السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أغراني العنوان فاستبشرت خيراً لكني عدت من مقاطع القصيدة بكدمات دامية

أغراني العنوان فاستبشرت خيراً لكني عدت من مقاطع القصيدة بكدمات دامية
29 يناير 2009 03:25
لا أدري لماذا أشعر وأنا أقرأ ما يسمونها بقصيدة النثر أن لديّ تخلفاً عقلياً واضحاً·· ولذلك أهرب من قراءة تلك القصائد حتى لا أكشف مقدار تخلفي العقلي·· اليوم حاولت مقاومة هذا الشعور وتصفحت الملحق الثقافي لإحدى الصحف محاولاً مناطحة تلك الصخور المرتبة بشكل أسطر، أحياناً تقل عن سطر، وأحياناً أخرى تزيد عن ثلاثة·· فعدت بكدمات دامية دون أن أستطيع حتى فهم معنى واحد أو الاستمتاع بصورة شعرية أو لوحة شعورية واحدة· قرأت قصيدة بعنوان ''نبض الكون''· أغراني العنوان واستبشرت خيراً حينما استطعت أن أفهم ذلك العنوان الجميل ثم قرأت المقطع الأول: أيها الموت، آن لك أن تصغي: أهدر جفوني لأراني قبل أن تراني لك· أعدت قراءة المقطع مرتين وثلاثاً ثم وقفت حائراً غير قادر على فهم شيء·· ثم قاومت اليأس بمحاولة شرح مجهدة· الشاعرة هنا تخاطب الموت·· تطلب منه إهدار جفونها·· وما أجمل كلمة إهدار التي عادة تستخدم للدم·· لماذا؟ لكي تستطيع أن ترى نفسها من الداخل·· قبل أن تصبح ملكاً للموت· وسأزعم أن هذا الإبداع قد حملنا على جناحين من ضوء وحلق بنا في فضاء ظلام النفس لنرى ما عشنا حياتنا غائبين عنه·· ننظر إلى الآخرين حولنا دون أن نستطيع رؤية ما نحن ومن نحن وما هي الممتلكات الذاتية التي جمعناها في رحلات المعرفة التي لم تتوقف يوماً منذ ألقت بنا أرحام أمهاتنا إلى طرق الأيام والسنين· وسأزعم أن هذا القول يشبه ما قاله المسيح عليه السلام: ''ما فائدة أن يربح الإنسان العالم كله ويخسر نفسه''· ولكن لو صدقت هذا الزعم وتجرأت بنشره فقد يؤكد ذلك للقراء وخاصة المستبحرين في قصيدة النثر أن تخلفي العقلي يتجاوز الحد المسموح به ببقائي حراً وقد يطالب بعضهم بوضعي في الحجر الطبي وفي أقرب مستشفى للأمراض العقلية· فالشاعرة في هذا المقطع لا تعني بالموت الموت·· ولا تعني بالذات الذات·· ما هذا الفعل المبدع ''لأراني'' إلا أداة لفظية تعني انفجاراً ضوئياً في ظلمة آسنة بدأت منذ بدء الخلق ولا إشارة من أي مكان أو زمان تدل على أنها يمكن أن تتلاشى· أيها الموت·· يعني أيتها الحياة الساكنة المستكينة·· آن لك أن تصغي·· يعني آن الأوان لأتحرك·· اهدر جفوني·· اجعلني أخرج من ظلمة العام إلى إضاءة الخاص·· لأراني يعني لأتعرف على وطني وشعبي وأقرأ تاريخي الشخصي·· قبل أن تراني لك·· أي قبل أن أتحد بالآخرين وتنظر لي تابعاً لسكينتك موالياً لاستسلامك· وأنتقل إلى المقطع التالي: مثقل بمكين الحجر ومع ذلك يدير حجة الهواء·· وأعترف أنه رغم علامة الضمة فوق حرف الجيم فلم أستطع أن أحدد·· هل هي حجة بمعنى برهان أم حجة مفرد الحج· وهنا أدركت أن أي محاولة شرح ستبوء بالفشل لأن الألفاظ العربية المصفوفة بعناية فائقة تكاد تكون غير عربية حيث استعنت بكل ما جمعته من خبرة لغوية لأصوغ شرحاً ولو قريباً لتلك الألفاظ فلم أستطع· قلت: لعل المقطع الثالث يشرح المقطع الثاني فقرأت: ملكوت يتناده لشريعة الغيب من شدة صمم يجتبين ألا نجعل لمشتكاه· أخذني هذا المقطع إلى حالة من السبات اليقظ·· لجأت إلى التأمل·· ثم إلى الصلاة·· وشعرت أنني بحاجة إلى البكاء وأنا أدعو الله أن يفتح أبواب عقلي الموصدة·· وأن يجعلني قادراً على فهم حتى معاني الألفاظ التي على ما يبدو أصبح لها مدلولات أخرى· شعرت وأنا أختلس النظر إلى المقطع الرابع أن الشاعرة تمد قبضتها من خلال الظلام الذي دخلت فيه وتلكم فكي المرتخي فتنفجر آهة الألم ولا أستطيع منع تدفق الدموع: أيها الضرير قل لي كيف نستبرئ من طعون لا تستضير· حرام أن أترك نفسي كل تلك السنوات التي مضت في هذا الجهل المطبق والظلام الشعري الدامس·· وترحمت على الأيام التي كنت ألجأ فيها إلى القاموس لأستطيع فهم بعض أبيات الشعر الجاهلي·· فلقد كنت أنجح في تلك الأيام في اكتشاف الصور الشعرية وفهم مراميه وأغراضه وإن كنت لا أخفي لوم نفسي لعدم الخوض في بحر اللغة العربية والتعرف إلى لآلئ ألفاظها وكنوز مصطلحاتها· أما الآن فلا القاموس يمكنه أن يعين ولا خبراء اللغة الذين أتصل عادة بهم هاتفياً يمكنهم أن يرشدوا حتى إلى طريق أسير عليها لأصل إلى مرامي وأغراض هذا الشعر المنثور أو قصائد النثر· في المقطع الخامس قرأت بخجل من كمية الغباء التي تراكمت في صوتي: تراتيل وتهاليل تثيرها الفراغات·· مسالك وتدابير صرفة لا شأن لها بحلولك أيها المستنير· طويت الملحق بعناية·· ووضعته في أرشيفي الخاص·· ووعدته أن أعيد الكرة وأحاول من جديد بعد أن أدخل في تجربة الدروس الخصوصية، حيث سأهاتف الناقد هشام المعلم والصحفي جهاد هديب، وقد أستعين بالصديق عادل علي وربما ألجأ إلى الأخ إبراهيم سعيد الظاهري لجوءاً أدبياً·· وأمتلئ بالروح الشعرية الحديثة التي قد تساعدني في التخلص من هذا التخلف الذي يفوق بكل تأكيد تخلف الكثير من الدول والشعوب في هذا العالم·· وإلى أن تحدث هذه المعجزة فإنني أطرح سؤالاً مصيرياً وأطلب من الباحثين أن يجيبوا عنه بالأرقام لا بوجهات النظر المصاغة بلغة أكثر دهشة من لغة قصيدة النثر·· السؤال هو؟ ؟ هل أنا الوحيد الذي يشعر بالغربة أمام قصيدة النثر؟ وكم عدد الذين لا يستطيعون فك طلاسم هذا النوع من الشعر أو إدراك جمالياته· سأشعر بالعزاء عندما تأتي الاجابة عن هذا السؤال لتؤكد وجود مليون متخلف مثلي·· أما إذا جاءت النتيجة لتؤكد أن خمسة في المئة من الناطقين بهذه اللغة والتي أصبحت هي نفسها لدى أقطاب حركة الحداثة في الشعر لغة متخلفة تحتاج إلى التحديث·· لو خمسة في المئة فقط يمكنهم أن يزعموا أن لديهم القدرة على الاستمتاع بهذا الشعر المنثور أو النثر الشعري الحديث والتفاعل معه والطرب لما فيه·· فعند ذلك سأستعيد ثقتي بالشعر·· وسوف لن أخجل من التصريح أمام حتى شعراء النثر أنني شاعر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©