الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلانات التلفزيونية تطفش المشاهدين

الإعلانات التلفزيونية تطفش المشاهدين
14 سبتمبر 2008 23:35
أصبح شهر رمضان موسماً سنوياً رائجاً للإعلانات، لا سيما التلفزيونية منها، وبعض القنوات الفضائية يحقّق خلال الشهر الكريم عوائد إعلانية تفوق ما يسعه تحقيقه طوال العام، وفي الوقت الذى وضعت كلّ فضائية خطتها الإعلانية، موزعة على المواد المرئية الجاذبة للمعلن، وفي مقدمتها الأعمال الدرامية التي يترقبها المشاهدون· عمد الكثير من الجهات المعلنة إلى اشتراط بث إعلانات منتجاته في فواصل تتخلل عرض حلقات المسلسلات أوالبرامج التي يتوقع لها أن تحظى بنسبة مشاهدة عالية· يحصل ذلك بطريقة متكررة ومتعاقبة وطويلة ومملة، لاسيما في ما يخص الأعمال التي تبث حية في أوقات الذروة، وذلك بهدف استنفاد الهدف التجاري أو التسويقي منها، والمعلوم أنّ كلفة الثانية أو الدقيقة الاعلانية تتحدد وفقاً لذلك· وفي النهاية تكون الاستفادة للطرفين: المعلن والقناة القائمة بالإعلان، اللذين يغفلا عن أنّ تحقيق غايتهما قد جاء على حساب المشاهد، وراحته، ومتعته في المتابعة، وأنهما مارسا نوعاً من الابتزاز لرغباته وحاجاته بسيل من الاعلانات المتنوعة المستندة إلى وسائل التشويق والاثارة وإشباع نهم الفضول، بل وإلى الفبركة الإعلانية في كثير من الحالات، وقد يقع الطرفان الشريكان في فخ ''النتائج النفسية العكسية'' للإعلان، حيث ليس ضرورياً أن ينجح هذا الإغراق الإعلاني في اجتذاب المشاهد نحو اقتناء السلعة المعلن عنها، وهو الهدف النهائي للعبة الإعلانية، ما دامت قد ارتبطت في ذهن المستهلك المفترض بمشاعر الملل والنفور· هل ما فعله الفنان محمد صبحي بمقاطعة التلفزيون المصري ومدينة الإنتاج الإعلامي، متفرغاً للمسرح ورافضاً تسويق ''السمن والمعلبات'' عبر الفن، وفق تعبيره، يعد بداية لتصحيح الصورة ؟ والى أي حد تنجح القنوات التلفزيونية في تحقيق غرضها التسويقي فيما هي تعتمد ''تطفيش'' المشاهد بالتكرارات المملة لاعلاناتها؟ ألا تخضع سياسة الإعلان لأي معايير نفسية تستند الى الأساس العلمي والسيكولوجي لهذا الفن المعقد ؟ وهل يمكن لسياسة الإغراق الإعلاني غير المدروس أن تؤدي إلى نتائج مناقضة للهدف المنشود؟ إفساد المتعة تقول مها سلطان، موظفة في شركة سياحية في أبوظبي،: '' يُلاحظ في السنوات الأخيرة وجود فواصل إعلانية كثيرة تتخلل الدراما التلفزيونية، لدرجة أن مدة الإعلانات في بعض الأحيان تكون أطول من مدة الحلقة، مما يصيبني وغيري بحالة من الضيق والملل، وقد أضطر لأن أتخلى عن المشاهدة بدافع الضيق، وكثيراً ما أبارح مكاني لإنجار بعض الأعمال المنزلية التي تستغرق القليل من الوقت، دون أن أتابع الفواصل الإعلانية· وتزيد سالمة اللامي، مدرسة،:''الإعلانات تظهر على الشاشة فجأة ودون أية معايير، ولفترات طويلة، وكثيراً ما أنسى ما كنت أتابع من برامج أو مسلسلات، أو أغيّر القناة ومن ثم العودة لما كنت أشاهد بعد الفاصل الاعلاني، وفي كثير من الأحيان أنسى تماما ما كنت أشاهده في البداية، ولا أستطيع متابعة المسلسلات، وبالتالي تضيع متعة المشاهدة، وهذا، برأيي، ما دفع الكثير من النجوم الى الهروب الى القنوات الفضائية التي تعرض مسلسلاتها دون تقطيع أو بتر''· أما علي السامرائي'' صاحب شركة انتاج فني في أبوظبي'' فيقول:'' المسلسلات في الغالب تعرض خصيصا لخدمة المعلن، وهي تهتم بالنجوم الذين يقبل عليهم المشاهد، فالنجم أصبح الآن يُقدّر ويُقيّم فنياً بعدد الدقائق التي يجلبها من الإعلانات، باعتبارها الدجاجة التي تبيض ذهبا على التلفزيونات، لذلك من المستحيل أن أعترض عليها، لكنّ الإعلانات العشوائية التي تقدم بشكل غير مدروس تضيّع مجهود فريق العمل في أي دراما، لأنها تخرج المشاهد من حالة التعايش مع المعطى الدرامي وبالتالي تجعل المسلسل يفقد قيمته· ومن الممكن أن توضع خريطة دقيقة للإعلانات موزعة طيلة ساعات البث، على أن تُحدد تسعيرة كل فترة، كما تُحدد المدد، وأوقات الفواصل الإعلانية سلفاً وبكل دقة، بحيث تُراعي ذوق المشاهد وتحترم رغبته، دون أن تضار الجهة الممولة''· نتائج عكسية يعقّب الدكتور فؤاد عطية، أستاذ علم النفس بجامعة بوسطن الأميركية، مؤكداً أنّ عشوائية الإعلان، واتّباع سياسة الإغراق الإعلاني في أي وقت، وأي مدد، وأي محتوى، إنّما يؤدي إلى نتائج عكسية لمختلف أطراف العلاقة: ''المعلن والجهة المعلنة والمتلقي''، فالانسياق الفوضوى لتحقيق أعلى ربح إنما يوقع جميع الأطراف في الفخ السيكولوجي للإعلان، لأنّ الدعاية علم وفن، ولا يجوز أن نغرق الشاشة ونرهق المشاهد بسيول إعلانات رغماً عنه في وقت يعتبره للراحة والمتعة، وكأنّنا نقول له لا تشتر، أو لا تأكل، أو لا تلبس هذه السلعة أوتلك، أي أننا نمارس عكس ما نستهدف تماما، فسيكولوجية ''الترغيب'' لاتعتمد على آلية التكرار والاغراق، وإنما هي تتوسل طرقاً علمية وتربوية أكثر إثارة وتحفيزاً، قائمة على إثارة الفضول وحب الإقتناء لدى المستهلك لهذه المادة أو تلك، وعلينا أن نستذكر أنّ إلحاح الأم المتكرر في كل الأوقات لإرغام طفلها أن يتناول نوعاً معيناً من الطعام، يجعله يكره هذا النوع طيلة حياته، فلكل سن أو شريحة أو فئة من الناس لغة للتخاطب، والإعلان وسيلة نخاطب المستهلك من خلالها، وعلينا أن نحسن لغة الخطابة، لأنّ الإصرار غير المدروس يفقد المشاهد إندماجه ومتعته في متابعة ما يشاهد، وإذا كان الاعلان ضروريا داخل المسلسل فالمفروض أن يتمّ إخطار مخرج المسلسل بذلك بحيث يتولى بنفسه مهمة اختيار مكانه ومدته· ويضيف الدكتور عطية:'' الإعلانات ضرورة لا نستطيع رفضها، لأنها مصدر دخل هام لتمويل أي نشاط فني أو تجاري، وفي أميركا، وهي أكبر دولة رأسمالية، وتلفزيوناتها تجارية بحتة، ثمة تقنين للمسألة، فالمعلن يحجز فقرة أو اثنتين للإعلان عن سلع معينة داخل المسلسل بشرط ألا تزيد مدة الاعلانات عن دقيقتين أوثلاث· ويتولى المخرج مهمة القطع والمونتاج واضعاً في اعتباره أنه بعد عشر دقائق سيكون هناك إعلان جديد· ويختار الحدث المناسب الذي يمكن أن تقف عنده الأحداث، لذا يجب تنظيم الاعلانات بشكل جيد عن طريق الإتفاق بين المخرج والمؤلف، لتحديد ثلاث أو أربع وقفات خلال الحلقة يتم خلالها عرض الإعلانات دون أن يفقد المشاهد متعة الانسجام·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©