الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وتهديد الأمن الأوروبي

15 أغسطس 2016 21:51
يمكن لعملية القرصنة الإلكترونية التي قيل إن أنظمة الكمبيوتر التابعة للحزب الديمقراطي قد تعرضت لها، وتعتقد أجهزة المخابرات الأميركية أنها من ترتيب الحكومة الروسية، أن تحفز واشنطن على الاهتمام بالتكتيكات غير التقليدية التي يتبعها الكرملين، ويعتمدها منذ زمن بعيد للتأثير على السياسات القائمة في البلدان الأوروبية المجاورة لروسيا. وقد عملت روسيا كل ما في وسعها خلال السنوات الأخيرة لجرّ أوروبا إلى صفّها. ويقال إنها كانت تدعم بعض الأحزاب السياسية المتطرفة في القارة الأوروبية، وتسعى بدأب لتأجيج المخاوف من المهاجرين، وتستخدم مصادر الطاقة التي تشتهر بها كهراوة للضرب على رؤوس جيرانها. وبعد انقضاء عامين ونصف العام على اندلاع الأزمة الأوكرانية، قال مسؤولون في إدارة الرئيس باراك أوباما إن الكرملين ينشغل الآن بعملية تدخل في الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، في إطار محاولة لدعم موقف المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وقد تشكل هذه المحاولات الروسية المزعومة تحدياً كبيراً للنظام السياسي الأميركي، إلا أن محللين أوروبيين يرون أن البصمات الروسية تبدو على العديد من المبادرات والإجراءات الهادفة إلى إحداث انقسام عميق في صلب وحدة صف الغرب، والدفع باتجاه القبول بالسياسات التي يفرضها الكرملين. ويقول زعماء أوروبيون صراحة إن روسيا قد انخرطت بالفعل في أعمال «استفزازية» مثلما حدث عندما شجعت على تنظيم استفتاء في هولندا في شهر أبريل الماضي، انتهى إلى رفض الهولنديين للصفقة التجارية التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا. ومع تعمق شعور الناخبين الأميركيين والأوروبيين بأنهم قد تُركوا عالقين بين مدّ وجزر فكرة العولمة، وتنامي شعورهم بأنهم باتوا مهددين بموجات الهجرة، فقد سعى الروس إلى اللعب على نقاط الضعف الغربية هذه ووجدوا في مسعاهم كثيراً من الآذان الصاغية. وفي أوروبا أيضاً، ما فتئت روسيا تمارس الضغوط المتزايدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بعد أن ضمّت إليها شبه جزيرة القرم في العام 2014، وهي الضغوط التي نتوقع لها أن تنجح بمجرد الاستفادة من دعم دولة واحدة فقط من دول الاتحاد الأوروبي، طالما أن فرض العقوبات يحتاج إلى إجماع الدول الأعضاء التي يبلغ عددها 28 دولة. وحتى قبل اندلاع ذلك النزاع، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل على تدعيم نظرته الخاصة حول مستقبل العالم التي ترتكز على التحالف مع بعض القادة الديكتاتوريين ضد الرؤساء المنتخبين بطريقة ديمقراطية، وأيضاً من أجل استعادة النفوذ الضائع للاتحاد السوفييتي السابق. ولكن في المقابل، ليست روسيا طبعاً هي التي غرست الشكوك في عقول البريطانيين ما دفعهم للتصويت لمصلحة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ولا هي التي أشعلت الحريق في سوريا الذي أدى إلى موجة نزوح، شكلت تهديداً حقيقياً للوحدة الأوروبية. وفي هذا السياق قال بيتير كريكو مدير «معهد كابيتال السياسي» في بودابست المتخصص في تحليل العلاقات القائمة بين الأحزاب الأوروبية والكرملين: «يحاول الروس استغلال حالة الفوضى، ولكنني لا أزعم أنهم هم الذين اختلقوها». وأشار إلى أنه لاحظ توطّد العلاقات الروسية ليس مع أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار وحدها، بل أيضاً مع بقية الأحزاب المعتدلة مثل أتباع وسط اليمين من الجمهوريين في فرنسا التي صوتت خلال الربيع الماضي لمصلحة رفع العقوبات المفروضة على روسيا. ومن الجدير بالإشارة هنا أن العديد من هذه المحاولات الروسية لم تحقق النجاح. ودليل ذلك أن دول الاتحاد الأوروبي كلها وافقت على تمديد أجل العقوبات في شهر يونيو الماضي. وعلى رغم هذا، فإن تلك السياسة حققت لروسيا حضوراً سياسياً أقوى على المستوى العالمي في وقت يعاني اقتصادها من الركود، وتبدو فيه مؤشرات التحسن في المستقبل ضعيفة. وهنا يقول كريكو: «إنها الأداة التي تستخدمها روسيا لتقوية نفوذها وزيادة قوة تأثيرها لأن من الصعب عليها أن تلجأ إلى الأدوات الاقتصادية المعتادة لتحقيق هذا الهدف». ويقول المحللون إن جهود روسيا لجرّ أوروبا إلى فلكها تمتد إلى ما هو أبعد من مغازلة الأحزاب السياسية منفردة على رغم أن هذه الأداة ذات أهمية كبيرة. وفي أوروبا الشرقية، يشك بعض القادة السياسيين في أن الكرملين يموّل الجماعات البيئية التي تعارض الإجراءات التي ترمي إلى تخفيض اعتماد بلادهم على مصادر الطاقة الروسية. وفي طول أوروبا وعرضها، بذل الكرملين جهوداً محمومة لتطوير ودعم وسائل الإعلام التي تروّج لسياساته مثل قناة «روسيا اليوم» التلفزيونية ووكالة «سبوتنيك» الإخبارية، وقد أصبحت هذه الوسائل ناطقة بكل اللغات واللهجات المحلية الأوروبية. ولا تتوقف هذه المحطات الإخبارية أحياناً عن تحريف بعض الحقائق. ففي شهر يناير الماضي، مثلاً، بثّت القناة التلفزيونية الروسية المملوكة للدولة خبراً يفيد أن طفلة ألمانية من أصل روسي يبلغ عمرها 13 عاماً تم اغتصابها بوحشية في برلين من طرف مجموعة من المهاجرين. وعندما سارعت الشرطة الألمانية لتحرّي صحة الخبر تبيّن لها أنه كاذب وملفّق. وكان التعبير الأكثر وضوحاً لشرح الاستراتيجية التي يعمل بموجبها الروس في أوروبا هو الذي ورد على لسان أندرو فوكسول مدير «مركز الدراسات الروسية» في لندن حين قال: «تكمن قوة تأثير روسيا في سعيها لتحقيق أهدافها في دول الاتحاد الأوروبي، في أنها لا تعتمد على أداة منفردة بشكل مكثف لبلوغ تلك الأهداف في وقت محدد، بل تستخدم عدة أدوات في أوقات مختلفة وفي بلدان عديدة». ويبدو الكرملين واثقاً من نجاحه في الفوز بتأييد أطراف فاعلة على الساحة السياسية ليس في أوروبا وحدها، بل وفي أميركا أيضاً، وهو يبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك، حسب ما زُعم، القرصنة الإلكترونية. وحتى دونالد ترامب الذي قال بعظمة لسانه لقناة CNBC التلفزيونية يوم الخميس الماضي إنه سيكون صديقاً لبوتين إن تولى الرئاسة، دعا الكرملين لاستخدام تكتيكاته المتنوعة ضد هيلاري كلينتون. وخلال الشهر الماضي، خاطب ترامب روسيا بشكل مباشر قائلاً: «يا روسيا، إذا كنتِ تستمعين إلى، فإنني أرجو منكِ العثور على رسائل البريد الإلكتروني التي بلغ عددها 30 ألفاً، والتي فقدت». وكان يشير بذلك إلى حساب البريد الإلكتروني لهيلاري الذي حذفت منه تلك الرسائل. ولكن، بعد الهجوم الذي تعرض له على إثر تلك الدعوة الغريبة، أصدر تصريحاً قال فيه إن كلامه كان لمجرّد المزاح. *محلل سياسي أميركي مقيم في بروكسل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©