الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضيلة التغافل

13 أغسطس 2016 22:48
ورد في الأثر أن أحد الرجال ترك زوجته وأبناءه وذهب ملتحقاً بأرض معركة تدور رحاها على أطراف بلده، وقد وصلته أنباء بإصابة زوجته بمرض الجدري الذي أدى إلى تشوه وجهها كثيراً، حزن الزوج بصمت وتأثر كثيراً، وعند عودته استقبله رفاقه وقد آلمهم ما ألم به من العمى حزناً على زوجته وأبنائه، وبعد أن رافقوه لبيته ودعوه وهم يرثون حاله، دارت الأيام والسنون وتعايشت الأسرة، الزوجان والأبناء مع هذا الوضع القائم بشكل طبيعي، لكن المفاجأة أن بعد مرور خمسة عشر عاماً توفيت الزوجة، فصعق الجميع بعودة الزوج مبصراً وبشكل طبيعي، حينها أدركوا عِظم مروءة هذا الرجل وتمام عافيته، فالعافية هي عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل. قد يتبادر إلى الذهن أن هذه الحادثة من النوادر، أو قد تكون من نسج الخيال، ولكن العبرة منها أن نتعلّم كيف نغض الطرف عن عيوب وهفوات بعضنا، حتى لا نجرح المشاعر، وكيف نغمض أعيننا عن بعض الأخطاء والتقصير حتى نحافظ على علاقاتنا ولا نقطع حبل الوصل معهم. فالحياة مليئة بالنقصان، وليس هناك شخص كامل لا عيب فيه، ومن أراد تقويم النفس واستكمال فضائلها فعليه التحلي بهذا الخلق الرفيع الذي هو من أخلاق الكرام، فمجاله واسع واستعمالاته متعددة في مختلف نواحي الحياة العامة والخاصة. فقليل من الخبز المحروق لا يميت ولا يجلب الأمراض، ولكن الإعراض عن أكله قد يكسر قلباً، والضرر الطفيف من بعض هفوات الأبناء والتقصير في التصرفات لن يقوّم اعوجاجاً وعدم التغافل عنه قد يُفسد وداً، وتصيّد الأخطاء في البيت والعمل والشارع والمحاسبة على كل شاردة وواردة، واستقصاء كل صغيرة وكبيرة، يقدح شرارة الغضب والشحناء بين القلوب، والتغافل عنها قد يُحدث فرقاً. التغافل هو هذا الأدب العظيم الذي تأدب به الحكماء، ونوه بفضله العلماء، فما أحوجنا للتحلي والتخلق به في مواقف حياتنا كافة، فنتجاوز عن من نخالطهم من الأهل والأصحاب والموظفين ومن نتعامل معهم في معترك الحياة، فلا نستقصي مكامن تقصيرهم ونبرزها لنلومهم ونحاججهم عليها، ولا نذكرهم بحقوقنا الواجبة عليهم عند كل زلة، وإنما وجب التوازن، وأن نعرّف عن بعض، ونعرض عن بعض، فما استقصى كريم قط، ولم يفز بالحمد إلا من غفل. خديجة الحوسني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©