الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشاكل المديونية.. ونموذج الحل الفعال

مشاكل المديونية.. ونموذج الحل الفعال
30 ابريل 2014 01:29
محمد العريان رئيس «المجلس الأميركي للتنمية العالمية» في وقت ليس ببعيد، اتفقت آراء خبراء الاقتصاد على أن الدول لا يمكنها أن تتعافى بشكل تام من أزماتها المالية ما لم تتمكن من حل مشكلتي «الموجودات الاحتياطية» و«التدفق المالي»، بمعنى أن عليها أن تضمن تدفق الأموال لتغطية احتياجاتها العاجلة، وتكتشف طريقة مناسبة لإدارة ديونها المؤجلة وفق جدول زمني مناسب. ويبدو أن هذه النصيحة التقليدية بدأت تفقد مفعولها في أوروبا. وبات الأوروبيون يكتفون الآن بإعلان انتصارهم على الأزمة لمجرّد أنهم تمكنوا من حلّ مشكلة السيولة وحدها، بالرغم من أنهم لم يتمكنوا من حل مشكلة المديونية. وهذا التلازم البديهي للعلاقة بين «التدفق المالي» و«المديونية» هو أمر دقيق ومهم للغاية. وقبل كل شيء، يتحتم على الدولة التي تحاول التغلب على أزمتها المالية أن تخلق ما يكفي من المصادر والمداخيل لمواجهة احتياجاتها المالية العاجلة، وأن تفعل ذلك بالطريقة التي تضمن عدم إضعاف قدراتها التنموية. وحالما تتمكن من ذلك، يتعين عليها أن تعيد جدولة التزاماتها بدفع المستحقات المالية طويلة الأجل بطريقة تنسجم مع كل من قدراتها ورغبتها في الدفع. وما لم تقم الدولة بفعل الأمرين معاً، فإن المشاركة الإنتاجية لسكانها وشركاتها المحلية ستكون مؤقتة وغير كافية لتحقيق الإصلاحات الصحيحة والمستدامة، ويكون من الصعب عليها أن تجتذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ذات المدى الطويل والتي تكتسي أهمية كبرى في تفعيل النمو وزيادة مناصب العمل وتحقيق الرخاء. وهذه الحاجة لتحقيق مقاربة شاملة بين المديونية والتدفق المالي كانت بالغة الوضوح خلال أزمة الديون والإقراض في أميركا اللاتينية. فبعد أن تمكنت بعض الدول التي عانت من الأزمات من تأمين مصادر التمويل الإنقاذية الكافية وأطلقت إصلاحاتها الاقتصادية الجادة، خصصت جهوداً كبرى لإعادة النظر في شروط استحقاقات ديونها، وعمدت إلى جدولة التركيبة النقدية لتلك الديون بشكل أفضل، ولعل الأهم من كل ذلك هو أنها نجحت في التخفيف من الشروط القانونية لالتزاماتها التعاقدية. وكانت هذه الجهود ذات تأثير إيجابي في مجال إعادة دمج القطاع الخاص الوطني في صلب العملية الإنتاجية واجتذاب استثمارات أجنبية معتبرة. وبذلت بعض الدول الثانوية في منطقة «اليورو»، ومنها اليونان والبرتغال، الكثير من الجهود لمواجهة التحديات المتعلقة بالتدفق المالي خلال السنوات القليلة الماضية. وحققت أيضاً بعض النجاح في مجال الاهتمام بتحديات المديونية، ولا يزال هناك الشيء القليل مما ينبغي عليها أن تفعله حتى تكتمل المهمة. دعونا ننظر إلى اليونان كمثال. فقد نجحت المحاولات العسيرة والجهود الشاقة التي استغرقت بضع سنوات، في التخفيف من أعباء العجز المالي، واستبعاد الإجراءات غير الفعّالة لحل المشاكل الاقتصادية، وتحسين الوضعية المالية المحلية بشكل عام. وكان هذا النجاح كافياً لأن يطلق رئيس الوزراء «أنطونيس ساماراس» مقولته الواثقة خلال مقابلة أجريت معه حيث قال: «لم تعد لدينا فجوة مالية، ولم يعد لدينا عجز في التمويل».وبعد أن استكملت اليونان عملية إعادة النظر في شروط دفع خدمات ديونها، بدأت أيضاً في مواجهة التحديات المتعلقة بالموجودات الاحتياطية المالية. إلا أن الالتزامات المتعلقة بديونها السيادية ما زالت تُقدّر بنحو 180 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهو من دون شك يمثل معدّلاً عالياً جداً بالنسبة لدولة تبحث عن نمو سريع، وتحاول تخفيض معدل البطالة الذي بلغ 26 في المئة عند البالغين وأكثر من 50 في المئة في أوساط الشبّان. ولا يوجد بين أصدقاء اليونان الإقليميين أو المؤسسات متعددة الأطراف (كالمفوضية الأوروبية أو البنك المركزي الأوروبي، أو صندوق النقد الدولي أو ألمانيا)، من تستحثّه الرغبـة الكافيـة لحل مشكلـة الاحتياطي المالي الذي تعاني منه، وخاصة لأن بعض القروض الممنوحة لها تندرج في إطار «الهِبات» أو «المنح». ولا شك أن اليونان تمكنت من تجنّب كارثة اقتصادية واجتماعية كان من المتوقع أن تكون آثارها وتداعياتها أكبر بكثير مما حدث بالفعل. وتم لها ذلك بفضل عزمها وإصرارها على اعتماد خطة إنقاذ جريئة هائلة. وقد يكون من المنصف هنا عدم الإشارة إلى موقف حملة الأسهم اليونانيين الذين عارضوا فكرة الاقتراض منذ بداية الأزمة. وهم الذين اقترحوا أن تتحول كل القروض من دون استثناء إلى هِبات. وعند هؤلاء بعض الحق، لأن المقرضين الجدد أو المستقبليين سيشعرون بالأمان أكثر لو تم إلغاء جزء من قروض اليونان القديمة أو تحولت إلى هبات غير مستردة. ولكن، مع حلّ المشاكل اليونانية المتعلقة بالتدفق المالي الفوري، ومع التزام البنوك المركزية العالمية بمعدلات فائدة أقل، فإن اليونانيين يستحقون الشكر لتمكنهم من الاستثمار في السندات الوطنية قصيرة الأجل. وبعد أن أوحت هذه المبادرات بضمان اليونان لحقوق كل الأطراف، تبقى ضرورة الإشارة إلى أن الارتباك والتشوّش لا يمكنهما بأي حال من الأحوال أن يحلا مشكلة حاجة اليونان إلى عدة سنوات مقبلة من معدلات النمو العالية من أجل التخفيف من أعباء ديونها. ولا غرابة في أن يصرّ «ساماراس» على شركاء اليونان الأوروبيين في منطقة اليورو على أن «يحتفظوا بحصتهم من الصفقة» التي أُبرمت عام 2012، وأن يقدموا لبلده المزيد من التسهيلات المتعلقة بالمديونية حالما تتعافى الميزانية العامة وتدخل في مرحلة فائض الموجودات المالية. وينبغي عليه أن يفعل الكثير الآن لإقناع القادة الأوروبيين والأسواق بالمساهمة في هذا العمل وخاصة بعد أن فقد الجميع الشعور بأن القضية تتطلب التدخل السريع. وهم الذين ينتظرون منه أن يفعل الكثير والكثير على المستوى الداخلي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©