الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غازي القصيبي مكتوبا

غازي القصيبي مكتوبا
19 ابريل 2012
الجديد في هذا الكتاب “ملاحم صغيرة” للشاعرة السعودية تركية العمري، أنه مجموعة من النصوص الشعرية التي كتبت عن شخصية واحدة هو الشاعر غازي القصيبي، وشعرنة كل مواقفه وحياته ومآثره عن طريق الكتابة الإبداعية. إنه يشبه التوثيق لكنه بلغة شعرية وسيرة العطاء لكن بطريقة تركية العمري في التنقل بالقارئ من جهة إلى أخرى. “ملاحم صغيرة” كتبت لأجل وردة الوفاء التي لا تذبل، لذا أهدته لكل من أحب غازي القصيبي إنسانا ومبدعا ولذا قدمته بقولها “أن هذا ليس تأبينا لأنه لم يمت”، وكيف للشاعر أن يموت وبعده يبقى صدى ما كتب وما أبدع في داخل محبيه ومتابعيه، بل ومن سيعرفونه فيما بعد كضوء لا يخفت؟ كان غازي القصيبي قد بدأ وظل شاعرا وذاع صيت دواوينه الشهيرة مثل ديوان “معركة بلا راية” وديوان “سحيم” وديوان “ورود على ضفائر سناء”، وكان يبدو من خلال هذه القصائد حسه المختلف بالعبارة الشعرية وصياغتها وتمسكه بالقالب العمودي البيتي أو التفعيله التقليدية وثقافته الشعرية العالية حيث هو قارئ ممتاز لتجربة الشعر ليس عربيا فقط بل وعالميا وهذا ما تمخض عنه بعد سنوات ترجمته عن الإنجليزية للشعر الياباني وغيره في “مائة ورقة ياسمين” و”المؤمن الصادق” و”مائة ورقة ورد” وغيرها. وفي خضم تألقه الشعري كان قارئه على موعد جديد ونافذة أخرى يفتحها القصيبي عبر الرواية، بدءا بالرواية التي ذاع صيتها وربما شكلت منعطفا في الرواية السعودية وهي “شقة الحرية” ومن بعدها مجموعة رواياته مثل “العصفورية” و”الجنية” و”سعادة السفير”.. حتى كاد القارئ أن يعتقد أن القصيبي قد ترك الشعر للأبد، ولكنه في إحدى مقابلاته الإذاعية قال عبارة محددة حول القصيبي مبدعا وكيف أنه يريد أن يذكره التاريخ شاعرا وكان له ما أعتقد وما أراد، واستمر تأليفه في نواح كثيرة فلم يتوقف منذ البدء عند كونه شاعرا وروائيا بل كتب في وقت مبكر “التنمية وجها لوجه” وكتب أخرى في هذا المجال مثل التنمية والأسئلة الكبرى، وكتب أجزاء من سيرته الشعرية والحياتية في كتب عديدة مثل: الوزير المرافق، وحياة في الإدارة، والأسطورة ديانا، وعدد آخر من كتب الانطلوجيات الشعرية مثل كتابه الشهير “في خيمة شاعر”. ويبدو أن هذه الحياة الثرية الحافلة أدبيا وإداريا وإنسانيا فتحت نوافذ النص الإبداعي أمام تركية العمري فكتبت ملاحمها الصغيرة كأنما تتلمس برهافة ما تركه الأثر وما التصق بالروح وما تستنهضه شخصية غازي القصيبي الشاعر والانسان في داخلها الوجداني، فكتبت وهي ُتذكر لندن بأيام القصيبي فيها تلك السنوات الطويلة التي قضاها هناك سفيرا لتخاطب المدينة موجهة النص إلى ذاكرتها فتقول: “لندن..لاشك بأنك تذكرين.. صوته العربي..الصادق الأبي..”، ومثلها في البحرين والكويت والقاهرة، وكمن يطوف بذكراه في كل المدن التي أحبها وأحبته، وتقاسمت معه الذكريات والشعر والحياة تكتب تركية العمري وتذهب لتتقصى ما لا يلمحه العابرون وهم يقرأون سيرته العملية والأدبية. ما لا يلمحونه وهو يخوض مساجلات وحوارات في الفكر والحياة، فهو نصير النساء كما تقول في إحدى النصوص، وهو وزير التغيير كما في نص آخر، وهو كما في نصوص أخرى حملها لنا هذا الكتاب حالة من الحب كما تحب الأوطان شرفاؤها، فتقول تركية العمري “رأيتك البارحة وضعت في يدي ياقوتا أحمر وشالا من إستبرق وعندما صحوت وجدت على أوجان ستائر غرفتي حزنا أزرق”، فهو الإنسان الذي لا يغيب لمجرد أنه رحل بل بقي حاضرا في وجدان الشاعرة مؤثرا وجديرا بالاحتفاء وبهذا الرصد الروحي لما تتركه فينا المواقف البطولية ومن مبدع استمرت حياته حافلة ومليئة بتفاصيل وحكايات يلتقط منها هذا الكتاب زواياها التي لمستها وأثرت فيها، وها هي كمن يسير بها الحنين لأيام القراءات الأولى وترقب الجديد فيما ينشره تقول: “نأتي إليك.. بكتاباتنا الحالمة، وكلماتنا الخجولة، نخبئ عن أصدقائنا حقائب قلقنا، نقف على نوافذ صباحاتنا، ننتظر صوتك، وتأتي.. لتقدم للأفلاك الوردية شموسنا الصغيرة، لنطلق بهجتنا عنادل تخبر الكون بأن كلماتنا ستبقى للحلم...” إلى آخر هذا النص الذي يذكرنا بكتابات غازي القصيبي في مجلة “العربية؛ الثقافية والتي كان يتناول فيها صوت إبداعي من الخليج، ثم جمع حلقاتها في كتب بعدها بسنوات. كتاب “ملاحم صغيرة” وبثلاثين نصا عبر دار أثر، تكتب تركية العمري وهي تقدم لكل نص ببيت شعري من أبيات الشاعر غازي القصيبي وتكتب دون أن تحدد فضاء فنيا للنص فتمزج بين الأشكال والقوالب دون أن تلزم نصها بمفهوم موحد للقصيدة، ولعل ذلك ما يمليه مضمون الكتاب وأفقه والذي سيتقاطع فيه النص الأدبي مع ما يعبر عن الشاعر في سيرته وحياته ومواقفه مما جعل النص يتكئ على السردي أو الحكائي في كثير من عباراته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©