الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان بعد النفط !

26 يونيو 2010 14:29
محجوب عثمان يقول البنك الدولي في آخر تقرير له عن السودان إن حجم اقتصاده مقاساً بالناتج المحلي الإجمالي تضاعف خمس مرات في الفترة بين 1999 و 2008 ، وكان ذلك الإجمالي 10 مليارات دولار وأصبح 53 ملياراً. أما متوسط دخل الفرد فزاد من 334 دولاراً إلى 532 دولاراً. وتعود هذه القفزة إلى إنتاج البترول وتصديره. والبنك الدولي محق في تقديره، لكن الحقيقة الأخرى هي أن الشعب السوداني لم يلق إلا القليل جداً من هذه النعمة التي ذهب أغلبها إلى الإنفاق على مؤسسات الأمن والدفاع وبقية مؤسسات السيطرة. لقد اعتمد السودان حسب تقرير البنك الدولي على عوائد البترول في العقد الأخير. ومن الأرجح، حسب البنك، أن أفضل أيام السودان في الحصول على عائدات كبيرة ومفاجئة من البترول قد ولت بالفعل. لقد اعتمدت الميزانية العامة خلال هذه الفترة على نحو 70 في المئة من عائدات البترول. ولما كانت الكمية الأكبر من هذا المنتوج تأتي من الجنوب فذلك يعني تراجع العائد بالنسبة للمركز أو الشمال في حال انفصال الجنوب عند استفتاء أهله في يناير المقبل، مع العلم أن خيار الانفصال هو الأكثر احتمالا إلا إذا وقعت معجزة. وهذه هي الأزمة الكبرى الأخرى التي تواجه السودان. قبل أن يظهر النفط ويصبح له عائد مقدر، كان السودان يعتمد على إنتاجه الزراعي بشقيه؛ النباتي والحيواني. وكان هناك القطن، لاسيما طويل التيلة الذي اشتهر به السودان، والذرة بأنواعها، والسمسم بأنواعه أيضاً، والقمح والصمغ العربي... وغير ذلك مما تنتج الأرض. وكانت هناك قطعان الماشية، الجمال والخراف والأبقار، التي تعد بالملايين، تمرح في كردفان ودارفور وغيرهما. وكان عائد ما فاض من كل هذا وتم تصديره، كافياً لتزويد الخزينة العامة بقدر مقدر من حاجتها. فما الذي حدث إذن؟ وأين هو الخلل؟ ولماذا لم يستمر السودان في تنمية وتطوير مصادره الطبيعية المعروفة؟ الإجابة واحدة والمسؤولية محددة، وهي أن قادة السودان الجدد ما أن وجدوا ذلك الكم من عائدات البترول حتى التفتوا له وحده وأهملوا تطوير الإنتاج الزراعي بشقيه، بل وأهملوا أعظم المشروعات الزراعية التي عرفها السودان وهو مشروع الجزيرة العملاق الذي يغطي مساحة بملايين الأفدنة الممتدة بين النيلين، الأبيض والأزرق، في أواسط السودان. ولا تفسير مقنع لهذا الإهمال المتعمد لمشروع الجزيرة إلا تخوف النظام السياسي من خطر تكتل مزارعي الجزيرة ضده، ذلك أن هؤلاء المزارعين كان لهم اتحاد قوي ومنظم، وكان هو مصدر الإلهام لتكتلات المزارعين في المناطق الأخرى، وله إسهامات معروفة في انتفاضات السودان السلمية ضد الأنظمة العسكرية. وما حدث في الجزيرة حدث بنسب أخرى في مناطق زراعية أخرى أيضاً. أما مناطق الرعي المهمة فكان الصراع الدموي حائلا دون العناية بها وتطويرها، وأوضح مثال هو ما يدور في دارفور. إن هذا الواقع الماثل الآن والمتوقع من الانخفاض الهائل في عائدات السودان الشمالي من تصدير النفط، يمثل تحدياً جديداً للحكم، ولا سبيل لمواجهة هذه الأزمة الخطيرة والتصدي لها إلا بإعادة النظر، وبصورة جوهرية وجادة، في السياسات التي تدير دفة الاقتصاد السوداني، وهذا يقتضي أول ما يقتضي عددا من السياسات والمناهج، نذكر منها: - العودة لحقيقة أن السودان بلد زراعي ولا سبيل للنهوض به وبأهله إلا بتأهيل القطاع الزراعي والتركيز عليه. - الحد من الإنفاق غير المحدود على أجهزة الأمن والدفاع، واتباع سياسة حكيمة تقلل من الحاجة لهذه الأجهزة. - الحد من الصرف البذخي على نشاط السلطة ممثلة في الحزب الحاكم. - استخدام كل الوسائل الممكنة لمحاربة الفساد الذي صار واحداً من سماته. ذلكم هو جزء من الحلول، فهل تنجح حكومة "الإنقاذ" في تحقيق ما يطابق اسمها؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©