الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام وضع نظاماً محكماً لضمان أداء العمل على أكمل وجه

الإسلام وضع نظاماً محكماً لضمان أداء العمل على أكمل وجه
21 ابريل 2011 20:31
إذا كنا قد ارتضينا طوعاً واختياراً، بقانون الأخلاق الإسلامي في مجال المهنة وغيرها، منبعاً ومعياراً للأخلاق في كافة الجوانب العامة، فليس مرد ذلك إلى التعصب والهوى، وإنما ارتضيناه لما يحوطه من سمات يصعب - إن لم يستحل- اجتماعها في غيره من المعايير الأخلاقية الأخرى . ومن أهم هذه السمات: أولا - الإلزام الذاتي: إن المواثيق الوضعية في مجال الأخلاق المهنية، تفقد في كثير من حالاتها صفة الإلزام. لأن طاعة القانون خوفاً من العقاب أو رغبة في الجزاء لا يمكن أن تأخذ صفة الإلزام، ولا يتوافر لها عنصر القوة الذي هو ضروري لسيادة هذا القانون واحترامه في جميع الأحوال وتحت كل الظروف، لأجل ذلك ضل الناس في تمسكهم بالمواثيق الأخلاقية المهنية، فرأينا من شيد بنياناً من المهندسين على شفا جرف هار فانقض فوق ساكنيه مخلفاً الجثث والأشلاء، ورأينا المحاسب الذي يختلس مما اؤتمن عليه، ورأينا ملاك الرحمة الذي يتاجر في أعضاء البشر، وجدنا خرقاً بيناً للأخلاق المهنية على شتى الأصعدة والمستويات، مما برهن معه على فشل المقاييس الوضعية المطلقة من كبح جماح الانحراف عند الممتهنين في شتى التخصصات، سواء تقنينات الوضعيين والاجتماعيين، أو العقليين، أو القائلين بأخلاقية بلا إلزام، كما عند الفيلسوف الفرنسي «جويو» الذي ألف كتاباً في هذا المجال. من هنا كانت أهمية فكرة الإلزام التي تعد هي العنصر الأساسي أو المحور الذي تدور حوله المشكلة الأخلاقية ويقصد به «القوة التي لها سلطان على الإنسان وما يصدر عنه من أفعال وبموجبها يمكن الحكم على الأشياء بالخير أو الشر». وإذا كان هذا هو معنى الإلزام فإن انعدامه يقضي على جوهر الحكمة العقلية والعملية التي تهدف الأخلاق إلى تحقيقها. فإذا انعدم الإلزام انعدمت المسؤولية، وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه، وإقامة أسس العدالة. وحينئذ تعم الفوضى ويسود الاضطراب، لا في عالم الواقع فحسب، بل من الناحية القانونية ومن وجهة نظر المبدأ الأخلاقي ذاته، وإذا كانت الأخلاق تؤول في النهاية إلى مجموعة من القواعد، فكيف يتسنى للقاعدة أن تكون قاعدة بدون أن تلزم الأفراد باتباعها. من هنا كانت النظرة إلى «الإلزام» في قانون الأخلاق المهني الإسلامي والعمل على تحقيق ذاتيته، لضمان السير على الطريق القويم، والصراط المستقيم، من خلال توليد الرقابة الذاتية لدى الإنسان. والتي يستشعر من خلالها ضرورة فعل الخير والتمسك بكل ما هو أخلاقي في ظل غياب الرقباء من البشر. ولأجل ترسيخ هذه الرقابة الذاتية في النفس الإنسانية كان حديث القانون الأخلاقي الإسلامي عن مستويات الإلزام الذاتي لدى الإنسان من خلال عدة أمور من أهمها : (1) استشعار الرقابة الإلهية: وذلك من خلال أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك، والرقابة الإلهية بهذه الصورة ميزة لقانون الأخلاق الإسلامي لا وجود لها في أي تشريع بشري، فهذه المراقبة هي القائد والموجه لحركة المؤمن، وهي التي تزكي الإخلاص الداخلي للفرد وتجعل الإنسان ملتزماً بالتوجيهات الأخلاقية الاجتماعية، حتى وإن انفرد بذاته وخلا بنفسه. وهذه المراقبة عادة ما تجد طريقها لدى النفوس السوية معبداً وممهداً، لأنها تنطق بصوت الله وتشريعاته التي لا تصادم فطرة ولا تعمل على قهر غريزة، وإنما تعمل على تنظيم الغرائز وتهذيبها بشكل يحفظ التوازن النفسي ويحقق الاستقرار الاجتماعي على أحسن ما يكون. ومما يجب أن ينتبه المؤمن إليه بل أن يعتقده وهو مذعن أن أي جريمة قد يأتيها خفية دون أن يراه أحد من الناس، وإن لم تأخذ وصف الجريمة في الدنيا فإنها جريمة كاملة الأركان أمام الله سبحانه وتعالى، لأن الشهود يومئذ من داخل الإنسان نفسه بل هي الأعضاء والجوارح التي تسطنق فتنطق بما وقع منها من أفعال. يقول الله عز وجل «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» النور (24) ويقول سبحانه»وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» فصلت (21) ومن ثم ورد عن العلماء ما يعرف بالحكم ديانة والحكم قضاء، إذ قد ينفصلان فيكون الإنسان بريئاً قضاء لعدم توفر أدلة الإدانة ضده، بيد أنه مؤاخذ ديانة طالما هو الفاعل الحقيقي والعكس كذلك صحيح، ومن ثم يوضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله «إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إلىَ ولعل أحدكم يكون ألحق بحجته فأقضى له، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما هي قطعة من جهنم فليأخذها «ومما لاشك فيه أن مراعاة مقتضى هذه المراقبة ذا أثر اجتماعي خطير في حياة الناس. إذ تغلق فراغاً كبيرا تعجز التشريعات البشرية التى لا نصيب لها من التوجيه إلا حسب ما تقتضيه الظواهر. من هذا المنطلق كان للمراقبة دورها الكبير في حماية المجتمع وتقوية أركان الفضيلة في مجال المهنة وغيرها، يقول المولى عز وجل «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» المجادلة (7) (2)العقل المدرك: وهو مستوى اعتبره قانون الأخلاق الإسلامي بجانب الإلزام الذاتي. واعتماد قانون الأخلاق له ضمن مستويات الإلزام يأتي في ضوء وجود مرشد معصوم يهديه إذا ضل ويرده إلى الحق عند الانحراف. ولهذا لابد من ربط العقل بسلطة عليا ينحسم معها الخلاف وينقاد الجميع لها. وهذه السلطة ليست إلا خالق الإنسان العليم بأمره وبما يصلحه ويفسده وهو الله سبحانه وتعالى «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» الملك(14) . وعلى هذا فإن اعتبار العقل كركن من أركان الإلزام يقوم على أساس أن العقل موجه بالشرع، فالشرع هو السلطة العليا التي تحجب عن العقل هواه وترشده حينما يتردد ويحتار، وإذا كان العقل عرضة للخطأ والقصور، فإن هذا يحول بينه وبين إدراك ما هو واجب. في حين نرى الوحي المعصوم مبرأ من ذلك كله لأنه تنزيل العليم الخبير. وذلك الوحي يتمثل في «القرآن الكريم والسنة الصحيحة وما يتفرع عنهما من أصول تشريعية أخرى، ولا يعني هذا وجود ازدواجية تناقضية في مصدر الإلزام الخلقي بين الوحي الإلهي والعقل المدرك، فالوحي هو المصدر وهو الحاكم أولاً وقبل كل شيء ولا تكون أوامر الوحي وأحكامه ملزمة بل وتدرك معانيها الخلقية إلا من خلال العقل المفطور على معرفة الله تعالى وعلى الإيمان به . 3-الضمير : وقد اعتبره قانون الأخلاق الإسلامي أحد مستويات الإلزام فيه، ويقصد به هنا الضمير الموجه والمستنير بفضل تعاليم الكتاب والسنة التي حددت له الواجبات ووضحت له المحرمات بصورة تدفعه لفعل الواجب واجتناب المحرم، ووضعت له مقاييس ثابتة وأحكاما محددة في قضايا الأخلاق وصنوف المعاملات. والإسلام عندما اعتبر الضمير مستوى من مستويات الإلزام في قانونه الأخلاقي لم يعتبره مستوى مناقضاً له، بل عده مع العقل المدرك مستويين لمصدر واحد. ويؤكد الإسلام على عدم التناقض بين مستويات الإلزام فيه حين يحيل المرء إلى «قلبه وضميره فيما يدع ويقرر من أفعال، إيماناً منه بأن العقل السليم والضمير الحي والقلب اليقظ لن يصدر منه إلا ما يتفق مع ما يأمر به قانون الأخلاق في الإسلام». وقد أكد الإسلام ذلك من خلال: أن غريزة معرفة الخير والشر مغروسة في طوايا النفس الإنسانية منذ تكونها، يقول تعالى «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» الشمس(7،8). والبصيرة الأخلاقية فهي ملكة أصيلة مستقرة في صميم الإنسان وفى بنائه الباطني «بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ» القيامة (14،15). ثم إن الله سبحانه وتعالى هدى الإنسان إلى طريق الفضيلة ليأتيها، وإلى طريق الرذيلة ليتقيها يقول تعالى «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» (البلد 10). كما أن الله سبحانه وهب الإنسان قدرة على ضبط سلوكه، والتحكم في اتجاهاته الأخلاقية، فيقاوم نوازع الشر في نفسه عن طريق دوافع الخير فيها، يقول تعالى «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» النازعات (40،41). (ثانيا) تعدد الرقابة: وهذه سمة تميز قانون الأخلاق في الإسلام. حيث توجد أنواع ثلاثة من الرقابة على الأعمال سواء كانت عامة أو مهنية هي: الرقابة الذاتية: والتي تحدثنا عنها في «الإلزام الذاتي» وعرفنا أنها تقوم على استحضار معية الله سبحانه وتعالى، وعلى تحكيم «الضمير والعقل» في ضوء مرجعية معصومة، وفي ضوء ضوابط الشرع. وأساس هذه الرقابة الإيمان بالله تعالى واستحضار اليوم الآخر، ولاشك أن في ذلك ضمانة قوية لسلامة السلوك الاجتماعي وشرعية النشاط الاقتصادي. والرقابة القانونية: وهي رقابة السلطة سواء كانت الأجهزة الرقابية أو الرقابة من أهل المهنة نفسها وهو ما يسمى «بالحسبة». وقد نشأت الحسبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتولاها صلى الله عليه وسلم بنفسه، واتبعها بعده الخلفاء، ثم صارت ولاية من ولايات الإسلام ونظاماً من أنظمة الحكم التي جرى عليها الولاة والحكام. أي أنها كانت موجودة بجوار ولاية القضاء وولاية المظالم. والرقابة الشعبية: وهي الرقابة التي يمثلها عامة الناس، وهذا النوع هو المقصود من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد نظر الإمام الغزالي إلى هذا النوع من الرقابة على أنه «القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين» ومن ثم كان التأكيد على دور هذا النوع من أنواع الرقابة الذي يؤدي إلى إصلاح المجتمعات، وسلامة المعاملات من خلال وصف مجتمع الإيمان في قول الله تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» التوبة(71). وجعل قيام الأمة بهذا الدور الرقابي سببا في خيراتها «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ» آل عمران (110) وجعل الاهمال في هذا الدور الرقابي والتفريط فيه سبباً للعن على لسان الأنبياء والمرسلين، وذلك نظراً لما يترتب على ذلك من فساد أخلاقي واجتماعي عند الأمم المقصرة «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ» المائدة (87، 79). وبجانب الآيات القرآنية نجد السنة النبوية قد جاءت محفزة على تفعيل هذا الدور الشعبي الرقابي ليسلم المجتمع وتصح الأمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». وعلى نفس الدرب سار الخلفاء الراشدون في التأكيد على دور الرقابة الشعبية في حياة الأمة، يقول أبو بكر الصديق رضى الله عنه أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» المائدة (105). واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأو ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه» وبهذا التعدد في الأدوار الرقابية في قانون الأخلاق الإسلامي ابتداء بالذات، ووصولاً إلى رقابة الأمة كلها على نفسها، يهدف الإسلام إلى مقاومة الانحراف في المجتمع عامة وفى مجال المهنة خاصة لتتكون مثالية الواقع في المجتمع الإسلامي. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©