الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الناتو في خليج عدن... مآرب عدة

الناتو في خليج عدن... مآرب عدة
29 نوفمبر 2009 01:27
محمد سيف حيدر كاتب يمني حينما سُئِل طريد العدالة الأميركي "ويلي سوتون" عما يدعوه لسرقة البنوك، ردّ بالقول: "لأن الأموال موجودة فيها". وبالبساطة ذاتها يمكن تسويغ السبب الذي دفع -ولا يزال يدفع– منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى لعب دور هو الأول من نوعه في سواحل القرن الأفريقي، بأن "الجهات التي تُهدد الأمن الأوربي والعالمي موجودة فيها". من ناحية المبدأ، قد نقبل بهذا المنطق الذي يُحمّل قراصنة الصومال مسؤولية تدخل الحلف في عمليات هدفها حماية الأمن البحري في مياه خليج عدن والمحيط الهندي، بالنظر إلى تعاظم خطر القرصنة البحرية على خطوط الملاحة العالمية في هذه المنطقة بالتوازي مع عدم قدرة دولها على الحدّ من هذه الظاهرة الإجرامية، لاسيما وأن لأوروبا، التي تنضوي غالبية دولها في منظومة الحلف الأمنية، مصلحة حيوية في حماية الممرات البحرية التي يمر عبرها جزء كبير من تجارتها مع آسيا وشرق أفريقيا. لكن، في المقابل، لا يمكننا تجاهل حقيقة، أن ثمة فرصة ثمينة لحلف الناتو أخذت تتبلور بفعل تفاقم ظاهرة القرصنة البحرية في سواحل القرن الأفريقي، وأن المشهد - بشكل أو بآخر- أصبح مواتياً لكي يمد الحلف نشاطه، ولو مؤقتاً، إلى منطقة جغرافية جديدة، وعلى نحو يُعزز مساعيه الحثيثة منذ نهاية الحرب الباردة لتحويل نفسه إلى منظمة أمنية كونية من حيث نوع مهماته وطبيعة مشاركاته، بل وحتى الصيغة المستقبلية للعضوية فيه. وكما كان نابليون يقول دائماً فإنه "كما في الحرب كذلك في السياسة: كل فرصة تضيع ولا تعود"، فإن الحلف لم يلبث أن أبدى إدراكه لذلك، ووعيه به، بالفعل. وفي هذا الإطار، يمكننا فهم خلفية التحركات الأوروأطلسية الأخيرة والمتواصلة قبالة السواحل الصومالية؛ ففي تطور غير مسبوق، قرر حلف الناتو في أكتوبر الماضي إرسال سبعٍ من بوارجه الحربية إلى خليج عدن والمحيط الهندي تحت شعار ضمان "الأمن الملاحي" وحماية سفن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وهو بالتأكيد شعارٌ زاهٍ يُناسب ظروف المرحلة وتعقيداتها، ومن ثمّ فإن نجاحه، كشعار مجرد، سواء أكان طابعه استهلاكياً ودعائياً أم لا، مضمونٌ ولاشك. الحقيقة أن تحرك الناتو هذا يبدو منسجماً مع توجهه خلال السنوات الأخيرة نحو توسيع دوره في منطقة "الشرق الأوسط الكبير"، كما هو ظاهر في عملياته ونشاطاته المختلفة في كل من أفغانستان والعراق، وكذلك مع دوره الأمني المستجد في القارة الأفريقية والذي احتل فيه موضوع الأمن البحري موقعاً رئيسياً ولافتاً. ففي صيف العام 2007، قامت مجموعة بحرية متعددة الجنسيات وتابعة لحلف الناتو بالإبحار حول أفريقيا للمرة الأولى، في خطوة أراد منها الحلف إظهار "قلقه ومخاوفه" بشأن أمن الممرّات البحرية البعيدة والمكشوفة، و"إثبات قدرته على فرض قوّة بحرية في مناطق تتجاوز مياه الحلف الأوربية التقليدية". وقامت هذه المجموعة بأعمال دوريّة على شواطئ القارة، وتنفيذ مناورة مشتركة مع سلاح بحرية جنوب أفريقيا. وإذا كانت مهمة الناتو الأفريقية السابقة قد نجحت في تحقيق أهدافها المحددة لها من قبل قيادة الحلف، إلا أن مهمة الناتو الأخيرة (والمستمرة) قبالة سواحل الصومال وخليج عدن لم تكن سهلة كسابقتها، وفي المحصلة فإنها لم تُكلّل، في مرات عديدة، سوى بخيبة وإخفاق كبيرين في مواجهة القراصنة الصوماليين، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى إسناد قوة الحلف بقوة أخرى تابعة للاتحاد في إطار عملية أمنية أُطلِق عليها اسم "أتلانتا". والمؤكد أن الحلف كان يدرك، ومنذ البداية، التعقيدات التي تكتنف مهمته البحرية في القرن الأفريقي وأنها قد لا تتحقق بالشكل المطلوب؛ فبنية القوة التي أرسلها إلى المنطقة -كما لاحظ العديد من المراقبين- ليست منسجمة أصلاً مع الغرض الذي أتت من أجله،، فقد تشكّلت من قطع حربية ثقيلة تتراوح حمولتها بين أربعة وسبعة أطنان، وهي بالتالي غير مهيأة لمطاردة الزوارق السريعة، التي يستقلها القراصنة، إضافة الى أن قدراتها الهجومية والاستطلاعية المتقدمة لا بد أن تُثير هواجس عديد من الأطراف في المنطقة. على أن الأهم، وبغض النظر عن فشل حلف الناتو أو نجاحه في التصدي للقراصنة الصوماليين وحماية الأمن البحري في المنطقة، أن الناتو قد تمكّن، ومن دون صعوبات من مدّ حدود دوره الأمني إلى واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية من الناحية الجيواستراتيجية بالنسبة له؛ والأهم من هذا كله، فقد استطاع الحلف، الذي ما زالت خططه الرامية للتوسع شرقاً تصطدم بمقاومة روسية شرسة، أن يُشرعِن وجوده في نطاق جيوبوليتيكي جديد آخر بعيد عن النطاق المركزي لمهامه الأمنية الأصلية، وأثبت لنفسه وللآخرين أن دوره الأمني العالمي بات موضع ترحيب (أو لنقُل بالأحرى موضع قبول) من المجتمع الدولي الذي ما فتئ يؤطّر هذا الدور ويقننه بقرارات صريحة من مجلس الأمن (في حالة مكافحة القرصنة البحرية في الصومال). وهذا كله يصُبّ -في نهاية المطاف- في مصلحة الحلف ودوله؛ فبدلاً من أن ينتهي به الحال إلى فقدان أهميته كلياً تقريباً بعد انقضاء مهمته الأصلية التي أوجدتها الحرب الباردة، أظهر حلف الناتو قدرة مدهشة على التكيّف مع تحولات مهمة في البيئة الأمنية العالمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومن جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©