الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سالم الحتاوي يخترق اصطلاح أزمة النص المسرحي

سالم الحتاوي يخترق اصطلاح أزمة النص المسرحي
10 سبتمبر 2008 23:25
''أن يكون لدى المؤلف المسرحي شيء يقوله، وأن يقوله بصراحة، لا يكفي لتبرير ميلاد العمل المسرحي·· إن ما يبرر هذا الميلاد هو أن يكون لدى الجمهور شيء يسمعه''· لعل مقولة الناقد الفرنسي الشهير بيير ايميه توشار هذه تنطبق تماما على الكاتب المسرحي الإماراتي سالم الحتاوي أحد أهم الكتاب الذين تجاوزا اصطلاح ''أزمة النص المسرحي''، وأحد أهم كتاب جيل مسرح التسعينيات ممن حققوا التفوق النوعي في كتابة المسرحيات وقدموا صورة المؤلف المحلي في اطارها الحقيقي سواء على مستوى العروض الداخلية أو على مستوى المهرجانات· سالم الحتاوي صاحب جائزة أفضل عرض في الدورة السادسة من مهرجان المسرح الخليجي بمسقط عن مسرحيته ''عرج السواحل'' وصاحب جائزة أفضل عمل مسرحي متكامل في أيام الشارقة المسرحية العام 96 عن نصه ''الملة'' من إخراج احمد الأنصاري والعديد من الجوائز التي استحقها عن نصوص كتبها وكانت محل اهتمام وجدل نقدي، بل ربما يكون من أكثر الكتاب المحليين غزارة في الإنتاج ونشر مسرحياته في كتب لتكون مرجعا للنقاد والباحثين والدارسين، فقد نشر ضمن إصدارات الدورة الثالثة عشرة لأيام الشارقة المسرحية 2003 مجموعة مسرحياته: الياثوم، جنون البشر، زهرة، إنها زجاجة فارغة، جوهرة· كما نشر من خلال إصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة كتابا بعنوان ''خلخال ومسرحيات أخرى'' وتضمن مسرحيات: خلخال، النخاس، كل الناس يدورون، مرادية، مواويل، جنة ياقوت، جزيرة الطيبين· وللحتاوي مسرحيات عديدة من أهمها: مملكة السلام، زمزمية وأحلام مسعود، ترنيمة الحلم الأخير، ليلة زفاف، وغيرها من الإعمال التي سجلت للنص المسرحي المحلي أسلوبا مغايرا في التناول ومعالجة القضايا الشائكة· بروز سالم الحتاوي ككاتب كان نتيجة جهود مسرح دبي الأهلي الذي أسهم في إطلاق طاقاته الكتابية، كما لعب هو بمهارة في دائرة مسرح جديد في طريقة التناول والمعالجة والتجريب، وانتهاج أسلوب ''مسرحية العرض''، فهو يحرص خلال صياغته للأحداث على تقديم إرشادات وافية للشخصيات، من تصور دقيق للحركة، ووصف المشاعر والحالة النفسية، والعديد من المهمات بما يمكن تسميته بـ ''البعد الرابع'' للنص، بما يمكن معه فهم أعمق لمخرج العرض للمناخ العام للنص واختيار القالب المناسب لإخراج المسرحية، هذا الى جانب تقديمه مضامين وأفكار عميقة ورفيعة المستوى، ففي ''عرج السواحل'' مثلا يسقط الحتاوي بمهارة على خطط الاستعمار في تفكيك المنطقة، كما صور بمشهدية بصرية صراع القوى التي تتغنى بانتصارات زائفة· وفي نص ''الياثوم'' من إخراج أحمد الأنصاري لمصلحة مسرح أم القيوين الوطني، يقدم ثيمة العشق من خلال الموروث الثقافي الشعبي، واستثماره للحكايات والأساطير الشعبية القديمة عن الجان، فالطنطل يظهر ليلا بصفة إنسان هائل الجسم يخيف الناس، وقد سماه العامة الجاثوم أو ''الياثوم'' وقد أدار الحتاوي أحداثه ضمن تكنيكات ''التخيل'' و''أسلوب الاسترجاع'' في تناول بديع على المستوى الاجتماعي· وفي مسرحية ''خلخال'' يرصد الحتاوي في بناء مسرحي محكم جملة من العادات والتقاليد ونظرة المجتمع الى بعض المهن من خلال قصة حب شعبية بين ''سهيل'' و''غاية'' المرفوضة اجتماعيا نظرا لعملها في مهنة ''الرقص'' وقد نجح الحتاوي من خلال طرح جريء في تناول فكرة الخلاص والرغبة في الانعتاق من قيود المجتمع باستخدامه لرمز الخلخال أو قيد الحب، على النحو الذي وجدناه في استخدام تشيكوف لرمز البستان في مسرحية ''بستان الكرز''· ما يميز ''الياثوم'' تلك المعطيات التي يوظفها الكاتب لصناعة ديالوج طويل متصل بين البطلين، في حوارات لا تشعرك بالملالة وفي صياغة شاعرية أفضت الى نهاية مفتوحة، واهتمام بأدق التفاصيل في حالات الشخصيات من خلال اللهجة المحكية· الخط الرئيسي في مسرحية الحتاوي ''جنة ياقوت'' يدور حول التمسك بالإرث التاريخي والهوية الوطنية من خلال بطلة النص المرأة الغريبة القادمة الى بيئة صادمة ومثقلة من أجل الخروج من دوامة الفقر والعوز، ولا يخلو تشكيل الحوار في النص من براعة سواء في المضمون أو الشكل· تتنوع مضامين الحتاوي وان كان معظمها قريبا من الموروث الشعبي على نحو مسرحية ''النخاس'' التي أخرجها محمد سعيد، وأثار الحتاوي في مسرحيته ذات الفصل الواحد قضية الرقيق وحكاية التاجر الذي يبيع ويشتري العبيد· نجاح الكاتب في ''النخاس'' كان مرهونا بتفوقه في التركيز على شخصية واحدة في إطار المونودراما ''مسرحية الممثل الواحد''، في معالجة درامية ارتفعت الى مستوى الفكرة والمضمون معا· سالم الحتاوي كاتب أصيل وأصالته تنبع من التصاقه الشديد ببيئته المحلية، وتبدو لنا قدرته في التناول والتصوير التعبيري والتفسير في رسم الظلال وإبلاغ المعاني وفي تكييف الجو وتكثيف المشاعر واختيار الأفكار الصالحة للصياغة المسرحية والبناء المعماري المسرحي النابض بالحياة، فقدم لنا نصوصا خلاقة، مثل ''زمزمية'' الحائزة على جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان أيام الشارقة العام ،97 وطرح فيها الحتاوي شخصية ''شيخة'' من عصر ما بعد النفط وهي المرأة المطلقة التي تعيش خارج العصر لأنها تتصرف بما ينافر زمنها، ويصورها الكاتب على أنها تصادمية ضحية العادات والتقاليد المتوارثة التي تفرض على المطلقة أن تضحي بكل أحلامها وطموحاتها من أجل احترام الأعراف وكلام الناس·· لكنها مثل شخصية ''نورا'' في بيت الدمية لهنريك ابسن، رافضة للاستسلام للواقع، وتجسد هذا الرفض بكتابة مذكراتها لتعبر من خلالها عما تجيش بها نفسها إزاء هذا الواقع الظالم القاسي· لقد برع الحتاوي في إقامة نصه على خطة درامية أشبه بخطين متقاطعين يسيران في اتجاهين متعارضين، شيخة تصعد بأفكارها والمجتمع يهوي بعقده، وهكذا نجد فكرة ''التقابل'' هي الأسلوب الأمثل في معالجة هذه الفكرة، كما أنه يلجأ الى خياله كثيرا لتحديد الرموز البشرية لإعلاء شأن المرأة وتفكيرها وهذا موضوع جريء على مستوى المعالجة والتكنيك في المسرح الإماراتي· وربما يكون الحتاوي قد توج تجربته الكتابية بمسرحية ''مواويل'' التي قدمتها فرقة الدوحة القطرية من إخراج فالح فايز العام 2002 بمناسبة الاحتفالات بيوم المسرح العالمي وأحداثها المأساوية تدور في قرية تتعرض فيها امرأة الى ظلم أهلها وقسوتهم، وماتت مغضوبا عليها من أهل القرية، بينما هي كانت تحفظ في داخلها سرا غامضا بالرغم من كل المظالم التي ألصقت بها والتهم الكاذبة وظلت تحتفظ بسرها خوفا ورغبة من سطوة من فعل بها وأولدها حلالا ولدا معوقا ظلت ترعاه حتى كبر وشاهدها وهي تقتل أمام عينيه وهو عاجز· لقد كان تصوير الضعف العاجز من أهم أفكار مواويل الحتاوي، ولجوئه الى الصراع الديالكتيكي المتنامي الذي ولد لنا عرضا مشوقا مكتمل البناء وهو في تقديري أقرب الى البناء الدائري، أي كان يمكننا متابعة المسرحية وبالعكس دون إخلال بمنطقية الأحداث· إن أحد أهم أسباب نجاح الحتاوي ككاتب، وتواصله عبر مراحل من الحراك المسرحي المحلي يعود الى أن تجربته انطلقت من تحت عباءة ومناخ مسرح جيل التسعينيات، حيث الاستخدام الجريء للتكنيك المعاصر في المسرح، وغير ذلك فانه نجح عبر سنوات من العمل الجاد والحثيث في الخروج من دائرة النصوص ''الماضوية'' التي تعلقت كثيرا بمعالجة الظواهر الاجتماعية والحياتية في مجتمع ما قبل النفط، صحيح أنه كتب موضوعات ارتبطت بالواقع والموروث المحلي، إلا أنه لم يخش دخول المناطق الشائكة في حياة المجتمع المعاصر، ومناقشة قضايا جوهرية تتعلق بالمرأة والشباب والفساد في انفتاح جريء على التيارات المسرحية، لذا استحقت تجربته منا هذه الوقفة وهو مازال يعيش مرحلة جديدة من التألق والكتابة الإبداعية في ظل حوار التجارب الذي أسهم في تشكيل هويته ككاتب له شخصيته وأدواته وهويته مثل العديد من كتاب المسرح المحلي الذين يعملون باجتهاد لتحقيق ''حالة مسرحية منشودة'' تلتقي مع أحلام وهموم المتفرج في إطار تكاملي مع العملية المسرحية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©