السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيسانسينو ··· فرنسي من أقصى اليسار

بيسانسينو ··· فرنسي من أقصى اليسار
15 سبتمبر 2008 02:12
يبدو مثل شخصية خيالية، أو بطلا خارجا لتوه من إحدى قصص الأطفال بميله إلى المغامرة والاندفاع، لكن ''أوليفيي بيسانسينو'' الذي لم يتجاوز 34 عاما أصبح الزعيم المفوه والقائد البارع لأقصى اليسار الفرنسي، وهو أيضاً نبراس لجيل كامل من الشباب الناقم على الأوضاع والمنتسب إلى الحزب الاشتراكي وبعض بقايا الشيوعيين؛ فبترشحه لمرتين في الانتخابات الرئاسية، وبحضوره الطاغي في وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية يحظى ''بيسانسينو'' بنسبة شعبية تفوق ما يحظى به بعض السياسيين الراسخين مثل ''سيجولين روايال'' مرشحة الحزب الاشتراكي التي خاضت السباق الانتخابي ضد الرئيس ''نيكولا ساركوزي''؛ ومع أن السياسي الشاب لم يحصل سوى على 4,1% من الأصوات في انتخابات 2007 بشعاره الذي اعتمده في حملته ''حياتنا تساوي أكثر من أرباحهم''، إلا إنه منذ ذلك الوقت وبعد الصراعات الداخلية التي سقط فيها الحزب الاشتراكي واختيار ساركوزي لبعض رموز اليسار للانضمام إلى الحكومة تحول السياسي الراديكالي إلى الوسط، ما أدى إلى صعود نجمه في استطلاعات الرأي، حيث تشير إلى أن 60% من الفرنسيين ينظرون إليــه بإيجابية· ففي استطلاع للرأي أجرته شركة ''سي·إس·إيه'' أعرب 49% من المستجوبين أن ''بيسانسينو'' ينافس بقوة الرئيس ساركوزي، بحيث جاء ترتيبه بعد عمدة باريس الاشتراكي ''بيرتراند ديلانوا''، لكنه تقدم على باقي الاشتراكيين المعروفين مثل ''مارتان أوبري'' و''سيجولين روايال''· ويعمل ''بيسانسينو'' كساعي بريد ما يجعله أحد أفراد الطبقة العاملة، بحيث يقوم بتوزيع البريد في إحدى الضواحي البرجوازية في باريس، وهو أيضا زعيم ''العصبة الشيوعية الثورية· وفي مقر الحزب الذي يوجد بالطابق العلوي لإحدى المطابع في ضاحية مختلطة الأجناس تتجاور فيها محلات بيع الملابس مع أسواق شمال أفريقيا وبيع الطعام الجاهز وصف السياسي الشاب نفسه دون تردد، أو شعور بالحرج بأنه ثوري· لكن بالنظر إلى أخطاء الشيوعيين التي لوثت تاريخهم في الماضي سواء تعلق الأمر بالتزمت البيروقراطي، أو الفوضى الشيوعية في عهد الزعيم الصيني ''ماو'' يتدارك ''بيسانسينو'' قائلا ''تحتاج الثورة إلى إعادة اكتشاف، ذلك أن التجـــارب الثورية السابقــة انتهت بالفشــــل''، مؤكداً أن الثورات التي شهدها العالم غالباً ما يتم الانقلاب عليها لتسحق لاحقاً إما على يد النخب المسلحـــة، أو ''البيروقراطية المناوئة للثورة''؛ وأضاف في هذا السياق ''نحـــن نحـــاول أن نقيم التــوازن بين أخـــذ السلطة، لكــن دون أن تأخذنــا''· وبالنسبة للرأسمالية يرى ''بيسانسينو'' أنها تمر بمرحلة أزمة عميقة قائلا ''إنها فقدت سيطرتها'' من خلال الورطة الائتمانية التي بدأت مع الرهن العقاري عالي الخطورة ولم تنته تداعياتها بعد، لكن هذه المرة تجاوزت الأزمة القطاعات الثانوية بل ''ضربت عمق النظام الرأسمالي، وهو انعطافة مهمة في تطور الاقتصاد العالمي''؛ ويتابع ''بيسانسينو'' أن تداعيات أزمة الرهن العقاري مازالت مستمرة ''نحن نتجه رأساً نحو الكارثة سواء من وجهة نظر اجتماعية، أو إنسانية، أو فيما يتعلق بالحرب والبيئة؛ وبالنسبة لنا أن يكون الإنسان صديقاً للبيئة اليوم فذلك يعني الاعتراف بأن النموذج الحالي للتنمية السوسيواقتصادية وصل إلى طريق مسدود''· لكن السياسي الشاب الخبير بخفايا الإعلام، يدرك جيدا بأن ارتباط حزبه بعقائد قديمة مثل التروتسكية لا ينسجم مع متطلبات الوقت الراهن بأيديولوجيته المترهلة وبقرن من الدماء التي سفحتها الشيوعية في بلدان اعتنقتها؛ لذا يسعى ''بيسانسينو'' إلى لملمة الأحزاب اليسارية الصغيرة وجمعها في إطار موحد يطلق عليه ''الحزب الجديد المناهض للرأسمالية'' الرامي إلى استمالة كل شرائح المجتمع المستاءة من تأثير العولمة والرأسمالية على الفقراء وعلى البيئة والعالمين الثالث والرابع، فضلا عن الدفاع عن حقوق المرأة والمثليين؛ ويخطط الحزب للترشح في انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر يونيو المقبل؛ ويوضح السياسي الفرنسي أجندته قائلا: ''لسنا جنودا، أو مقاتلين، بل نمثل المستَغلين والمضطَهدين والشباب والعمال الذين بدلا من التذمـــر يريـــدون قليـــلا من الاحترام، من أجل ذلك اخترنا الالتزام والانخراط في قضايا المجتمع''· ويتحدث ''بيسانسينو'' بسرعة وطلاقة تتخلل إجاباته إحالات كثيفة إلى مراجع فلسفية ماركسية ومـــا بعـــد ماركسيـــة دون أن يفقد مع ذلك روح الدعابة، لا سيما فيما يتعلق بطهرانية الثورة وعذريتها· وعندما سأل عن طبيعة الإنسان الخطاءة ومسؤوليتها في إفشال المحاولات الطوباوية السابقة، رد بأن التغيير الحقيقي يجب أن يأتي من القاعدة، وليس من ديكتاتورية البروليتاريا كما تدعو إلى ذلك الماركسية، وبأنه يؤمن بالضمانات التي توفرها الحقوق القانونية واللامركزية في العلاقة مع السلطة، والديمقراطية القائمة على التعدد الحزبي؛ والهدف كما يقول هو: ''إيجاد نظام سياسي يسمح بعملية ثورية تبقى دائما تحت رقابة القاعدة، لا سيما عدم الوثوق بتعهدات الآخرين، فإذا وصلنا غدا إلى السلطة وقلنا إننا نملك الضمانات بألا تتكرر أخطاء الماضي عليهم ألا يثقوا بنا حتى لو كان كلامنا صادقا-وهو بالفعـــل كذلـــك''! ولد ''بيسانسينو'' لأب مدرس وأم مستشارة نفسية في إحدى المدارس، ما يجعله حساسا تجاه أصوله البورجوازية، رافضا أنِ يشار إلى ذلك، ومؤكداً في الوقت نفسه أن والديه كانا موظفين ليس أكثر؛ وفيما يتعلق بالطريقة الأمثل لحشد الفرد واستمالته، وهو ما فشلت فيه الاشتراكية على مدار التاريخ، يرى السياسي الفرنسي الشاب أن مفتاج التفاعل مع الفرد هو الديمقراطية التي تكفل له حقوقا ثابتة· ستيفن إيرلانجر-فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©