الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تغيير المجتمع بين الفكر والواقع

22 نوفمبر 2009 23:51
كيف يمكن للمثقف والسياسي الأصولي بمختلف أشكاله وصوره المتناحرة والمتناقضة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين (والذي يؤمن إيماناً راسخاً بحتمياته ورواسخه الدينية أو القومية أو الماركسية) أن يتحدث عن الحريات والحقوق الفردية، ويطالب بتأسيس دولة القانون والمؤسسات، وهو لا يزال يعيش داخل دهاليز نضالاته الوهمية التي لا يفهمها إلا بلغته وأدواته القديمة البالية؟!. ثم كيف يمكننا تصديق أقوال الداعية الأصولي الذي حمل السلاح في وجه أبناء المجتمع، ومارس الإقصاء الدموي ضد خيرة أبناء المجتمع، ومسؤوليه عن الديمقراطية، رافضاً حق جميع القوى والتيارات في تداول السلطة والحكم، و...الخ؟!. وهو نفسه أقام وجوده الفكري والعملي على المنطلقات التاريخية والعقائدية المقدسة التي تنفي –بمعظمها- الآخر من جذوره، وتستبعده كلياً من ساحة الحياة إلى حفرة القبر. إنهما مشهدان يختصران مواقع الثقافة والسياسة في عالمنا العربي، ويقدمان صورة حية عن أيديولوجية الدمار والموت التي تتستر بالعقائد لتبرير عنفها ودمويتها وشغفها الأعمى للتعصب والقتل. ومن هنا ينبغي على هؤلاء جميعاً أن يقفوا أمام مجتمعاتهم كلها ليقروا ويعترفوا اعتراف المخطئ بكل الأعمال الظالمة والممارسات الشنيعة التي ارتكبوها بحق المجتمع والناس المستضعفين. ومن ثم يطلبون الصفح والعفو الصريح والحقيقي من الشعوب التي عانت (ولا تزال تعاني) نتائج عقم وسوء الاستراتيجيات وجملة الخيارات السياسية والتنموية والاقتصادية التي تبنتها ومارستها تلك النخب السياسية والفكرية. نحن عندما نتطلع إلى ضرورة أن يتقدم هؤلاء لطلب الغفران من الشعب، فإن ذلك لابد وأن يكون مبنياً على قواعد ومنظومات عمل جديدة في العمل السياسي والثقافي، تضمن عدم تكرار مثل تلك الممارسات والسياسات الخاطئة؛ وهو مالا نعتقد باستحالة حدوثه. يبدو أن هذا التخلف الفكري والأيديولوجي المقيم عندنا، هو ما يملي عليهم نقصاً حاداً في الوعي تجاه مفهوم السلطة والحكم والحرية، وأساليب ممارسة الفكرة في الواقع؛ إذ لا يزالون يؤمنون بأن عملية التغيير والتطوير ستنطلق من فورها بقدرة قادر أو بسحر ساحر؛ أي بمجرد أن نصرح عن تلك القيم، أو نصدر صحيفة هنا، ونكتب مقالاً نقدياً هناك. ولذا نعتقد بأن مشوار التغيير الحقيقي في مجتمعاتنا المتخلفة لا يزال طويلاً وهو لا يعني أن مجيء تيار ما إلى السلطة، يحمل أفكاراً معينة هو الحل، بل إنه يعني أن مجيء بنية جديدة ونظام جديد وتصور جديد لمفهوم بنية الحكم والسلطة هو المنقذ لأشكال التأخر التي نعيشها. وعليه نعتقد، أن الأمر الذي يمكن أن يُحدث تلك التغييرات الكمية والنوعية المطلوبة في طبيعة السلطة التي نبحث عنها، هو تقديم رؤى وأفكار جديدة لمفهوم السلطة والحكم، تتناول -في الأساس، وقبل أي شيء- شرعية السلطة، وامتدادها الاجتماعي، ورضا الناس الطوعي الحقيقي عنها. ولتحقيق ذلك عليهم: أولاً: عدم ممارسة دور الوصاية الأبوية على معارفهم، والتخلي عن حراسة أفكارهم ومقولاتهم العاجزة عن مواجهة الواقع والتطورات السريعة والمتلاحقة فيه. وثانياً: المصالحة الحقيقية العقلانية مع الذات بنقدها وتعرية نقائصها وسلبياتها. وثالثاً: الانكباب على إحداث التغييرات النوعية انطلاقاً من الواقع، وليس انطلاقاً من الأفكار المسبقة المعلبة والمتخشبة العاجزة عن قراءة ذاتها قبل قراءة الآخرين. وعندما نبدأ جميعاً –كمثقفين وسياسيين- بالتحرك على طريق الإصلاح والتجديد الفكري والعقلي والديني، يمكن أن نصدق أفكارنا، ونصدق بعضنا بعضا.. بعيداً عن النفاقية والتكاذب والتكاذب المضاد. كاتب وباحث سوري ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©