الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناموا وغامروا.. ثم تزوجوا

ناموا وغامروا.. ثم تزوجوا
22 نوفمبر 2009 23:44
نصيحة لوجه الله، لا تدخلي عش الزوجية إلا بعد أن تنامي ملء جفونك، أي النوم الذي تصحين من بعده لا تعرفين من أنت ولا تعرفين إن كنت فعلاً مستيقظة وتعيشين على هذا الكوكب أم أنك متوفاة وتنتظرين في البرزخ. ونصيحة لوجه الله، لا تبن ذلك العش إلا بعد أن تقضي على جميع ديدان السفر التي تتحرك في بطنك، وبعد أن تخوض كل المغامرات المعقولة أو المجنونة، وبعد أن تقول كلمتك في وجه كل من تخشاه، وبعد أن تعيش حياتك طولاً وعرضاً. ففي اللحظة التي يدخل الزوج على زوجته أو هي تدخل عليه وتباغته، فإنهما يقضيان على أحلى مراحل العمر، مرحلة الحرية، فهو حر، بالحاء وليس بالخاء التي تعني في بعض اللغات «حمار»، وهي حرة مثله، بالحاء طبعاً. ففي هذه اللحظة يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وبعد هذه اللحظة بأشهر تحبل الزوجة ويطير الزوج من الفرحة. ويظل الزوج طائراً لكن زوجته تشعر بالحمل الثقيل الذي تكوّن في بطنها، فعدا عن ركلاته الموجعة آناء الليل وأطراف النهار، فإنه يحرم أمه من النوم على بطنها، وعلى ظهرها، وعلى جنبها، لأنه يتشقلب كثيراً، ويختار دائماً وقت النوم لممارسة حركاته البهلوانية. وبعد تسعة أشهر من تلك اللحظة بالضبط، يثمر تواصلهما عن آدمي، وتنتقل مسؤولية المرأة من المحافظة على طول شعرها والعناية بأظافرها، ومسؤولية الرجل من الاهتمام بلمعان إطارات سيارته وتشذيب شاربه، إلى العناية بذلك الكائن الضعيف الذي يحتاج إلى عناية فائقة. وكلما مضى يوم قال الزوج لزوجته مشجعاً: مضى الكثير وبقي القليل. لكنه والله يكذب، لأن الطفل يستيقظ مليون مرة في الليلة الواحدة في السنتين الأوليين، وبين سن الثالثة والثامنة يبول مئة ألف مرة في الليلة، وبين التاسعة إلى الثامنة عشرة يحرق أعصاب الأم ليلاً وهي تتذكر المصائب التي ارتكبها، ثم تحلم بمصائب الغد. وبين التاسعة عشرة إلى أن يتزوج لن يهنأ لها نوم لأنها لا تدري أين يسهر ومع من. وبعد زواجه ستأكل الأم نفسها وهي تفكر في مسار علاقته الزوجية، ثم في أولادهما وطريقة تربيتهم. وهكذا يطرد الولد النوم من عيني الأم منذ أن يتكوّن في الرحم إلى أن يتحلل في التراب، ولو ذهب في حال سبيله قبلها، فإنها ستظل تبكيه إلى أن تلحق به. والأمر نفسه بشأن الزوج، فكيف يسافر أو يغامر أو يقول كلمة الحق التي قد ترميه خلف الشمس وهو مسؤول عن طفل صغير، ثم عن طفل مشاغب، ثم عن مراهق كثير المتاعب، ثم عن شاب طائش، ثم عن رجل لا يعرف كيف يعتني بأطفاله. وهكذا يعيش الأب لابنه إلى أن يأتي أجل أحدهما، فإن كان الأب هو البادئ في الرحيل، فسيحاسب حساباً عسيراً في تلك الحفرة عن أفعال الولد الذي تركه فوق الأرض، وإن ذهب الولد أولاً، فإن الأب سيتقلب بقية عمره على فراش الحسرة. بالطبع هذا الكلام موجه للزوج والزوجة الأبوين، أما الزوج والزوجة المُنجبين، أي اللذين أنجبا طفلاً وتركاه يرعى في غرفة الخادمة وفي أحضانها، وتحت نظر وعناية السائق، فلا بأس عليهما، ويمكنهما مواصلة حياتهما كأن طفلاً لم يولد. وهو بالطبع سيعاملهما في شيخوختهما كأنهما لم ينجباه، وكلما رفع يديه للدعاء: «ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً»، تذكّر الخادمة إيفيلين والسائق محيي الدين. هذه نصائح ثمينة كنت أتمنى أن يسديها لي أحدهم قبل أن أتزوج، لكن للأسف، الكل شجعني على الزواج وزيّنه في عيني، وربما كان هذا انتقام المتزوجين من العزّاب، فهم لا يقولون الحقيقة ثم يجلسون بعد ذلك يضحكون من الحر (بالخاء) الذي انضم إليهم. لأنك رجل متعلم أنت رجل متعلم يا (صلاح).. تقرأ كثيراً وتضع عوينات سميكة، ولا يراك أحد إلا ممسكاً بكتاب سميك عن (إرهاصات ما بعد الحداثة في أدب جويس). يعرف أهل قريتك أنك ظهرت في التلفزيون مرتين، وكان المذيع يكلمك باحترام. في شارعك يعرفون أنك رجل متعلم وأنك حاصل على درجة الدكتوراه في شيء ما. يقول الناس إن عقلك كبير، لهذا دقت تلك السيدة بابك ذلك المساء لتسألك في احترام: ـ»لي أخوان..واحد ليس من ذات الأم، وهناك بيت توفي أبي وتركه لنا، لكنه أوصى بربع البيت لأخ ثالث ليس من نفس الأم، والأخ باع الجزء لأخي من الأم .. كيف يتم تقسيم هذا الميراث باعتبارك رجلاً مثقفاً»؟ طبعًا لم تفهم شيئاً لذا أوصيتها بأن تسأل خبيراً في الميراث الشرعي أو مفتياً. لكنك لم تسترح لنظرة خيبة الأمل في عينها وهي ترحل. في العاشرة مساء تدق بابك تلك الجارة ومعها طفلتها التي تحولت إلى ثمرة شليك (فراولة)، وحرارتها تصلح لإنضاج اللحم. تسألك في جزع عما إذا كانت هذه الحمى القرمزية أم الحصبة.. تقول لها في ذعر أن عليها أن تطلب رأي طبيب.. ـ «حسبتك سوف تعرف.. فأنت رجل متعلم ومثقف». إنها تتناسى أو تنسى أن الدكتوراه التي حصلت عليها أنت، كانت في علم (معاني الألفاظ) وليس في أمراض الأطفال. تغلق الباب لتكتشف أن صنبور الحمام ينزف الماء بلا انقطاع.. تطلب منك زوجتك أن تستبدل (جلدة) الصنبور، لكنك لم تفعل هذا قط ومن المستحيل أن تفعله الآن.. تسألك زوجتك في شك: ـ «أنت رجل متعلم وبرغم هذا لا تجيد تغيير جلدة الصنبور»؟ هذا صحيح.. لم يعلموك هذا في كلية الآداب. إنهم مهملون فعلاً. عندما تزور قريتك يلتف حولك الفلاحون في احترام وإجلال، ويسألونك عن أفضل طريقة لتسميد الذرة، وعن طريقة مكافحة داء صدأ القمح، ويأخذك أحدهم للحقل ليقول لك في حزن: ـ «هل ترى»؟ تنظر إلى الأرز الذي نما وصار في أفضل حال، فتتساءل عن المشكلة.. الأرز في حال ممتازة.. ـ»لكن هذا ليس أرزاً يا دكتور بل هو كرنب.. بما أنك متعلم فقد حسبتك تعرف أنواع المحاصيل.. الكرنب لا ينمو كما ينبغي».. تطلب منه استشارة مهندس زراعي فتبدو عليه خيبة الأمل.. ليكن.. هنا يأخذك أحدهم ليعرض عليك مشكلته في تقسيم الأرض، فالحوض البحري يتداخل مع الطريق الإسفلتي، ولا يمكن حساب مساحة الأرض إلا بطرح هذا الشريط، بينما الجزء القبلي ترتفع به نسبة الأملاح فما رأيك؟.. طبعاً يصاب بذهول عندما يدرك أنك لا تفهم أي شيء على الإطلاق، ولسان حاله يقول: ما الذي يعلمونه لهم في المدارس إذن؟ عندما تعود للمدينة وتدير محرك سيارتك تجد أنه لا يدور.. تجلب الميكانيكي فيفحص السيارة ثم يأخذ رأيك: ـ «هل ترى أن نقوم بتنظيف التاكيهات أم نقوم باستبدال بيك السيلنسيه»؟ ـ «يا أخي القرار لك.. لو كنت أعرف لفعلت بنفسي ولما طلبتك». ـ «أنت رجل مثقف ومتعلم لهذا أستأنس برأيك.. أنا حرفي جاهل يعتمد على حدسه لا على العلم». ـ «قم بتنظيف التاكيهات».. ـ «هذه مشكلة.. إن بيك السيلنسيه في حال سيئة.. كنت أحسبك ستطلب استبداله». يزداد الأمر سوءًا عندما يطلب موظف مخضرم رأيك في مشكلة إدارية: ـ «المادة 76 من قانون العاملين تحتم وجود لجنة من أعضاء مجلس الإدارة للبت في التظلمات قبل نهاية السنة المالية، بينما تتعارض معها المادة 81 التي تمنع ذلك.. لو إنني تمسكت بالمادة 81 سوف يكون بوسعي رفع قضية مضمونة الفوز على الوزير شخصياً، لكن هل تضمن لي ألا يستغل المادة 117 التي تمنحه صلاحية البت في قرارات اللجان»؟ ـ «لا أدري».. ـ «هذا غريب. حسبت أنك ستفيدني بما أنك رجل مثقف».. في النهاية تدرك أنك رجل مثقف، لكن ما تعرفه لا يهم أحداً على الإطلاق، ولا يصلح البتة لممارسة الحياة شديدة التعقيد. أنت كخبير مفاعلات نووية في مصنع عطور.. علمك لا قيمة له هنا ولا أحد يريده.. تصاب باكتئاب شديد، حتى عندما يقصدك هذا الشاب ليسألك عن شيء، فتقول له في حدة: ـ «لا أعرف .. لا أملك أية خبرة تسمح لي بالإجابة عن هذا السؤال».. هنا يقول الشاب في حيرة وهو يجمع أوراقه وينصرف: ـ «كنت أريد سؤالك عن إرهاصات ما بعد الحداثة في أدب جويس. غريب هذا.. حسبت أن الإجابة عندك يا سيدي بما أنك رجل مثقف»!. وافـلافـلاه..!! إنها معركة إذا، معركة فرضت علينا ولم نشتهيها ولم نطلبها. وافلافلاه..... الغرباء يسرقون الفلافل عينك عينك. ولم يتبق عليهم سوى سرقة الملوخية المصرية والكبسة الخليجية، والمطازيز الكويتية، والمسخن الفلسطيني، لكنهم لن يستطيعوا بالتأكيد سرقة المنسف الأردني، لأنهم يؤمنون بمقولة فرعونية قديمة تقول انه من الموبقات ان تسلق الخروف بلبن أمه... هكذا سوف يبقون لنا المنسف، الا اذا افتى العلمانيون لديهم بعكس ذلك. أما الفلافل – لمن لم يعرفها- فهي اقراص مقلية من الفول المعجون أو الحمص، أو من كليهما، تستعمل في تصنيع الساندويشات، وهي لحوم الفقراء، لما فيها من مكونات غذائية لوجبة متكاملة، ويمكن الحصول عليها مقابل قروش قليلة. القصة وما فيها أنَّ معركة فلافلية نشبت بين شركة اسرائيلية تدعى (بامبا نوغت) ورجال اعمال لبنانيون (يمثلهم رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي عبود) في ولاية نيوجرسي الأمريكية، خلال فعاليات معرض مواد غذائية دولي، وقد فازت الشركة الإسرائيلية بجائزة لتقديمها نموذجاً لأقراص فلافل موضبة في علب كرتونية ومعدة للتصدير. وقد قاموا هناك بتكريم اسرائيل على هذا الابتكار في الخامس من هذا الشهر، مع انها انتحلت الفلافل وسرقتها من تراث المنطقة. هل يعني هذا في المستقبل ان تسجل اسرائيل براءة اختراع الفلافل باسمها، وتستغل قوانين الملكية الفكرية لتجبرنا على دفع عمولة او ضريبة او (خاوة) على كل رغيف ساندويش فلافل نتسممه؟؟ وهل يتبع الفلافل كأس الشاي والطرشي(المخلل) والفجل وما شابهها من (كرستا) اكل الفلافل؟؟ المضحك غير المبكي، اننا كنا نغني في سهرات اغاني الميجنا: (قرص الفلافل يا منتوج بلادنا)، والمضحك أكثر وأكثر (مثل شفرات ناست) ان معركة نشبت، وما تزال دائرة، على صفحات النت، بين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والمصريين، حول الفلافل، ومن هم مخترعوه الأوائل، وكل واحد منهم يدعي قصب السبق ويتهم الآخرين بالسرقة... هذه عادتنا.. مشاطرناع بعض!! نعود الى الصناعي اللبناني قائد المعركة الفلافلية، فقد وجه رسالة الى وزارة الخارجية اللبنانية يطالبها بالاحتجاج رسمياً لدى الأمم المتحدة، كما ينوي تصنيع قرص فلافل عملاق للدخول الى موسوعة غينيس، رداً على الاختلاسات الإسرائيلية. وكان لبنان قد صنع في الماضي طبق حمص زنته 2طن، واستبعد اسرائيل من كتاب غينيس الذي كانت دخلته بطبق حمص زنته 800 كغم. وسجل لبنان رقم قياسي لطبق تبولة (3 أطنان و500 كيلو). لو كانت دولة غير لبنان ربما سخرنا من هذه المعركة، لكن لبنان هو الوحيد الذي اجبر اسرائيل على الخروج من معظم اراضيه بشكل مذل، وما زال اللبنانيون ينكدون عيشة الاحتلال على عدة دونمات في مزارع شبعا وقرية الغجر. لكننا على سبيل السماجة يمكننا ان نطالب بالشروع في تأليف وتلحين ونشر أغان حماسية تدعو الى استرجاع قرص الفلافل السليب، وستكون افضل على اية حال من اغاني تمجيد الزعامات، وخوض الحروب الوهمية امام الميكروفونات. وعلى سبيل السماجة ايضا يمكننا ان نفرض في المناهج التعليمية على التلاميذ العرب كتاب: (كيف صنعنا الفلافل)، حتى يتمسك ابناء المستقبل بحقهم السليب، إن لم نستطع استرجاعه بواسطة المفاوضات. مثل مفاوضات جينيف ومدريد، وشعار غزة، أريحا أولاً، حيث نستبدله بشعار (حمص تبولة أولاً). وربما على سبيل السماجة ندخل التاريخ بتصنيع قرص فلافل للريجيم (دايت) مثل الكولا والببسي والمرتديلا. وليس آخرا... ليس بالفلافل وحده يحيا الإنسان، لكن بالخبز والسلطة والشطة أيضاً، وانها لمعركة حتى استرجاع كامل الحق الفلافلي!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©