لا تغضب

جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم، (أوصني قال: لا تغضب· فردد مرارا: لا تغضب) رواه البخاري· يتضمن هذا الحديث عددا كبيرا من اللآلئ المحمدية، التي إن عمل بها المسلم فاز في الدنيا والآخرة، يوضحها الدكتور السيد محمد نوح في كتابه ''توجيهات نبوية على الطريق'' قائلا إنها دعوة إلى عدم الغضب· وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''من كتم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين، يزوجه منها ما شاء''·· أخرجه أبو داود في السنن· ويلفت هذا الحديث النظر إلى مقدار الأجر والثواب الذي يظفر به في الآخرة من ينتصر على نفسه، ويكتم غيظه· ويوضح أن الغضب يجمع الشر كله· لأن الغضب هو ثوران دم القلب· وإرادة الانتقام· وفي حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم· ألم تروا إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه)· ولأن الإنسان إذا غضب لا يبالي بما يرتكب من الحماقات والمخالفات والمنكرات ولهذا كان البطل الحقيقي كما عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (من يملك نفسه عند الغضب)· فلقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه البخارى ومسلم وغيرهما، وفي رواية أخرى رواها ابن حبان في صحيحه مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد من غلب الناس وإنما الشديد من غلب نفسه)· ويوضح معنى هذا الحديث الدكتور عبد الباسط أحمد علي حمودة في كتابه'' الإعجاز فى البيان النبوي'' فيقول: المؤمن الحق هو الذي يغلب نفسه أي يقهرها ويكسر شهوتها عند الانتقام وتنفيذ الغضب ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشجع الانتصار على النفس والتغلب عليها فعن ابن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه وستر عليه برحمته وأدخله في محبته: من أعطي شكر وإذا قدر غفر وإذا غضب فتر) رواه الحاكم من رواية عمر بن راشد وقال: صحيح الإسناد والمقصود بالفتر أي انكسرت حدته وأمسك نفسه· وفى إطار تفسير هذه الأحاديث يقول الشيخ طه عبد الله العفيفي في كتابه ''من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم'' إن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كان أعظم خلق الله أجمعين مثلا أعلى لأصحابه ولأمته إلى قيام الساعة في الحلم والرفق والأناة ولقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ''ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى''· رواه البخارى ومسلم· وعن أبي وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد بن عطية السعدي فكلمه رجل فأغضبه· فقام فتوضأ، فقال حدثني أبي عن جدي عطية رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من نار وإنما تطفئ النار الماء· فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)· رواه أبوداود· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة