الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مبادرة السلام العربية ... وتطوير التعامل مع الصراع

26 يونيو 2010 14:25
مرزوق الحلبي كاتب ومحام ومستشار سياسي طبيعة التفاعلات بين العرب وإسرائيل تتأرجح عموماً، ومنذ تعطيل اتفاقيات أوسلو، تأرجحت هذه التفاعلات بين السلام البارد والحرب المحدودة. وباعتقادنا أن الأمر حاصل بسبب من تقادم اللغة والنظرية اللتين سارت محاولات التسوية في إطارهما واشتقاقا منهما. بمعنى أنه صار لزاماً على الراغبين في زحزحة الأمور نحو نوع من الانفراج على الأقل أن يخرجوا على هذين الإطارين. أودّ أن أناقش في البدء أنه حتى هذا التاريخ، فإن الخطة الوحيدة التي تملك احتمالات إرشاد الطرفين للخروج من الجمود إلى حل قادر على البقاء من خلال صياغة لغة وتعابير جديدة للتفاوض، هي شكل جديد محسّن لمبادرة السلام العربية . لعام 2002 سأفترض بدايةً أن في الصراع مكونات ثابتة وأخرى متحولة، وحريّ بنا في حالة الجمود الحالي أن نعود إلى المكونات الثابتة لننطلق منها ثانية إلى رؤية المكونات المتحولة أو إنتاجها. ومن الثابت في الصراع أن حلّ المسألة اليهودية التي نشأت على الأرض العربية في الحيز الشرق أوسطي وفي فلسطين التاريخية تحديداً أنتج المسألة الفلسطينية. ومن الثابت، أيضاً، أن حلّ المسألة الفلسطينية المفترض دولياً، مهما يكن، لن يُعيد إنتاج المسألة اليهودية. ومن الثوابت في الصراع، هو أن أي حلّ أو تسوية ضاقت أو اتسعت ستتم في الجغرافيا المكانية المسماة فلسطين التاريخية بين البحر والنهر. ومن الثابت، أيضاً، أن إسرائيل الرسمية التي أنكرت إلى سنين خلت مجرّد وجود شعب فلسطيني، تدرك الآن وجود مسألة فلسطينية على ملفاتها، وتدرك أنها تتطلب حلاً أو تسوية ما. والناتج من هذه الثوابت هو تشابك المسألتين اليهودية والفلسطينية على نحو تاريخي فريد. وتأسيسا عليه، فإن حل المسألتين سيكون في نهاية المطاف في المساحة الجغرافية الشرق أوسطية، وهي مساحة عربية في السياسة والثقافة. ومن هنا تكتسب المبادرة العربية بوصفها تتحدث عن الجغرافية السياسية والمكانية للشرق الأوسط أهمية خاصة تتجاوز الانشغال بتفاصيل الصراع، أو بتلك الملفات الداخلية في إسرائيل أو في المعسكر الفلسطيني. لقد تمّ تعديل المبادرة مرة واحدة على الأقلّ وأعتقد أنها تستدعي التعديل مجدداً باتجاه توسيعها أو تحديث لغتها بحيث تقترح صيغة متطوّرة ومركبّة لحلّ المسألتين الفلسطينية واليهودية معا. باعتقادي أن توسيع إطار المبادرة العربية ينبغي أن يعود بالأمور إلى المربّع الأول للصراع. ويكون البحث هنا من نقطة اعتراف العرب والفلسطينيين بإسرائيل وبحقها في الوجود واعتراف إسرائيل بالمسألة الفلسطينية وكل استحقاقاتها بما فيها ملفّ اللاجئين. صحيح أنه قد يكون بقي من هذا وذاك الكثير من التراكمات إلا أن العودة إلى المربّع الأول من خلال المبادرة العربية الموسّعة والإقرار بوجود مسألتين متداخلتين حتى العظم سيحرر المعنيين من التراكمات وطبقات الأنساق المتقادمة التي أنتجها الصراع حتى الآن. إن تحرير الصراع من أحماله من خلال اللغة الجديدة للمبادرة القائمة على أساس الثوابت التي صدّق عليها الطرفان، سيُتيح إنتاج المكوّنات المتحولة في الصراع من جديد تأسيسا عليها. من شأن ذلك أن يُتيح إعادة مَفهَمة حق تقرير المصير من جديد على أساس التقليل من إطلاقيته (باتجاه الحيلولة دون تكرار التجربة الدموية ليوغسلافيا السابقة) ونفي العنف وتطوير مفهوم الهوية القومية والدولة وعلاقات القوة الإسرائيلية الفلسطينية والعربية على أسس تحريك مغاير لمفهوم الحدود والسيادة. كل هذا في إطار تضمنه المبادرة العربية بصيغتها المعدّلة. هناك حاجة إلى زحزحة أطراف الصراع من الفكر التكتيكي أو من الميل إلى الترتيبات التي تحسّن مواقعهما على خريطة الصراع. وهو أمر غير ممكن تقريبا إلا بطرح جديد يتجاوز الراهن إلى الوراء وإلى الأمام نحو إنتاج الشروط لحدث تاريخي. فيقترح على إسرائيل مثلا الأمن والشرعية في المنطقة بدل أن تواصل القيادات الإسرائيلية انشغالها في حساب عدد الصواريخ في حوزة "حزب الله"، أو أي أنواع من الأسلحة تم تهريبها عبر الأنفاق إلى غزة. بالمقابل، يتمّ تحرير الفلسطينيين من تعداد قتلاهم أو من حساب عدد الحواجز وساعات الانتظار في الممرات البرية. لقد أخفق العرب في حينه في صياغة سياسة عملية ونافعة لإنقاذ فلسطين ويُنتظر منهم أن يحوّلوا "المبادرة" إلى إطار نظري وعملي ولغوي يتعامل مع الصراع بشكل أفضل، وأن يترجموها إلى شروط تاريخية مناسبة تتيح للأطراف جميعا مغادرة مواقعهم دون أن يشعروا بأن الأرض تميد تحت أرجلهم وأن الزمن يُفلت من بين أصابعهم. ينشر بترتيب مع خدمة « كومون جراو
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©