الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأنا في السيرة الذاتية

الأنا في السيرة الذاتية
10 سبتمبر 2008 23:44
إن ''الأنا'' في النص السردي أو في السيرة الذاتية لا تعود إلى الذات أو الكاتب بشكل كلي، وإنما إلى وظائف اللغة نفسها أيضاً، وهي لذلك لا يمكن ردها إلى الواقع أو الحقيقة، ومن ثمّ فالسيرة الذاتية هي مشروع مزعوم لتمثيل الذات أو لنقل شخص ما في الحضور المعطى بواسطة اللغة، وحياة كاتب السيرة تظهر مثل أحلام اليقظة، وتبدو في الوهلة الأولى بأنها قابلة للتدوين، لكن عندما تأتي المحاولة لتدوينها يتملّص العالم··· وعلى هذا الأساس فإن السيرة الذاتية لا تظهر كاتبها كما هو وإنما كما ينبغي أن يكون، أو كما يطمح أن يكون، وهي لا تقدم منظوراً موضوعياً للحياة؛ لأنه ليس من مسؤولية الكاتب ولا من مهمته، وهو ليس مؤرخاً، أن يقوم بذلك· وهكذا فكاتب السيرة الذاتية يعطينا المعنى الخاص به في حكاية أسطورية، وكل إنسان هو الشاهد الأول على نفسه، وما ينتجه ليس سلطة نهائية وحاسمة، خاصة أن السيرة الذاتية هي ثأر من التاريخ، وهي ليست إعادة مبسطة للماضي كما هو، ولا تقود إلى الماضي، لكن إلى الحضور في روح العالم الذي مضى إلى الأبد، والإعادة الموجزة لهذه الحياة لابد أن تتحقق في تحويلها إلى شيء ثمين للشخص الذي عاش فيها، ولذلك فهي تظهر الماضي في صورة مشوهة، والشخص الذي يتذكر الماضي في الكتابة يتذكره في وجود مختلف عن وجوده الفائت· وهو عندما يروي ذاته فإنه يبحث عن ذاته من خلال التاريخ ويبحث عن الكنز المخبأ، ومن ثم فالحقيقة خاضعة وتابعة لحقيقة الإنسان الذي يكتب· ومن هنا فالسرد في السيرة الذاتية يقدم شهادة عن الإنسان ولا أحد سواه؛ لذلك لا توجد حقيقة في المذكرات أو السير الذاتية؛ لأنها خاضعة لحقيقة الإنسان الذي يكتبها· فأولئك النقاد الذين يريدون أن يخبروا القارئ بأن كاتب السيرة الذاتية مزوّر وعابث في التاريخ، فهم في الحقيقة لايخبرون شيئاً، لأننا لو افترضنا جدلاً أن لكاتب السيرة الذاتية قارئاً مفترضاً فإنه يدرك جيداً أن الحقيقة التي يقرأها مليئة بالمغالطات والزيف والإسقاطات، لكن كل هذا يعد على غير هذا النحو بالنسبة للمؤلف· والقارئ يعرف أنه يعيش عالماً غير واقعي مائة في المائة، وهو يقرأ في السيرة الذاتية؛ لأنه يقترح معنى عميقاً وجديداً للحقيقة بوصفها معبرة عن وجود الواقع في أعمق حالاته، لذلك فالأشياء التي تظهر ليست حقيقية في عيوننا، لكنها تبزغ كما هي بالنسبة لكاتب السيرة الذاتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©