الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوكرانيا وماراثون إنفلونزا الخنازير

22 نوفمبر 2009 23:48
في إحدى الليالي التي بلغ فيها الخوف مما يسمى بإنفلونزا كاليفورنيا الحناجر -خاصة وأن محطات البث الإخباري لم تتوقف على مدار الساعة عن رصد ارتفاع معدلات الوفيات الناجمة عما تنبأ به الساسة من آثار كارثية لذلك الالتهاب الرئوي المحير- كان رئيس الوزراء الأوكراني قد سارع بنفسه للوصول إلى المطار لاستقبال شحنة من عقار "تاميفلو" كانت قد وصلت للتو، وكأنها شخصية أجنبية مرموقة؛ أما الرئيس الأوكراني الذي يكن عداءً سافراً لرئيس وزرائه، فلم يفت عليه إرسال أحد كبار مستشاريه لاستقبال الشحنة ذاتها هو الآخر. وفي بيلاروسيا المجاورة اتخذت السلطات الحكومية منحى آخر باتهامها لشركات الأدوية والعقاقير الطبية بإثارة حالة هستيرية من إنفلونزا الخنازير بهدف مضاعفة مبيعاتها وأرباحها؛ وفي بولندا فيتعرض وزير الصحة لحملة انتقادات حادة بسبب رفضه توفير المصل الوقائي من الوباء، في حين يرفض الأطباء المجريون تنفيذ التعليمات التي تحثهم على حقن المواطنين بالمصل المضاد للوباء. في الوقت ذاته تواجه سلطات تركمانستان اتهامات بالتستر على الوباء في وقت امتلأت فيه عنابر المستشفيات بالمرضى، ولم يعد هناك مجال لاستقبال حالات جديدة من المصابين في تلك العنابر. ومع ارتفاع حالات الإصابة بوباء H1N1 في بدايات فصل الشتاء، تبدو دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أكثر عرضة للوباء القاتل مقارنة بغيرها من الدول؛ فبسبب ضعف النظم الصحية لهذه البلدان، ونقص خبرة المؤسسات الصحفية الإعلامية، إضافة إلى ضعف واهتزاز الحكومات الوطنية التي لا تحظى بثقة المواطنين فيها، تبدو ظروف المنطقة في الوقت الحالي ملائمة جداً لحدوث اضطرابات سياسية فيها بسبب الوباء. وقد بدت مظاهر هذا الاضطراب السياسي واضحة سلفاً في جمهورية أوكرانيا، التي يعاني نحو 1.5 مليون مواطن من مواطنيها البالغ تعدادهم 46 مليون نسمة من أعراض لها صلة بوباء إنفلونزا الخنازير، إضافة لانتشار أمراض الجهاز التنفسي منذ بدء انتشار الوباء، توفي منهم حتى الآن 356 وفقاً للتقارير الحكومية الرسمية. وتشكك منظمة الصحة العالمية في أن تكون معظم هذه الحالات إصابات مؤكدة بأعراض الوباء، ما يجعل أوكرانيا الدولة الأشد تأثراً بالوباء في القارة الأوروبية كلها، إذا ما أضفنا إليها كلاً من روسيا وبلغاريا وملدوفيا وبولندا. والأكثر إثارة للقلق من تلك الأرقام والإحصاءات، موجة الذعر التي أثارها الفيروس في أوكرانيا وشدة تأثيره على المشهد السياسي فيها. فخلال الأسابيع التي تبعت إعلان رئيسة الوزراء "يوليا توميشينكو" عن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع انتشار الفيروس -شملت فيما شملت إغلاق المدارس ومنع التجمعات العامة- تدافع المواطنون نحو المستشفيات والصيدليات لشراء كميات كبيرة من الأدوية والأقنعة الصحية الواقية إضافة إلى شراء العلاجات الوقائية المنزلية مثل الليمون والثوم...إلى آخره؛ وفي ذات الوقت راجت بين المواطنين شائعات تقول إن حالات الوفيات تزداد في مختلف أنحاء البلاد بسبب تزايد الإصابة بنوع جديد وأشد فتكاً من فيروز H1N1. هذا وقد وصف الطبيب النفسي "سيمون جلوزمان" -من مواطني العاصمة كييف- ردة فعل المواطنين وخوفهم من الوباء بأنها عقلانية في سعيهم لإنقاذ أنفسهم وحمايتها اعتماداً على مواردهم الذاتية، في ظل وجود نظام صحي منهار، وحكومة فاسدة لا يرجى منها؛ ومضى الطبيب المتحدث إلى القول إن آمال الأوكرانيين قد تصاعدت كثيراً على إثر المظاهرات الشعبية التي عرفت حينها بـ"ثورة البرتقال"، بيد أن استمرار الصراعات الداخلية بين مسؤولي الدولة طوال السنوات الخمس الماضية التي أعقبت الثورة الشعبية، أفقدت المواطنين ثقتهم في القادة والمؤسسات السياسية التي يديرونها؛ وعليه فإن ما نراه لا يعدو عن كونه ردة فعل نفسية طبيعية لعجز الدولة ومؤسساتها عن حمايتهم. فالناس خائفون ولم يعودوا يثقون بأي كان من المسؤولين الحكوميين. وفي الوقت الذي كرست فيه وسائل الإعلام الوطنية برامجها لتغطية انتشار الوباء، وكيفية الوقاية منه على مدار الساعة -مع ملاحظة أن هذه المؤسسات حظيت بقدر أكبر من الحريات بعد ثورة البرتقال- يلاحظ تهافت الساسة وتدافعهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية قبل حلول شهر يناير المقبل الذي تجرى فيه الانتخابات الرئاسية؛ وخلال ذلك التدافع لا يكف كل واحد عن اتهام الآخر بمحاولة استغلال الأزمة الصحية لتحقيق مكاسب سياسية لشخصه أو حزبه؛ وبالنتيجة تعطل جهاز الدولة وأصبح عاجزاً عن تقديم العون الصحي اللازم للمواطنين.فعلى سبيل المثال يتهم الرئيس "فيكتور يوشنكو" -الذي تراجعت شعبيته وفرصه في الفوز بالسباق الرئاسي- رئيسة وزرائه بالتقصير في الاستعداد لمواجهة خطر الوباء، ويستدل على هذا التقصير بالقول إن المركز الوطني لمكافحة الإنفلونزا لا يوجد به سوى موظف واحد، بينما يواجه جميع الأطباء خطر انتشار العدوى بينهم، ما ساعد الوباء نفسه على تطوير عينة أشد فتكاً؛ هذا ويدفع مستشارو الرئيس بفكرة تأجيل عقد الانتخابات المقبلة بسبب الوباء. ومن جانبها دافعت رئيسة الوزراء عن نفسها -مع العلم أنها كانت حليفة ليوشنكو أيام ثورة البرتقال- بانتقادها له قائلة إنه منع صرف مبلغ 125 مليون دولار، عبارة عن ميزانية طارئة مقترحة لمواجهة الفيروس، لتحمله بذلك مباشرة مسؤولية إصابة أو وفاة أي مواطن جراء الوباء. وكلما اقترب موعد السباق الرئاسي، كلما ازدادت الصراعات بين المسؤولين الحكوميين وتبادلهم لأدوار اللوم فيما بينهم، بينما يستمر موسم الشتاء وتتصاعد الإصابات بالفيروس ويقع المزيد من الضحايا بينهم. فيليب بي. بان كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©