الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجل الأمن الباسم

رجل الأمن الباسم
26 نوفمبر 2009 00:06
الأمن الذي تنعم به دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الزمن، يرجع إلى الأساس القوي الذي وضعه القائد الراحل المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. كان رحمه الله يدرك جيدا أن جميع الانجازات التي يحققها في مختلف المجالات تعتمد بالدرجة الأولى على الاستقرار والابتعاد عن موجات العنف الفكري والسياسي في الدولة التي كانت إلى حد بعيد نواة دولة العولمة. فالوافدون القادمون إلى الدولة من مختلف أنحاء العالم يحملون معهم الاتجاهات الساسية والفكرية التي كانوا يمارسونها في بلدانهم الأصلية. حتى الوافدين العرب المتواجدين على أرض الدولة في بداية السبعينات كانوا منتمين لأحزاب وتيارات سياسية مختلفة ومع ذلك، فتحت الدولة أبوابها لهم ولم تطلب منهم التخلي عن أي فكر أو اتجاه سياسي لديهم، كل ما طلبته هو أن أرض دولة الإمارات لا يمكن أن تكون ميدانا لأي صراع أو تناحر أو تنافر، كما أنه لا يمكن لأي شخص له سوابق في مجال الجريمة أن يعود لممارسة الجريمة في هذا البلد الآمن. مع وزير الأمن وكان على رأس جهاز الأمن في أبوظبي أولاً ثم في الدولة كلها بعد ذلك، ذلك الرجل الهادئ الباسم دائما سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، أول مسؤول ووزير للداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة. اللقاء الأول بيني وبين سمو الشيخ مبارك كان في مارس 1971، ومن خلال برنامج إذاعي كنت أعده وأقدمه في إذاعة أبوظبي بعنوان: “الشرطة في خدمة الشعب”. وكانت تشرف على البرنامج إدارة العلاقات العامة في جهاز شرطة أبوظبي، وكان المسؤول في ذلك الوقت الأخ ابراهيم أبوذكري من جمهورية مصر العربية، والذي اختار فيما بعد العمل الحر فأنشأ شركة انتاج إعلامي في أبوظبي ثم أكمل مشروعه الخاص في مصر، بعده تسلم إدارة العلاقات الملازم حسن الحوسني وقد استمتعت بالعمل في معيته ومن خلاله، وقد وصل الأخ الحوسني إلى رتبة عالية. في ذلك اللقاء الأول مع سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان أدركت أنني أمام رجل أمن مختلف عن الصورة التي رسمتها لوزراء الداخلية أو مسؤولي الأمن العرب الكبار. كنت أتهيب دائما من اللقاء بمسؤول أمني كبير، وأشعر أن هناك حواجز تحول بين أولئك المسؤولين الأمنيين والإنسان العادي. مع سمو الشيخ مبارك أدركت أنني أمام إنسان طيب ودود، يحترم الناس ويصادقهم بغير تحفظ. وقد استطاع اللقاء الأول بيني وبين الرجل أن يزيل ذلك الشعور بالحذر أو التهيب، فسمو الشيخ مبارك ينتمي أولا: إلى الأسرة الحاكمة، وهو ثانيا: أكبر مسؤول أمني في الدولة. ببساطة، وبغير مقدمات تحول الحديث بيني وبين الرجل إلى حديث ودي تناولنا فيه مختلف القضايا الاجتماعية والإنسانية التي طغت على السطح في ذلك الزمن. وفوجئت أن الرجل مثقف جدا، وأنه يعرف الكثير عن الاتجاهات السياسية لدى الوافدين العرب وحتى الأجانب وخاصة القادمين من الهند وباكستان. كما وجدت فيه ذلك العربي الأصيل المؤمن بوحدة أمته العربية والممتلئ بالحب لها والمتمكن من معرفة تاريخها وخاصة في عصورها المشرقة. الذي أذكره جيدا ولا يمكن أن يمحى من ذاكرتي هو حب الرجل لقائده الشيخ زايد، حيث كان دائما إلى جانبه لا يفارقه إلا لإدارة عمله والذي كان باختصار بناء جهاز أمني قادر على حماية الدولة ومكتسباتها وانجازاتها في مختلف المجالات. بنى الرجل جهازا بشريا رائعا، أرسل شباب الإمارات إلى مختلف المعاهد والكليات الأمنية في الأردن ومصر وحتى انجلترا، وتمكن من بعد تخرجهم من الاعتماد عليهم في وضع الأساس القوي الصحيح الذي قام عليه جهاز الأمن في دولة الإمارات العربية المتحدة. لم تكن هناك أبواب مسدودة بينه وبين رجاله الأوفياء، ومازال أولئك الرجال يذكرونه بالحب والاعتزاز. فهو دائم السؤال عنهم واحدا واحدا، يحضر إلى ناديهم ويمارس لعبة السنوكر (البلياردو) معهم، فكأنه واحد منهم يمازحهم ويلاطفهم بغير تصنع ولا افتعال. ولذلك أحبه رجاله وتفانوا في عملهم لإرضائه وتحقيق الهدف الكبير الذي أراده قائد المسيرة. التزام بلا مراقبة في ذلك الزمن وبفضل أولئك الرجال، كنا ننام ملء أعيننا لا نهتم بإغلاق أبواب بيوتنا ولا نخشى على سياراتنا المتوقفة في العراء تحت العمارات والبيوت التي نسكنها ولا نخاف من السير في الشوارع قبل وبعد منتصف الليل. في ذلك الزمن الجميل لم يكن يجرؤ أحد على السير بسيارته بسرعة تزيد عن الستين كيلومترا في الساعة داخل المدينة ومائة كيلومتر على الطرق الخارجية، ولذلك كانت حوادث السير نادرة وغير خطرة على الإطلاق، رغم عدم توفر الرادارات وأجهزة المراقبة التلفزيونية وطائرات الهليوكبتر وغيرها من الامكانيات الحديثة المتطورة والتي تعتمد على آخر ما توصلت إليها التكنولوجيا في مجال الأمن والسلامة على شوارع أبوظبي، فعل ذلك بكل حب وكل قناعة أنه يخدم وطنه ويعلي راية الأمن والسلامة فوق كل شارع وكل بيت وكل شبر من الأرض والبحر في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولقد أثر سلوكه العسكري على حياته وحياة رجاله فمواعيده دقيقة، تستطيع أن تضبط ساعتك على وقت دخوله إلى مكتبه ووقت خروجه منه إلا إذا اضطر لترك مكتبه ليلتحق بالقائد أو لحضور اجتماع وزاري أو لقاء أمني خارج مكتبه، وهذا السلوك كان القاسم المشترك بينه وبين جميع ضباط وأفراد رجال الشرطة وجهاز الأمن في ذلك الزمن. كان الرجل نشيطا يتمتع بنحافة تجعل حركته خفيفة، وخطواته سريعة وتنقلاته كثيرة وفي كل مرة كنت أراه فيها كانت ابتسامته المشرقة على وجهه تؤكد روح التفاؤل التي كان يتمتع بها والثقة التي كانت تصدر عنها أقواله وأفعاله. ورغم الحادث المؤسف الذي تعرض له سموه إلا أنه مازال حتى الآن بابتسامته المشرقة يلتقي بأبناء وطنه والوافدين الذين أحبوه منذ كان فارس الأمن وصانع الأمان في بلد الحب ووطن الإنسانية دولة الإمارات العربية المتحدة. ولقد شهدت أعظم أمثلة الوفاء، عندما وجدت صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وجميع شيوخ آل نهيان الكرام بل وجميع حكام وأولياء عهود الإمارات يحرصون على زيارة هذا الفارس في المناسبات وفي جميع الأوقات ويطبعون على جبينه الطاهر قبل الحب والتقدير والوفاء. هذه هي الحضارة وهذا هو الوفاء الذي أعتبر نفسي من المحظوظين الذين عاشوا في دولته وفي وطنه وفي مجتمعه الرائع العظيم، ولا أبالغ إذا قلت: إن صورة الوفاء الجميلة هذه لم ترها عيناي في أي مكان في العالم إلا هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تزداد قامات الرجال طولا باحناءات الحب والوفاء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©