الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مفاعيل الرواية

مفاعيل الرواية
17 ابريل 2013 20:47
من خلال الكمّ الكبير الذي أنتج في السنوات الأخيرة من الروايات في عالمنا العربي، وظهور جيل روائي شاب، فإنّ الفنّ الروائي قد سحب اليوم البساط من الشعر، حتى قيل مجازاً بأنّ «الرواية ديوان العرب»، وجاء كتاب «الرواية والحياة» للكاتب هيثم حسين، الصادر ضمن كتاب سلسلة مجلة الرافد الصادرة الشارقة، بفصوله الستة، وصفحاته ألـ 220 صفحة من القطع المتوسط، ليحكي بتفاصيل وشواهد روائية عن هذا الفنّ الأدبي من زوايا عديدة... ابتدأ المؤلف الكتاب الفصل الأول بالرد على سؤال: «لماذا الرواية والحياة؟» حيث يرى أن الروائي يعطي لنفسه بعض الحق حين يجمع بين الرواية والحياة بصيغة من الصيغ الكثيرة، سواء كان عطفاً أو نعتاً أو تفضيلاً، أو تمرئياً... ونجد المؤلف يحاول في هذا الكتاب الخوض في قضايا مفصليّة، ومواضيع مصيرية، خاضت فيها الرواية، مستعرضاً مقاربات شكليّة ومضمونيّة للكلمات المُقدمة مع الرواية معطوفة ومنعوتة وواشمة في الفصل الستة التي تشكل بنيان الدراسة. وأضاف بالقول: الآن الرواية تقليد الحياة، مقتطعة من الحياة؟ الآن الرواية مختصرها؟! ألآنها مرآتها؟! ألأنّ الرواية مع غيرها من ألأجناس ألأدبية ألأخرى، والفنون المعاصرة، تشكل عصباً ضّاجاً بالحياة، ضاخّاً لها، وهي تنطوي على أٍرار الحياة نفسها..؟! ألأنّه لا مكان مُستعصٍ عليها؟ لأنفتاحها وتجدّدها ولا محدوديتها...؟ أوليست الرواية حياة أدبية، أليست تصويراً لحَيَوات كثيرة، أليست مُعترك حياة الشخصيّات، ومسرح الوقائع والمجريات! لا شكّ أنّه ليس بالخبز يحيا الأإنسان، وقد تكون الرواية هي الكلمة الصادقة ألأكثر تعبيراً عن الحياة، عبر استعراضها وتقديمها حيَوات عديدة. الرواية والتاريخ تناول مؤلف الكتاب في الفصل الثاني موضوع «الرواية والتاريخ»، حيث ناقش ما حاول فيه روائيون كثيرون كتابة الرواية التاريخية، كما أستعان بعض الروائيين بشخصيات تاريخية بعينها، وألبسوها ثوباً معاصراً، وقوّلوها بما كان ينبغي أن تقوله لو أنّها كانت موجودة للتعليق على بعض الحوادث المُستجدة... وأشار أيضاً إلى أنّه ربما سعى روائيون آخرون إلى اتخّاذ حياة البعض محوراً رئيساً مع محاولة الإحاطة بكلّ الظروف التي مرّ بها، وكلّ الشخصيات المرافقة أو المعاصرة له، والتفصيل في شرح ادوارها والتعليق عليها. كما ناقش» الرواية العالمية ومقاربة التاريخ، أبتعاث شخصيات تاريخية، الرواية العربية والسكنى في قلب التاريخ، الرواية الدراميّة والرواية التاريخية، والروائي في لُجّة التاريخ؟ كما عرض هيثم حسين» للرواية والسيرة الذاتتية» في الفصل الثالث باستهلال ثم ذكر أنّ رواية «الإفريقي» للروائي الفرنسي جان ماري لوكلوزيو المولود في مدينة نيس الفرنسية عام 1940م، هي «تلصص ذاتي»، كونها من الروايات المُتكئة بشكل كُليّ على سيرة كاتبها، كما وتعد رواية «الإفريقيّ» بمثابة السيرة الذاتية التي يسرد فيها لوكلوزيو ذكرياته عن الأيام التي قضاها في أحضان إفريقيا، فيصف طبيعتها، يتحدث عن قاطنيها بأشكالهم، وطبائعهم، وأنماط معيشتهم، فقدم سيرته الأفريقية، عبر استذكار سيرة والده الذي أصبح إفريقياً بالانتماء والإحساس والمُعايشة، وعبر سير أمه التي حملت به، وهي تنعم بالبهجة في ربوع إفريقيا، فكان الإفريقي أباً وأماً وهوىً، حُلماً وتوجساً، ماضياً ومستقبلاً... ثم قدّم «للسيرة المرويّة، حفريات في الذاكرة» التي يرى فيها بأنّ سيرة الكاتب خزّان آلامهِ، ومصدر إلهامهِ، وكما كان السجنُ دافعاً ومُحفزاً على الرواية والإبداع، فقد يغدو المرض كذلك أيضاً دافعاً لأستغلال الوقت وتقديم نصّ لافت، وهذا ما كان مع الأديب اللبناني عبده وازن، في كتابه «قلب مفتوح»، الكتاب الذي يتخفف ويتحرّر فيه من ثقل المرض، يستشفي بالكتابة التي كثيرا ما قيل وتردد بأنّها تُقيد التطبيب والمداواة والاستشفاء كأنّ الكاتب حين يكتب معانياته يطبّ لمحبّه، كأنه هو ذاتنه مَن طبّ لِمَن حبّ. الرواية والمغامرة وجاء الفصل الرابع بعنوان «الرواية والمغامرة» ليتساءل المؤلف في بدايته: ما الرابط بين الرواية والمغامرة؟ هل يمكننا القول أنّ كلّ رواية هي مغامرة بمعنىً ما؟ ويقول: الرواية مغامرة دائمة، لا بمعنى الخوض في مهالك الأمور أو الإرتماء في أتونها، بل بمعنى مبادرتها الخلاّقة المنطلقة من الافتتان في كلّ حال، من الواقع المُستعر للمختلف والمُستعصي والمنغلق. وناقش العديد من الرويات في هذا المقـام، كما أنّه يرى أنّ المغامرة تشمل الأندفاع والمجازفة والتهوّر والوعي والبطولة، الرواية مُعتَمل هــذه المصادر ومُعتركها. والمغامرة وقود الرواية، والرواية صوتها وصداها... الرواية والرقص وتحت عنوان «الرواية والرقص» خصّ المؤلف الفصل الخامس من كتابه، لأنه من الغبن الظنّ بأن الرقص من علامات الفرح فقط، وإن كان قد ارتبط عبر الممارسة والتراكم، بالفرح واللهو والمجون، ذلك أنّ الرقص كالطرب تماماً، يمكن أن يدلّ على الفرح والبهجة واللذّة، كما يمكن أن يعبر عن الحزن والأسى والقهر... وناقش مسألتي: «الرقص فاصل روائي وحياتي منشط»، و»من مفاعيل الرقص في رواية الحياة والفنون»، وأوضح إذا كانت الرواية تُعنى بالرقص، فإنّ الفنّ السابع لا يُضاهى في تركيزه على الرقص، إذ لا يكاد السينمائيون يتركون شيئاً أو زاوية إلاّ ويتطرقون إليها ويقاربونها، وقد قدّموا الكثير من الروايات التي تستعرض الرقص من مختلف زواياه، ذلك أنّ الصورة المتحركة تساهم بشكل كبير في التأثير على المُتلقي، وتمنح فسحة واسعة للتعبير عن الطاقة الجسدية. فمن راقص مع الذئاب، مكتشف عوالمها، ككيفن كوسنتر، إلى الكثيرين ممّن أغرقوا أنفسهم في الرقص مع الطبيعة والأصدقاء، حتى عُدّ الرقص ثيمة سينمائية لافتة، وكلمة مؤثرة ذات رنين جاذبٍ مُمغنط. الرواية والخييل واختتم هيثم حسين فصول كتابه بالفصل السادس «الرواية والخييل» الذي يشير فيه إلى أنّ الخيال يلعب دوراً محورياً في مختلف الأجناس الأدبية، ذلك انه يتكفّل بسدّ الكثير من الثغرات التي يخلّفها الواقع، أو يتسبب بها، وبقدر ما قد يُظنّ بالخيال من وفرة أو سهولة، لإنّه يبدو ذروة عصيّة من ذُرَى الأدب، قلّة من المحظوظين الموهوبين يبلغون حوافّه، فتراهم يبدعون أدباً غرائبياً ساحراً، ولا يكون الخيال بمتناول المستسهل قطّ، لأنّه يُحتم على الساعي إلى امتلاكه، والتمتع به، جهداً دؤوباً، ومُثابرة مُضاعفة، قد يتمكن بعدها الساعي إليه من إبداع متفرّد، أو ينقاد له في عملية التخييل ليبدع صوراً لا مألوفة، تتخلل جوانب السرد المُحكم المعتمد على التخييل كركيزة هامة، ثم ناقش مسألتي: «نهاية الخيال»؟، والتخييل من أسرار الفنّ الروائي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©