الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صفقة «فوتينما» السرية بين واشنطن وطوكيو

25 نوفمبر 2009 23:28
تبدو اليابان، التي توترت علاقاتها مع واشنطن مؤخراً بسبب قرار اتخذته طوكيو بإنهاء وجود القاعدة الجوية التابعة لقوات المارينز الأميركية في جزيرة أوكيناوا، عازمة على الكشف عن تفاصيل صفقة سرية عقدتها معها واشنطن منذ عدة عقود، سمح بموجبها للطائرات والسفن الأميركية المحملة بالسلاح النووي بالتوقف في عدة مواقع في اليابان؛ وتنتهك تلك الاتفاقية السرية القانون الياباني الذي يحرم على البلاد صنع أو حيازة أو تخزين السلاح النووي في أراضيها. غير أن الكشف عن تلك الاتفاقية التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي ليس أمراً جديداً على أية حال. فعلى الأقل توفرت الخطوط العامة العريضة للاتفاقية منذ أربع سنوات، بسبب الكشف عن معلومات سرية تخصها من قبل الحكومة الأميركية؛ ولكن الجديد هو أن إصرار الحكومة اليابانية الجديدة على إجراء تحقيق رسمي بشأنها، زاد من توتر العلاقات بين واشنطن وطوكيو. وعلى حد تعبير رالف إي. كوسا -رئيس القسم الباسيفيكي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في هونولولو- فليس قرار الكشف عن هذه الاتفاقية السرية، من نوع تلك الأمور التي يرغمك أقرب حلفائك على مواجهتها، شئت أم أبيت، إذ أنها ستضيف توترات جديدة إلى التوترات القائمة أصلاً في التحالف القائم بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان. وبما أن مرور وتوقف السفن الأميركية المحملة بالسلاح النووي في الأراضي اليابانية أصبح مسألة عادية منذ عدة عقود، فإن من المتوقع أن يصبح ذلك في ظل الحكومة اليابانية الجديدة مصدر توتر في العلاقات بين الدولتين، إضافة إلى توقع استمرار الاحتجاجات عليه من قبل حكومة طوكيو. ولدى زيارة وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس لطوكيو في شهر أكتوبر المنصرم، ذكر أنه حذر نظيره الياباني من السماح بإجراء تحقيق رسمي بشأن تلك الصفقة السرية، لما لذلك من إضرار بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وإضعاف لقوة الردع النووي الأميركي؛ يذكر أن الولايات المتحدة ملزمة بنصوص معاهدة دفاعية عقدتها مع طوكيو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بالدفاع عن اليابان في حال تعرضها لأي هجوم عدواني، ولها نحو 36 ألف جندي من جنودها منتشرين في عدة مواقع وقواعد عسكرية في اليابان. يذكر أيضاً أن التحالف التقليدي الاستراتيجي بين واشنطن وطوكيو قد اهتز خلال الشهور القليلة الماضية التي أعقبت انتخاب حكومة رئيس الوزراء الياباني الجديد يوكيو هاتوياما، خاصة مع إصراره على ضرورة أن تسيطر بلاده على الوجود العسكري الأميركي المكثف في بلاده. هذا وقد اتفق الرئيس باراك أوباما مع رئيس الوزراء الياباني هاتوياما -أثناء زيارة أوباما لليابان مؤخراً- على تشكيل مجموعة عمل تضم عدداً من كبار المسؤولين من كلا البلدين من أجل حل النزاع القائم حول مستقبل قاعدة فوتينما الجوية التابعة لسلاح البحرية الأميركية في جزيرة أوكيناوا. وقد ازداد ضيق المواطنين المقيمين قريباً من تلك القاعدة من الضجيج الذي تسببه لهم الطائرات، إضافة إلى شكواهم مما تسببه القاعدة من تلوث بيئي في المنطقة. غير أن قادة كل من واشنطن وطوكيو اختلفوا فيما بينهم على ما يجب أن تقوم به مجموعة العمل التي تم الاتفاق عليها لحل النزاع. فأوباما يرى أن مجموعة العمل هذه عليها أن تحصر جهودها في تنفيذ اتفاق سابق أبرم منذ ثلاث سنوات، ينص على تحويل القاعدة الجوية من موقعها الحالي إلى موقع آخر بالجزيرة نفسها، بينما يرى هاتوياما أن على تلك المجموعة أن تفعل أكثر من تنفيذ الاتفاق المذكور بكثير، وإلا فلن يكون هناك معنى لها على حد قوله، وللمزيد من الوضوح، يصر هاتوياما على إزالة القاعدة الجوية المذكورة من جزيرة أوكيناوا أو من اليابان كلها. والملاحظ أن النزاع الدائر الآن بشأن مصير هذه القاعدة تحول إلى مادة واسعة الانتشار في الصحف والوسائل الإعلامية، لكونه يرمز إلى تأكيد السيادة الوطنية اليابانية في تفاوض طوكيو مع حليفتها الرئيسية واشنطن. وفي الوقت نفسه يرمز هذا النزاع إلى كونه اختباراً مبكراً للقدرة القيادية لـ"هاتوياما" وحزبه الديمقراطي الحاكم. ومهما يكن، فإن الكشف عن تفاصيل الصفقة السرية بين البلدين، لن يزيد على كونه رمزاً آخر من رموز وقوف طوكيو في وجه واشنطن؛ ويعود السبب وراء هذا إلى موافقة حكومتي الدولتين على ألا تحمل السفن القادمة من أميركا إلى اليابان أي مواد أو أسلحة نووية مسبقاً؛ غير أن الكشف عنها سوف يرفع من أسهم الحزب الديمقراطي الياباني الحاكم، الذي حقق فوزاً انتخابياً ساحقاً في انتخابات مجلس النواب، ويستعد الآن لخوض معركة انتخابية ثانية على مستوى مجلس الشيوخ. ومما لا شك فيه، أن الكشف عن الصفقة السرية سوف يسبب إحراجاً كبيراً لخصمه -الحزب الليبرالي الديمقراطي- الذي خسر الانتخابات مؤخراً رغم استمراره في حكم اليابان ما يشبه تجربة حكم الحزب الواحد لنصف قرن من الزمان. فهو الحزب الذي قرر تجاهل نصوص القانون الوطني الياباني عندما رست السفن الأميركية المحملة بالسلاح النووي على مياه اليابان في منتصف عقد ستينيات القرن الماضي. يشار إلى أن مجلس أبحاث الحزب الليبرالي الديمقراطي بادر إلى القول إن الكشف عن تفاصيل الاتفاقات الدبلوماسية التي تبرم مع الدول، لا يشكل ضمانة لحماية المصالح الوطنية لدولة ما بالضرورة. غير أن هذا التصريح لا ينفي احتمال اضطرار الحزب لدفع ثمن سياسي لتجاهله نصوص القانون الوطني الياباني في منتصف عقد ستينيات القرن الماضي. كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة«لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©