتوارثه من بعدهم الأجيال القادمة، وهكذا في سلسلة متواصلة لا تنقطع، وفوق ذلك كله العمل الجاد للحفاظ على البيئة عموماً، والبيئة البحرية وحمايتها، والارتقاء بها وبمرافقها. ولتحقيق ذلك، كانت الفكرة الهادفة والمبدعة بالسعي إلى تأسيس فريق خاص يهتم بالبيئة، ويتابع أنشطة الغوص والصيد، ويهتم بالقوافل والمسافرين في رحلاتهم، سواء كانت قوافل بحرية أو برّية، فريق لا يعرف الخوف ولا الضعف ولا التراجع، ديدنه الإصرار والعمل الدؤوب تحت أي ظرف، مهما كانت الطبيعة قاسية برياحها وأنوائها ومخاطرها، إضافةً إلى إعمار البيئة البحرية من خلال مراقبة ومتابعة الشواطئ والسواحل ووقف التعديات عليها، بالإضافة إلى نشر الوعي والثقافة الخاصة بالحياة البحرية، وقد أُطلق على هذا الفريق تسمية (سنيار)، وقد تنوعت منجزات هذا الفريق لتشمل كثيراً من الجوانب ذات الصلة بقضايا البيئة بشكل عام، والبيئة البحرية بشكل خاص. وللوقوف على ماهية المصطلح أكثر، لا بدّ من تناول دلالته اللغوية والنفسية.و»السنيار» لغوياً: إحدى مفردات التراث الخليجي عموماً والإماراتي خصوصاً، وهي كلمة صغيرة في مبناها، كبيرة في معناها، وقد استُخدم هذا المصطلح قديماً ولا يزال حتى يومنا هذا. يطلق على السفن الكثيرة الراسية في ميناء ما، كما يطلق على السفينتين اللتين تتفقان على السير معاً، وذلك للاطمئنان على سلامتهما بينما لو تعرضت إحداهما لحادث ما. وهو لا يقتصر على البيئة البحرية فحسب، بل يشمل البيئة البرية، حيث يتناول ارتحال القوافل ويتابعها. وللمصطلح دلالة ثقافية نفسية وجدانية مستنبطة من طبيعة ماهيته، فهو يعني العمل في الظروف القاسية، حرّ الصحراء وقسوة التنقل في الرحلات البرية، والأنواء والعواصف وأمواج البحر العاتية في البيئة البحرية، وهذا العمل يعني الصبر والتحمل والثبات، وهذا بدوره يعني العزة والشموخ وعدم الخضوع أو الاستسلام، وهو ما يتطابق وطبيعة الإنسان الإماراتي الطموح الشامخ الساعي إلى الرفعة والمتفائل، الذي لا يعرف القنوط سبيلاً إلى قلبه، كيف لا وهو الذي أحال الصحراء الخاوية تحت لهب حرها الشديد، إلى جنة خالدة متألقة يقصدها الناس من كل أرجاء العالم للتمتع بسحرها وجمالها وتطوّرها في شتى الأصعدة، وفي إماراتها السبعة لآلئ الخليج المتألقة. ولا تقف دلالة مصطلح «سنيار» عند ما أسلفنا فحسب، بل إن القارئ والباحث في إرهاصاته وماهيته يجد بعداً ميتافيزيقياً وجدانياً عميقاً يكتنفه، ألا وهو البعد الخيالي المرافق للترحال وطبيعته، وهو ما يحوطه بقيم جمالية ماورائية عميقة، تشدّ انتباه القارئ وتحلّق به في فضاءات جمالية إبداعية خالدة، تمتد امتداد البحار والبراري، في تنقّل روحي وجداني رومانسي، يثري الخيال ويشحذ قيثارة الإبداع، فتنثال نتاجاً بليغاً شعرياً ونثرياً مسجّعاً متمثلاً في النهامة، والنواخذة، والشلات، والهولو، وجر الماشوّه، والخطيفة، وغيرها. وظائف ولم تكن الوظيفة الجمالية والأدبية الفنية الوحيدة للسنيار، بل كانت له أهداف واقعية مجتمعية، إذ عمل على حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، من خلال التوعية والدعوة إلى وقف التلوث البحري، وتشجيع العمل التطوعي، وإعداد كوادر إماراتية وطنية هدفها التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية، إضافة إلى الارتقاء بالفكر البيئي وترميم البنية التحتية البحرية، ومواجهة التعديات عليها، والوقوف ضد الإساءة إلى الشواطئ، وتكسير الشعاب المرجانية، والصيد الجائر والممارسات الخاطئة بكل أنواعها. وللسنيار دور ثقافي تربوي وقانوني من خلال العمل على زيادة الثقافة القانونية عند مرتادي البحر، ووضعهم في إطار المحدّدات والضوابط القانونية لمن يخالف أو يسيء للبيئة، على اختلاف أنواعها، سواء كانت بيئة برية أو جبلية أو بحرية، وفي ذلك أهمية كبرى للحفاظ عليها، فمن ليس لديه بيئة سليمة معافاة وحيّة، نابضة بالمظاهر الطبيعية الخالدة والخلاّقة، لا يمكنه أن يعيش أو أن يبدع. لا يغفل الباحث والمتتبع لماهية المصطلح ودلالته الوطنية الخالدة، حيث يعمّق هذا المصطلح الهوية الوطنية ومفهومها، والارتباط بالجذور والتراث، وبالماضي الخالد لدى المواطن الإماراتي، وذلك من خلال ما يلعبه من دور مهم في إحياء التراث الإماراتي، عبر تنقله بين البيئات الإماراتية الصحراوية والبرية والبحرية، والجبلية، في زمكنة عميقة ممتدة، حيث يشمل المصطلح مختلف الحقب والعصور السابقة واللاحقة، ليشمل مختلف الأجيال والطبقات، فينعكس ارتباطاً عميقاً بالجذور والتصاقاً بالعادات والتقاليد والموروثات الإنسانية الخالدة، التي تركها الأجداد للأبناء والأحفاد، والتي سيتركها الأبناء والأحفاد بدورهم لأبنائهم وهكذا، وهو ما يبقي نبض الحياة والتجدد فيها، لتبقى خالدة عبر العصور، لا يغيب عنها النبض والنور. وقد حقّق ذلك كله مردوداً اجتماعياً إنسانياً روحياً كبيراً على جميع الأصعدة، خصوصاً لدى الشباب الإماراتي، حيث امتزجت بروح الشباب وأثمرت جهوداً وأنشطة تطوعية مخلصة، سعت وتسعى إلى خدمة الوطن في بيئاته البرية والبحرية والجبلية، لتشكل إحدى الركائز الأساسية في العمل البيئي والثقافي على الساحة الإماراتية. والسنيار يمثل الامتداد الثقافي بفرعيه الحداثي والتاريخي، فهو يجمع بين الأصالة والتجديد، وهو ما يرتبط بنبض الإنسان الإماراتي الذي لا ينقطع عن جذوره، ويبقى متطلعاً نحو مستقبل أمته المشرق، وهو ما نلمسه بوضوح في الحركة الثقافية الإماراتية، سواء كان ذلك في القصة أو الرواية أو الحكاية الشعبية، أو الشعر بأنواعه المحكي والنبطي والشعبي، والفصيح. فالسنيار مصطلح حيّ متجدد، لا يتخلى عن أصالته، وهو قادر على مواكبة الحداثة والتطور، وهو ما تثبته نتاجات الشعراء والأدباء والمبدعين على اختلاف طبقاتهم في الساحة الثقافية الإماراتية، حيث تظل إرهاصاته فيها واضحة جليّة، لتثبت حيويته وخلوده الفني، خلودٌ تشعُّ أطيافه في نفوس الأبناء ووجدانهم وحيواتهم. ماهية التراث كلمة تراث من الكلمات المعروفة والشائعة التي تستخدم بكثرة في لغتنا العربية الفصحى، وفي اللهجات العربية المختلفة، وهي باختصار: كل ما يخلفه الرجل لورثته، أي لأبنائه وأهله من بعده، وهي أمور متوارثة وقابلة للإيراث بحكم التقادم والانتقال، وقد ذُكر مصطلح التراث في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الشريفة وفي أقوال الصحابة الكرام وفي أشعار العرب وحكمهم. للبرّ والبحر تطلق كلمة السنيار على السفن الكثيرة الراسية في ميناء ما، كما يطلق أيضاً على السفينتين اللتين تتفقان على السير معاً، وذلك للاطمئنان على سلامتهما فيما لو تعرضت إحداهما لحادث ما. وهو لا يقتصر على البيئة البحرية فحسب، بل يشمل البيئة البرية، حيث يتناول ارتحال القوافل ويتابعها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©