الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قاسم حداد·· داخل النص وخارجه

قاسم حداد·· داخل النص وخارجه
29 يناير 2009 03:36
يعتبر الشاعر البحريني قاسم حداد من النماذج المتميزة في إبداع قصيدة الحداثة على مستوى المنطقة، له تجربته ونكهته الخاصة، ولعله واحدا من أهم شعراء الخليج العربي وأكثرهم خصوصية شعرية وشخصية أيضا· إذ انه يتفرد بخصوصية شعرية لها دلالتها وأهميتها وامتدادها عبر تواصل مع الساحة الشعرية العربية· أصدر حداد ديوانه الأول مطلع العام ،1970 وتوالت بعده نتاجاته ومجموعاته الشعرية، فاصدر ''خروج رأس الحسين من المدن الخائنة'' وديوان ''الدم الثاني'' و''القيامة'' و''قلب الحب'' و''انتماءات'' و''شظايا'' و''عيشي مخفورا بالوعول'' و ''النهروان'' و''عزلة الكلمات'' و''قبر قاسم''· وقد تزامن عمله الإبداعي مع نشاطه السياسي الذي لم يوصله في النهاية إلى أي مكان، لكنه حَوله كما ذكر هو إلى ''أجمل الفاشلين'' في هذا المجال، الذي تجاوزه إلى أجمل المبدعين في قصيدة الحداثة التي تشكلت معه لخدمة الإنسان محور اهتمامه وهاجسه الأول· لقد عشق القصيدة عشقا لا يوصف·· حتى وصف بأنه: ''شاعر حتى الوريد''·· وفي هذا السياق قال: ''لا أرى نفسي سوى في الشعر فهو ما يشعرني بقوتي ونشوتي، لأنني حينما اكتب أتنفس شعرا، وكلمات وصورا، وأحلاما، أرى انه لا معنى لوجودي إذا لم أكن مخلصا للقصيدة دون غايات أو أوهام كبيرة''· وحول اصطلاح أجمل الفاشلين قال: ''ربما كنت من بين أجمل الفاشلين، لأنني اعترف بان فشلي في المشروع النضالي الذي قطف زهرة عمري كان نموذجا صارخا لقدرة الشاعر بقوة الطاقة الشعرية على هزم الفشل العام بانتصار الفشل الخاص، بمعنى أنهم فشلوا في هزيمة الشاعر في داخلي وهذا ما يجعلني قويا في مواجهة كل أحداث الماضي''· اهتمام نقدي وتعتبر مجموعته ''قبر قاسم'' من أكثر المجموعات التي حازت على اهتمام نقدي فقد كتب عنها الناقد زهير غانم يقول: ''القلق المدمر ينفي الروح ويغريها في الزمان والمكان، وقاسم يحاول استعادة ما فقده·· سواء في حياته أو على صعيد نشاطه السياسي·· لقد قدم عنصر القلق الإنساني في إطار من الجدة والصدق''· ويومها رد قاسم حداد بقوله: ''لقد فقدت في حياتي أشياء كثيرة، وأهم من الأشياء المادية وغياب الأمان والاستقرار النفسي، حال الفقد والإحساس الروحي بها، أما التفاصيل فقد نصادفها في تعاملنا اليومي مع الآخرين، شعراء أو غير شعراء، بالنسبة لي ربما كنت اشعر إن هذه الحالة كانت تتفجر في ثنايا تجربتي الشعرية بصفة كونها تعبيرا مباشرا أو غير مباشر عن تجربتي الإنسانية الكثيفة ومن ضمنها تجربتي السياسية وهي بالمناسبة لم تؤد بي إلى أي مكان وتلك هي المشكلة كما يقول هاملت عن شكسبير، ربما لأن العمل السياسي العربي والنضالي خصوصا لم يكن يتميز يوما بالحس الحضاري الذي يجعله ينقل الشخص من ذاته إلى زمان ومكان جديدين، بل إلى زمان قديم عتيق، حتى إنني في بعض الأحيان أشعر بوطأة الماضي المعاصر من فرط الممارسة السياسية العربية المحدودة النتائج والمعنى''· إن تجربة قاسم حداد الشعرية تجربة كبيرة على صعيد الكتابة واللغة والمفردات والصياغة وبنية القصيدة، وتشكيل الصورة الفنية والسرد الوصفي، وعلى صعيد الحضور الدائم في الساحة الأدبية، واليوم وبعد إن أدرك موقعه الحقيقي مع قصيدة الحداثة بكل مواصفاتها وإشكالياتها لم يعد مجرد رمز ثقافي بحريني على أهمية هذا الرمز وإنما تجاوز ذلك ليصبح رمزا عربيا وإنسانيا شموليا، يحمل دلالات الحب والفرح والمقاومة والنضال الدؤوب لامتلاك الحياة بفرح ومحبة·· وقد قالت عنه الشاعرة الإماراتية ميسون صقر القاسمي يوما: ''من أهم مميزات الشاعر قاسم حداد إن مواقفه الإنسانية لا تنفصل عن شعره، فهو شاعر حقيقي خارج وداخل النص، وفنيا أجد إن تجربته في كل مجموعة تتسم بخصوصية تميزها عن سواها وذلك في إطار تناغم وشفافية وتوازن رقيق قلما تلمسها في غير أشعاره''· وقال عنه عباس بيضون: ''كتب قاسم حداد يوم عرفنا بدايته من السقف الذي بلغه شعر أدونيس، واليوم يكتب من السقف الذي بلغته القصيدة النثرية ذلك أمر فرضه قاسم في ما يبدو لشعراء الخليج، فهم بعده أيا كان نجاحهم لا يتأخرون عن القصيدة العربية وخاصة في لبنان وسوريا والأردن، وشعر قاسم حداد بلا عمر، فهذه الفتوة الأبدية لا تخضع لزمن ومكان، فالإقامة في الطليعة هي في ما يبدو إقامة لا تاريخ لها ولا ماض·· لأنه وهو يكتب الشعر ينزف خلاصة تجربته وأحزانه''· حول شعراء الخليج وعدم وصول أصواتهم بقوة إلى الجمهور العربي صرح حداد غير مرة: إن منطقة الخليج العربية تحتضن قمم من الأصوات الشعرية ومن شتى الأجيال، لكنها وللأسف (مهملة) بسبب إخفاق الإعلام الثقافي المحلي والعربي لإطلاق تلك الأصوات العربية إلى فضاءات أرحب، ولا أحب أن أقول خليجية، فليست التوصيفات مهمة هنا، وأفضل أن نقول شعر عربي في الخليج بدلا من قول شعر خليجي، لقد تفننت الآلة الجهنمية الغربية في مسخ ثقافتنا وإعلامنا، حتى بات الجميع يفكرون إن الخليج لا يعنى إلا بقصيدة (النبط) وما يدور في فلكها من جمل وخيمة وصحراء وامرأة بدوية وعشق لا يوجد إلا في الأساطير، لذلك سيعتقد البعض إن الشعر النبطي هو فقط ما ينشر في الصحف الشعبية والبرامج التلفزيونية المعنية بهذا المجال، لتبدو للجميع انه اختزل في نصوص قصيرة، لا تعبر عن المكانة الحقيقية للشعر النبطي· ومن هنا تقع مسؤولية كبيرة على أجهزة الإعلام والثقافة وعلى المثقفين أنفسهم لإظهار صورة الشعر العربي بشكل عام في إطارها الحضاري الصحيح· الحرية والإبداع يرى حداد إن الحرية تلعب دورا مهما وبالغا في حياة أي شاعر وإنتاجه لا سيما في الوطن العربي، إن حاجة المبدع والشاعر للحرية مسألة مهمة، وأظن أنها محدودة جدا على المستوى العربي، لذا فان الهروب إلى استخدام الرموز والدلالات والاسقاطات، والأساطير، والتناص وغيرها بات طريقا سالكا ولكنه لا يحقق الوعي الجوهري للشاعر، وهذا ما يجعله أيضا أمام مسؤولية ذاتية تتطلب درجة كبيرة من الوعي، متفاديا بذلك استهدافه أو مصادرة حريته وحركته واستلابه كإنسان ومبدع· لا نستطيع إن ننكر إن هناك الكثير من الشعراء العرب قد لعبوا في دائرة النزوع إلى مدح السلطات، وهذا سلوك يسأل عنه الشاعر أمام ذاته وأمام الجماهير وأمام رسالته الشعرية·· وشعراء السلطات لا يدومون كثيرا·· فهم يتأرجحون على الدوام مع ميزان القوى، هبوطا وصعودا حتى الأفول
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©