الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل انتهى الحلم وتوقف الوهم فعلاً؟

هل انتهى الحلم وتوقف الوهم فعلاً؟
2 مايو 2014 17:38
ساسي جبيل (أبوظبي) في إطار البرنامج الثقافي لمهرجان أبوظبي الدولي للكتاب، انتظمت مساء يوم الأربعاء ندوة فكرية حول صعود وسقوط الإسلام السياسي، شارك فيها كل من محمد الشافعي رئيس تحرير مجلة «الهلال» المصرية العريقة، وصاحب عدد كبير من المؤلفات حول التاريخ والأدب وقضايا الفكر العربي، والكاتب الصحفي والمحلل السعودي منصور النقيدان صاحب التجربة البحثية العريضة مع البحث في مجال الإسلام السياسي، وقدمت الندوة أمل صقر تقديما مسهبا لأهم المحاور التي يمكن تناولها في هذا الباب مشيرة، في البداية إلى المكانة الكبيرة التي أصبح يحتلها المعرض على خارطة الفكر والثقافة في العالم العربي. وقد انطلقت المقدمة من فكرة ذكية وموحية، من خلال قصة قصيرة تعبر بصدق ووضوح عن الوضعية التي صعد من خلالها الإخوان المسلمون في المشهد السياسي العربي، وتقول الحكاية إن ملقنا في أحد المسارح المتخصصة في أعمال شكسبير استغرقته مسرحية «هاملت» لسنوات طويلة فاختار العمل فيها يوميا، إذ كان يحفظ حوار المسرحية بحذافيره، ويتحدث بإسهاب عن ممثلي الشخصية عبر عقود، كما يتحدث عن نقاط ضعفها وقوتها، وكان يعلق على أداء الممثل الذي يؤدي دور هاملت في كل ليلة، والطريقة التي يجب أن ينطق بها جملة معينة، ونبرة الصوت غير الملائمة لموقف من المواقف، إضافة إلى تعبير الوجه الذي لم يدركه الممثل أو زاوية الحركة التي يتحرك فيها. في كلمة كان الملقن يؤدي في خياله المسرحية كل يوم، ولكنه في حقيقة الأمر كان يحلم باللحظة التي يجسد فيها الدور بالفعل على خشبة المسرح، مع أنه كان يعيشها ويوقن في نفسه أنها آتية ويحدث زملاءه من حوله عنها، ولما حانت الفرصة التي انتظرها الملقن طيلة عمره من خلال غياب الممثل تم اللجوء الى الملقن على المسرح، ومنذ الجملة الأولى تلعثم وأصابه الخرس وزاغت عيناه وتصاعدت ضحكات الجمهور منه، ومن أدائه المرتبك لينفجر طوفان من السخرية والاستهزاء، ففي لحظة المواجهة الحقيقية انتهى الحلم وتوقف الوهم، ولعل هذه القصة الموحية هي ما يكاد ينطبق على ما حدث مع تيارات الإسلام السياسي خلال السنتين الأخيرتين، من خلال السقوط السريع والمدوي الذي عجزت حتى عقولهم عن استيعابه. الإسلام دين عقل وحرية تناول محمد الشافعي شرح مصطلحات الإسلام والثقافة والإسلام السياسي في بداية محاضرته، مؤكدا أن الإسلام يقوم على العقل والتدبر والحرص على الاختلاف والحض على الحريات من خلال الآيات القرآنية الكثيرة التي تركت للإنسان حرية الكفر أو الإيمان، قال تعالى (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، فهذا ما يعتبر أقصى درجات الحرية، إذ أوكل المولى عز وجل الأمر إلى الحساب في الآخرة، ولقد أصر الله سبحانه وتعالى على أن تكون الحرية بلا حدود، كما أن الاختلاف أمر مسلم به من خلال قوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، فالدين الإسلامي دين شديد الرحابة والحرص على الحريات، قال تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)، فلقد أطلق الله تعالى للإنسان عنان العقل وحمله مسؤوليته عما يفعل، ثم تناول الباحث تحديد مفهوم الثقافة، مشيرا الى أنها فن إدارة الحوار بين الخلافات والاختلافات في الأفكار والرؤى، وهي كما الإسلام تحض على فكرة الاختلاف والحرية إبداعا وفكرا وتعبيرا عن الذات، إذ لا توجد حرية مطلقة، حيث تنتهي حريتك، عندما تبدأ حرية الآخرين، والإنسان بما وهبه الله من عقل جعله مكرماً. أما بالنسبة لشرح مصطلح الإسلام السياسي فقال الشافعي: الإسلام السياسي موجود منذ 80 عاما وأصحابه لم يولوا الثقافة أية أهمية تذكر، وأشار مثلا الى أن البرنامج الانتخابي الطويل العريض لمحمد مرسي لم يشر إلى نقطة واحدة في الثقافة لا من قريب ولا من بعيد، لأن هذه الجماعة ببساطة لا تملك بين كوادرها كافة نموذجا يمكن الإشارة اليه. وأضاف الشافعي أن سيد قطب مثلا انطلق مبدعا منفتحا وناقدا، ولكنه انقطع عن ذلك بمجرد انتمائه الى الجماعة، فهذا التيار الذي يختلف بشكل كلي مع سماحة الدين والتدبر والعقل والحرية يبني مقولاته على ثقافة السمع ويرون أنه عندما تكون بين يدي شيخك، كما لو أنك بين يدي مغسلك، مما يفقد الإنسان حريته ويسلبه إرادته، ويجعل القيادة في يد غيره الذي يحدد مصيره، فسلب إرادة الانسان يجعل الآخر يقرر للإنسان (افعل ولا تفعل). واكد الشافعي أن أصحاب إسلام التيار السياسي هم طلاب سلطة وليسوا دعاة دين، ولا يملكون آليات هذه السلطة، ويمكن تمثيلهم بالملقن الشاطر الذي لما صعد الى المسرح اصطدم بالواقع ومع كل القطاعات في المجتمع من دون استثناء، فماذا بقي في المجتمع لكي يتعامل معهم، لقد وصل الأمر بالغوغاء الى محاصرة المحكمة الدستورية في مصر، وهي رمز العدالة الأعلى في كل دولة في العالم. المؤامرة الكبرى وأكد محمد الشافعي أن صعود الإخوان المسلمين الى السلطة كان مؤامرة كبرى قادها الغرب الذين رأوا فيهم بديلا مطيعا، وأكثر انصياعا وطاعة من الإسلام الراديكالي الذي تمثله «القاعدة» ومن لف حولها، لكنهم أشاعوا مناخا من التوتر والانقسام داخل المجتمع، سواء في مجال الخلافات المذهبية، أو من خلال علاقتهم ببقية الأديان، وأشاعوا مفهوم الدولة الإسلامية الذي يعطي بالضرورة المشروعية للدولة اليهودية، مما سيقود لو حصل الى ترحيل مليون ونصف فلسطيني ومنع 8 ملايين فلسطيني من العودة، كما سيتم تجزئة المجزأ، وتقسيم المقسم والعودة لاتفاق سايكس بيكو، وهذا السيناريو تقف وراءه تركيا العضو في الناتو، وهي التي تفتح مطاراتها وتتيح أرضها وجيشها على ذمته، ولكنها لم تلحق بالاتحاد الأوروبي، وعمل القائمون على دعم الإسلام السياسي جاهدين على تنصيب الأتراك كقوة عظمى نظير خدماتهم المقدمة للغرب. ومع أنهم كانوا يعلمون أنهم متورطون في هذه المؤامرة، إلا أنهم رموا بعرض الحائط للأوطان وفكروا في اعطاء 720 كيلومتراً مربعاً من سيناء لصالح غزة مقابل التنازل عن دولة فلسطين، وإعطاء حلايب وشلاتين للسودان، والتفكير في دولة الخلافة، وكل ذلك لأن هؤلاء لا يجيدون قراءة الإسلام الصحيح السمح القائم على قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). الإسلام السياسي ودول الخليج ومن خلال مداخلته أكد الكاتب الصحفي السعودي منصور النقيدان أن دول الخليج تعي خطورة الإسلام السياسي، ولكنها تختلف في نظرتها وتعاملها مع التيارات والجماعات الإسلامية السلفية والإخوانية، وهي جميعها باستثناء عُمان لطبيعتها المذهبية كانت قد مكنت الإخوان لعشرات السنين من مفاصل التربية والتعليم في فترة زمنية متقاربة، وهذه السياسات المتقاربة من أسباب توسيع الفرص لهذه التيارات والجماعات، ودعم بعضها بعضا إقليميا، فدول الخليج متفاوتة في توقيت صحوتها وإدراكها للأخطار والخسائر المترتبة على تمددهم، ووجود تفاوت أيضا لدى بعض قيادات البلد الواحد وصناع قراره في أخذ هذه الأخطار بشكل جدي، وإعادة ترتيب العلاقة وفك الشراكة والتحالف. ومن خلال نظرة عابرة على السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، وعمان تناول الباحث الكثير من الحيثيات في هذا المجال. وجوابا عن سؤال: هل يمكن أن تحدث انتكاسة في الدول التي اتخذت إجراءات صارمة ضد إرهاب وتأثير جماعات الإسلام السياسي؟ قال النقيدان: لا بد من وعي القيادة السياسية وصناع القرار بخطر هذا الفكر وفهم مدى تغلغل هذه التيارات والتنظيمات في مفاصل الدولة ومؤسساتها. وتساءل: ماهي نسبة المصالح المشتركة وقوة الحلف ـ إن وجد ـ بين القيادة وممثلي أطياف التيارات السياسية ذات الصبغة الدينية، إضافة إلى إدراك مدى تجذر مثيله في عمق التوجهات الدينية البعيدة عن الأجندة السياسية، فالدول التي استشعرت، ثم عرفت ثم تحققت من خطر هذا الفكر، هل كانت الإجراءات التي اتخذتها ناجعة وذات نتائج مرضية، وحققت الأهداف منها أم لا؟ كما أن دراسة الخسائر والمكاسب المترتبة على أي إجراء حاسم وجذري تجاه المنتمين إلى فكر لايزال يجد عمقه ونفوذه الواسع في المجتمع وفئاته الاجتماعية، وله القدرة على إثارة المشاكل والأزمات في بؤر متعددة تسبب فشلاً أو تحول المكاسب المرجوة إلى خسائر. حماية المجتمع من الأفكار الضالة وجوابا عن سؤال ما هي الوسائل والسبل التي يمكن معها حماية المجتمعات الخليجية من الأفكار الضالة الدينية، ودور الاعتدال الديني في تحجيم وتقليص مساحة تأثيرها؟ قال النقيدان: إن طبيعة المجتمع المسلم في الخليج والمحافظ يعني أن على القيادات السياسية والدينية والثقافية أن تعي أن من حق المجتمع على الدولة توفير الأجواء والبيئة الروحية التي تلبي الأشواق والتطلع نحو التقوى لكل الطوائف المسلمة التي تعيش على أرض الوطن بالتساوي، مع اتخاذ هوية عامة شاملة تفصح عن مذهب الدولة الذي يحمي في الوقت نفسه حقوق كل الطوائف ويسمح لها بممارسة شعائرها، ويقلص دور الزعامات الدينية السياسي مهما كانت الذرائع والتبريرات الدينية، وبالتوازي مع ذلك ترعى الدولة دعم الرؤية الفردية للدين ودوره في المجتمع، وتنمية ثقافة اجتماعية دينية تنحو نحو حصر وظائفه على الشعائر الخاصة بين المسلم وبين ربه، وتطعيم السلفية المسالمة برؤى صوفية تركز على أكثر على الباطن على حساب الواجبات المادية، وتشجيع الاجتهادات الفقهية التي تصب في تقليص دور الاحتساب الديني للفرد المسلم في المجتمع. كما أن حصار وخنق أي نزعات سياسية مشوبة برؤية دينية محافظة وهي في مهدها، والمتمثلة في تلك النزعات التي تنحو نحو بناء أوهام وأحلام عن دولة الخلافة أو مدينة فاضلة إسلامية، أو أمة إسلامية تتجاوز الحدود، وتتطلب ولاء عابراً للقارات، واعتماد التنمية والنجاح الدنيوي والتفوق والتقدم على المستوى العلمي والمعرفي الثقافي والفني. رؤية النقاش.. مفهوم الوطن الغائب تعرض الحضور خلال النقاش الى العديد من المحاور والمسائل المتعلقة بتيارات الإسلام السياسي من قديم ومن بعيد، مشيرين إلى ان الدور الموكول للنخب يجب أن يتضاعف لإيقاف هذا المد وانقاذ شبابنا اليوم من هذه السطوة الظلامية التي سيطرت على عقولهم وكبلتهم، وقتلت فيهم كل تفكير حر، كما أن على المؤسسات الرسمية أن تضاعف من جهودها هي الأخرى من خلال رؤى واضحة لايقاف النزيف ومراجعة البرامج المدرسية، والحرص على تعليم الناشئة تعاليم الدين الإسلامي السمح القائم على التعاون والتقارب، والمنتصر لقيم العدل والحرية والحرية كمفاهيم طالما انتفت في تصور تيارات الإسلام السياسي الذي سيسقط سقوطا مدويا إذا ما عرفنا كيف نبني مجتمعات تقوم على المشاركة، وتدعو الى التعاون والعمل المشترك في غير إقصاء، أو تهميش لجهة بعينها، أو إلغاء لحضور الآخر للمشاركة. وأكد المحاضران في ردهما على أن مفهوم الوطن الغائب في فكر التيارات السياسية الإسلامية يقوم على جمع 57 دولة في كيان واحد ألغى كل انتماء للوطن الأم وهذا ما تسعى هذه الجماعات لترسيخه، ولكنها فشلت وستفشل فشلا ذريعا، وها انها تجني اليوم ثمار عنفها وإقصائها وتهميشها لكل فكر حر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©