الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في مفهوم القراءة···

في مفهوم القراءة···
29 يناير 2009 03:33
يجنح النقد الجديد في النوادي العالميّة، في أحد مظهرَيْهِ، إلى أن يكون قراءةً تحليليّة بالمفهومين التقنيّ والجماليّ معاً، وإذا كان الذين ينادُون بتأسيس شيء يُطلقون عليه مصطلح ''النقد الثقافيّ''، يسعَون إلى طمْسِ المعالم المنهجيّة والمعرفيّة والنظريّة لأسُس النقد الأكاديميّ كما ورِثناه عن أرسطو من قدماء الإغريق، وعن ابن سلاّم وابن قتيبة وقدامة وحازم وآخرين من العرب··· فكأنّهم غابت عنهم الأطروحة الجديدة الأخرى التي تأسّست في الممارسات النقديّة الجديدة في فرنسا وسَوائها، وهي القراءة التي قد تكون أقرب ما تكون إلى ما ينادُون بتأسيسه··· ذلك بأنّ المنظّرين من النقّاد الفرنسيّين، وفي مطالعهم رولان بارط، حاولوا تأسيس مفهوم القراءة التحليليّة على أنّه شكلٌ جديد، وإن كان قديماً في السلوك الأدبيّ الإنسانيّ في الحقيقة (وقد عرف التراث النقديّ العربيّ هذا الشكل من الكتابة تحت مفهوم ''الشرح'')، أو مظهرٌ من مظاهر النقد الجديد، فكأنّ القراءة، من هذا المنظور، تسعى إلى الاقتصار على تقديم تحليل جماليّ وفنّيّ عن نصّ أدبيّ دون تعويمها في التاريخ، أو الارتفاع بها إلى مستوى التنظير القائم على خلفيّات فلسفيّة ما، ومذاهب أدبيّة··· وقد جمع رولان بارط بين الشكلين الاِثنين معاً، فلم يُهمل شأن القراءة فعُنِي بها عناية شديدة، كما ظلّ يوصي بأمر النظريّة النقديّة خيراً فمارسها· غير أنّ معظم أعماله الأدبيّة كتبها في شكل قراءة، لا في شكل نقد بالمفهوم الجامعيّ الصارم، ومن ذلكم رائعته التي كتبها عن رواية قصيرة لبالزاك (وهي ثمرةُ ملتقىً دام سنتين بالمدرسة التطبيقيّة للدراسات العليا بباريس) بعنوان: ''سارازين'' (SARRASINE) واختار لها عنواناً عجيباً هو: (Z/ S)، وقد يكون هذا العمل من أجمل ما كتب بارط في مجال النقد التطبيقيّ· ولا يُبعد عنه الجودةُ والجمال أنّه أُنموذج للتحليل البِنَويّ، كما يذهب إلى ذلك أندري أَكون· في حين أنّه تناول النقد بمعناه الرائج بين الجامعيّين في كتابه ''مقالات نقديّة'' (Essais critiques)· وقد ظهرت في الكتابات النقديّة التطبيقيّة العربيّة المعاصرة كثير من الأعمال المشابهة لنقاد معاصرين منهم عبد اللّه الغذامي في ''تشريح النّص''، وصلاح فضل في ''شفرات النص''، ومحمد مفتاح في ''تحليل الخطاب الشعريّ''، ومحمد السرغيني في ''محاضرات في السيميولوجيا''، وكاتب هذا العمود في أكثر من عشرة أعمال أدبيّة، منها: ''التحليل السِّيمَائيُّ للخطاب الشعريّ''، و''بنية الخطاب الشعري''، و''ألِف/ ياء''··· ونلاحظ من خلال ذِكْر هذه النماذج، أنّ القراءة في السلوك النقديّ الجديد تقترب من التحليل الأدبيّ طوراً، وتكتسي طور التحليل الأدبيّ نفسِه طوراً آخر· ومن منافع القراءة، بالمفهوم التحليليّ للنّصّ الأدبيّ، أنّها تكون وسَطاً بين النّقد الذي يسعى إلى تأصيل الظاهرة الأدبيّة ومَوْقَعتها بين الظواهر الأخرى من وجهة، وتحديد قيمتها الجماليّة والفنّيّة، تاريخيّاً، من وجهة أخرى· وبذلك يتكامل ''النّقد الجامعيّ''، مع القراءة التحليليّة للنصوص الأدبيّة التي تسعى إلى ابتذال هذه النصوص للقارئ وتحفيزه على استكشاف مَكامِن الجمال المنبثّة في مَجاهلها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©