الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرقابة على الإعلام في أميركا اللاتينية

25 يونيو 2010 22:26
هنا في منطقة أميركا اللاتينية ينبغي لنا أن نكون أشد قلقاً على الحريات الصحفية، حيث يرى كثير من الرؤساء الشموليين، المنتخبين ديمقراطياً، شعبيتهم تتراجع بمعدلات كبيرة في استطلاعات الرأي العام، فلا يجدون سبيلاً منقذاً لهم غير تكميم أفواه الصحافة المستقلة استباقاً للمعارك الانتخابية القادمة. وتحدث هذه الممارسات في كثير من دول المنطقة، غير أنها ليست أكثر وضوحاً مما تبدو في فنزويلا. ففي هذه الأخيرة بالذات، يعاني هوجو شافيز من تنام ملحوظ لسخط شعبه على أعلى معدل تضخم اقتصادي قياساً إلى كافة دول المنطقة، تقدر نسبته بحوالي 30 في المئة، ومن تكرار انقطاعات التيار الكهربائي، ونقص المواد الغذائية، إضافة إلى اتساع نطاق الفساد الحكومي. وبالنتيجة تعتقد نسبة 70 في المئة من الفنزويليين أن بلادهم تسير في الاتجاه الخطأ، حسب ما أشارت نتائج آخر استطلاعات الرأي العام التي أجرتها مؤسسة "كيلر أسوشييتس". وعليه فليس ثمة ما يثير الغرابة في أن يعتدي شافيز على شبكة "جلوبوفيشن" التلفزيونية، التي تعد آخر القنوات التلفزيونية المستقلة التي تنتقد علناً سياسات وممارسات الحكومة، بعد إغلاق الأخيرة لشبكة "آر سي تي في" في شهر يناير من العام الحالي، ووقف بثها الهوائي سابقاً في عام 2007. وقد جاء هذا الإجراء متزامناً مع اقتراب فنزويلا من إجراء انتخابات الكونجرس العامة في السادس والعشرين من شهر سبتمبر المقبل. ورغم أن قوانين الانتخابات قد فصلت لصالح مرشحي الحزب الحاكم إلى حد كبير، فإن في وسع الانتخابات أن تسفر عن وصول عدد كبير من مرشحي القوى السياسية المعارضة إلى الكونجرس، ويمكن لهؤلاء أن يقفوا عقبة أمام بعض القرارات والإجراءات الرئاسية، إضافة إلى احتمال تمكنهم من فرض إجراء تحقيقات في ممارسات الفساد الحكومي. ويذكر أن شافيز قد انفرد بإدارة جميع الأجهزة الحكومية، منذ أن قررت المعارضة مقاطعة انتخابات عام 2005 التشريعية. وفي وقت مبكر من الشهر الجاري انتقد شافيز بشدة محاكم بلاده عبر حديث له من خلال التلفزيون الوطني، لعجزها عن اتخاذ إجراء قانوني ضد "جليرمو زولاجا"، رئيس شبكة "جلوبوفيشن" التلفزيونية والمالك الشريك لها، لارتباطه بتحقيق حكومي مستقل تجريه الحكومة فيما يتعلق بوكالة سيارات تويوتا التي يتولى إدارتها "زولاجا". وبعد مضي أيام فحسب على تلك التصريحات، أصدرت المحكمة أمراً باعتقال "زولاجا". وفي الوقت نفسه طالب شافيز بتصعيد الإجراءات القانونية ضد "نيلسون مزرهين"، أحد أكبر حملة الأسهم في شبكة "جلوبوفيشن"، بعد أن أممت الحكومة مؤخراً بنك "بانكو فيدرال" الذي كان يملكه. وفيما يتعلق بزولاجا ومزرهين، فقد ألمح شافيز في السابع عشر من يناير المنصرم إلى نية الحكومة الاستحواذ على جميع الشركات المملوكة لهذين الرجلين. وقد حدثني محامو زولاجا عن أنه كان يحتفظ في موقف مجاور لبيته بـ24 سيارة من سيارات تويوتا، غير أنها بيعت جميعاً وهي الآن في طريقها للتسليم لأصحابها. بالإضافة إلى ذلك لاحظ المحامون أن الحكومة تزيد يوماً بعد الآخر عدد اتهاماتها الموجهة إلى زولاجا ومزرهين، في حين تغض الطرف عن التحقيق مع المئات الآخرين الموالين لشافيز رغم تورطهم في ممارسات فساد عام معروفة، بما فيها الحادثة الأكثر شهرة، عندما حاول وفد حكومي تهريب حقيبة ملابس معبأة بالنقود إلى الأرجنتين، كما يقول المحامون. وقبل خطواته الأخيرة التي استهدفت تكميم أفواه شبكتي "جلوبوفيشن" و"آر سي تي في"، جرد شافيز 32 محطة إذاعية مستقلة من تراخيص عملها بحجة ارتكابها مخالفات في إجراءات تسجيلها، بينما هدد بإلغاء حقوق البث الخاصة بـ200 محطة إذاعية أخرى. غير أن فنزويلا ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تلجأ إلى ممارسات الرقابة غير المباشرة هذه لتكميم أفواه الصحافة ووسائل الإعلام المستقلة التي تنتقد سياسات حكومته. فإذا ما استثنينا كوبا التي يمنع نظامها الشمولي الحاكم علناً الصحافة المستقلة بجميع أشكالها ووسائل عملها، يلاحظ تصعيد العديد من حكومات المنطقة إجراءات ترهيب وتهديد الصحافة المستقلة، سواء كان ذلك من خلال ممارسة الضغوط المالية والاقتصادية عليها، أم بتوجيه الخطابات العنيفة ضدها، أم بالتجسس غير المشروع عليها، على حد قول الجماعات المدافعة عن حرية الصحافة. من الأمثلة على هذه الممارسات، اعتياد رؤساء كل من نيكاراجوا وبوليفيا والإكوادور والأرجنتين وكولومبيا على تصوير الصحفيين الذين لا يرغبون فيهم كما لو كانوا "عفاريت مخيفة" يجب الابتعاد عنها. ولا تكف النظم الحاكمة في هذه الدول عن استغلال موارد الحكومة وتوظيفها لمكافأة الصحفيين الموالين للنظام مقابل معاقبة المؤسسات الصحفية والصحفيين الذين ينتقدون السياسات الحكومية. وقد أشارت دراسة نشرتها العام الماضي "جمعية الحقوق المدنية الأرجنتينية" إلى إنفاق الحكومة لمبلغ 115 مليون دولار سنوياً على الإعلانات الصحفية. وبينما تكافأ الصحف والمؤسسات الصحفية الموالية للحكومة ويخصص لها نصيب الأسد من تلك الميزانية الإعلانية، يلاحظ أن الحكومة تعاقب المؤسسات غير الموالية بحرمانها من ميزانيتها الإعلانية. وفي هذا الشأن حدثتني "كاتالينا بوتيرو"، المحررة المتخصصة في شؤون الحرية الصحفية بمنظمة الدول الأميركية التي تضم 34 دولة في المنطقة، عن تنامي اتجاه إساءة استخدام السلطات والموارد الحكومية في إسكات أصوات المنتقدين والمعارضين. وأضافت قائلة إن المنطقة تشهد المزيد من ممارسات الرقابة الصحفية غير المباشرة، وهو نوع جديد من الرقابة يصعب رصده وانتقاده وشجبه، لكونه يتخذ أشكالاً ووسائل تختلف كثيراً عن أسلوب الرقابة المباشرة الذي لم يعد ممكناً اتباعه في عصرنا الحالي. أندريه أوبنهايمر - فنزويلا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم تي سي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©