الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة السويديّة في أبهى أسمائها

الثقافة السويديّة في أبهى أسمائها
29 ابريل 2014 20:26
رغم شهرة السويد أو أسوج في دنيا العرب، تظلّ ثقافتها شبه مجهولة عند قرّاء لغة الضّاد، خلا بعض الأسماء اللاّمعة المعدودة. وكما في أغلب بلدان العالم، يظلّ اسم انجمار برجمان، بفضل الانتشار الواسع للفنّ السابع، وبفضل أثره العميق هو نفسه في هذا الفنّ، يظلّ أكثر هذه الأسماء رسوخاً وإشعاعاً. وكما في سائر ثقافات المعمورة، يتردّد اسم السويد عندنا سنويّاً في الأيام السابقة للإعلان عن جائزة نوبل للآداب (تفضيلاً لها على الفروع الأخرى)، والتّالية لها. والحال أنّ السويد، بالرّغم من صغر مساحتها وتواضع عدد سكّانها الذي يقرب الآن من عشرة ملايين نسمة، تستحقّ معرفةً أفضل، وقد رأت النور فيها تجارب أدبيّة وفنيّة عالية الأهميّة. إعداد كاظم جهاد عُرفت السويد في الثّقافات القديمة بشعبها اللاّبوني، الذي يشغل قسمها الشّمالي وما برح يحتفظ إلى الآن بخصوصيّته وتقاليده العريقة المتمثّلة في ثقافة الصّيد (لا سيّما غزال الرنّة) والتمسّك بحياة الترحّل. دخلتها المسيحيّة في مطلع القرن الثاني عشر، حالّةً محلّ الإحيائيّة التي لا يزال يعتنقها بعض اللّابونيّين، ما جعلها تتأثّر بثقافة الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة حتى القرن السادس عشر، ثمّ خضعت لتأثير ألمانيا التي اجتذبت البلاد نحو البروتستانتيّة. واعتباراً من القرن الثّامن عشر صارت الغلبة للتأثيرات الفرنسية، التي تعزّزت بفعل ارتقاء عاهل من أصل فرنسي إلى العرش الأسوجي، هو الأمير جان باتيست برنادوت (1763-1844)، الذي صار في 1810 ملك أسوج والنرويج وصار يُدعى شارل الرّابع عشر. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت البلاد واقعة تحت تأثير أنجلوساكسوني، أميركي خصوصاً. أشياء تنبغي معرفتها التّراث السويدي مُفعَم بنبرة شعرية وبميلٍ واضح إلى التصوّف، وبالتشبّث بثقافة بلدان الشمال وحساسيتها الخاصة، وهو ما نرى بصماته الواضحة في أعمال كبار المبدعين السويديّين، من الكاتب أوجست سترندبرج إلى السينمائيّ إنجمار برجمان، فكاتبة روايات الأطفال آستريد لندجرين. هناك أيضاً، وبطبيعة الحال، إرادة في الإعلاء من الثقافة الوطنية ورفض الانحباس في دور ثقافة هامشية، هذا الدّور الذي طالما فرضه على البلاد موقعها الجغرافيّ في أقصى الشمال الأوروبي. تنتمي اللغة السويدية، شأنها شأن النرويجية والدانماركية والآيسلاندية، إلى الفرع الشماليّ من اللغات الجرمانية المنتمية بدورها إلى عائلة اللّغات الهندو-أوروبية. وبالرّغم من هيمنة سويديّة العاصمة ستوكهولم، هناك لهجات محلية وكذلك أقليّات إثنية تتكلّم لغات أخرى كالفنلندية والأوجريّة. أكبر ما تصدّره السويد إلى الخارج يتمثّل في منتجاتها الثقافية، إن لم يكن في الأدب حيث الأسماء الكبيرة معدودة بالقياس إلى بلدان أوروبيّة أكبر منها، ففي التصميم الفنيّ والمعماريّ والموسيقى والرسم. وتتميّز الثقافة السويدية بتشجيع الدولة للأنشطة الإبداعية، تمدّها بتعضيدات مالية واسعة. كما تتميّز البلاد على الصعيدين السياسي والاجتماعي بظاهرة التعاونيات الضاربة جذورها بعيداً في تاريخها الإداري، وبظاهرة أخرى لا تقلّ أهمية، ألا وهي ظاهرة “الوسطاء” ombudsman، وهم ممثّلو الشعب الذين يتلقّون الشّكاوى والمطالب ويدرسون صلاحيتها ثم يرفعونها إلى البرلمان ويسهرون على تلبيتها. وينبغي في هذا المضمار التنويه أخيراً بعمل الدولة بسياسة “الثقافة للجميع”، هكذا تتوافر في البلاد ثلاثمئة متحف ومئة مسرح ودار أوبرا، وآلاف صالات العروض السينمائية. تمرحلات فكرية وأدبية أشرنا أعلاه إلى قوّة التأثير الألماني على السويد ثقافياً ولغوياً منذ أواخر العصر الوسيط، وذلك بباعث من انخراط الألمان والسويديّين في “الحلف الهانسيّ” للمدن الأوروبية التجاريّة. ووجد هذا التأثير دعامة قويّة عندما توصّل أتباع مارتن لوثر إلى فرض البروتستانتية مذهباً للبلاد اعتباراً من أوائل القرن السادس عشر. وكما في الثقافة الألمانية، أثّرت ترجمة الكتاب المقدّس (صدرت ترجمة جوستاف فاسا الكاملة له في 1541) تأثيراً بالغاً لا على المستوى الديني وحده بل على الصعيد الأدبي أيضاً، كما ساهمت على المستوى اللّساني في توحيد اللّغة السويدية. قبل ذاك كانت النصوص الوحيدة المتوافرة في هذه اللّغة هي “الرّونات”، وهي نصوص مكتوبة على الأحجار بأبجديّة قديمة تُدعى “الرّونيّة”، تتضمّن صيغاً موجزة تسرد في الغالب الأعمّ مآثر بعض العائلات أو تمثّل سند حيازتها للأراضي، فهي نصوص قضائية شبه أدبية. بعد فترة من هيمنة النصوص التاريخية، شهدت السويد اعتباراً من منتصف القرن السابع عشر اهتماماً بفلسفة ديكارت وبفكر التنوير الفرنسيّ، بينما اتّجهت أنظار الشعراء إلى الأعمال الممهّدة للرومنطيقية في ألمانيا. وفي القرن التاسع عشر تراجع تأثير الفكر الفرنسي لصالح نظيره الألماني. كما أن نشوء مجلة “فوسفوروس” في 1810 كرّس دخول الرومنطيقية إلى السويد. مثلما في سائر البلدان الأوروبية، حلّت الواقعية والطبيعية في منتصف القرن التاسع عشر محلّ الرومنطيقية الآفلة. وهذا ما وجد تجسيده في عمل أوجست سترندبرج، مؤلّف “الغرفة الحمراء”. ثمّ نشأت مجموعة “السويد-الفتاة”، ووُلد على يدها أدب ملتزم يُعنى بالراهن ويمارس نقد المجتمع. ثمّ انبثقت رومنطيقية جديدة تمثّلت خصوصاً في عمل سلمى لاجارلوف (جائزة نوبل في 1909)، المشهورة خصوصاً بعملها الروائي “رحلة نيلس هولجرسون العجيبة عبر السويد”، وهو نوع من رحلة عجائبية وفي الأوان ذاته استكشاف جغرافيّ وثقافيّ للبلاد. شهدت فترة ما بين الحربين العالميّتين ولادة عدد من الأدباء الكبار يقف على رأسهم بار لاجركفيست (جائزة نوبل في 1951) والروائيّان إيفيند جونسون وهاري مارتنسون (تناصفا جائزة نوبل في 1974). وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تعالى التشكيك بقيمة الكتابة أو صدقيّتها، ممّا تمخّض عن تجارب متنوّعة بعضها قريب من “الرواية الجديدة” الفرنسية. كما أعرب الكّتاب السويديّون عن اهتمام بالغ بالشرط الإنسانيّ ولم يتعالوا على إشكالات العصر. فكتب فيلهلم موبرج رباعية روائية منحها عنوان “المهاجرون” تُعَدّ من أمّهات الأدب السويدي. وراح بير فاستبرج يتأمّل حياة الأفارقة وآثار الاستعمار. ووضعت سارة ليدمان ريبورتاجات حول ظروف العمل في المناجم، ثمّ شرعت بمحاربة التمييز والفصل العنصريّين. ووضع يان ميردال كتابه الشهير “تقرير عن قرية صينيّة” (1963)، يدين فيه الشيوعيّة الصينيّة، ووجّه سلسلة انتقادات للبنيات السياسية والاجتماعية السويديّة. وأدان جوران بالْم التشبّه بالرأسمالية داخل السياسات الاشتراكيّة الديموقراطيّة. ووجدت النساء تعبيراً عن مطامحهنّ في أعمال الكاتبة كرستين إكمان. وفي العقود الأخيرة برزت على الساحة العالمية أصوات شعرية وروائية سويدية عديدة يقف على رأسها جونار إكلوف وتوماس ترانسترومر، والروائي يانج جيّو، وعدد من كتّاب الرواية البوليسية من أمثال هينينج مانكل، وكاتبة روايات الناشئة الشهيرة آستريد لندجرين. كما لمع في مطلع القرن الحادي والعشرين الصحفي ستيج لارسون عبر ثلاثيته الروائية “ميلينيوم” (أو “الألفيّة”). محتَرَف فنونٍ عصريّة إلى جانب الأدب، شهدت الصناعة الفيلمية السويدية إقراراً عالمياً بأهميّتها منذ عهد الأفلام الصامتة، من خلال أعمال موريتس ستيلر وفيكتور يوستروم على وجهٍ خاصّ. بيد أن منتصف القرن العشرين هو الذي ثبّت اسم السويد عبر سينما برجمان، وعبر عدد من الممثّلات من أشهرهنّ جريتا جاربو وإنجريد برجمان وبيبي أندرسون. وبين الممثّلين الذكور برزت أسماء عديدة من أمثال ماكس فون سيدو وستيلان شارسجارد وبيتر ستورمار. ولئن افتقرت البلاد إلى أسماء كبيرة في مجال التأليف الموسيقيّ إلاّ أنها تتميّز بالحضور الواسع للموسيقى والغناء في حياتها اليومية، وبكثرة فرق العزف الكبيرة فيها، التي تُعنى بالأعمال الكلاسيكيّة كما بالموسيقى الإلكترونية، وكذلك بكثرة فرق الغناء الحديث (تظل أشهرها فرقة ABBA)، الواضحة الحضور عالمياً لاسيّما وأنّ الكثير من الفنانين يضطرّون لضمان اشتهارهم إلى الغناء بالإنجليزية. وهناك عناية بالموسيقى التقليدية والرقص الفولكلوريّ، خصوصاً في الثقافة اللّابونية البالغة الحرص على صيانة تراثها الفنّي الموجّه لغايات سحرية وإشفائيّة. ينبغي التنويه أخيراً بأنّ المهندسين والمصمّمين السويديّين قد لمعوا في الآونة الأخيرة بتجارب تجديديّة في مجال الهندسة المعمارية، سواء في البناء بالحجر أو بالخشب أو بالزّجاج، كما أدخلوا في تصميم الأثاث (ديزاين)، لا بل حتّى في تصميم القطارات والباصات، تجديدات معتبرة وذات أثر عالميّ مشهود. أعلام ومبدعون سويديّون ? إيمانويل سويدنبورج (1688-1772): عالِم ومخترع متعدّد الكفاءات ومفكّر لُقّب بـ “ليونارد دافنشي الشّمال”، لا بل حتّى بـ “أرسطو السويد”. صرّح في سنّ السّادسة والخمسين بأنّه دخل طوراً روحانيّاً من حياته وحظى بالعديد من الرّؤى والإشراقات، وشرع بتأليف نصوصٍ في اللاهوت والحكمة الإلهيّة. فراح يضع مجلّدات ضخمة في تأمّل طبيعة اللّه والملائكة والخليقة وعلاقة الإنسان باللّه، وقراءات ألّيجوريّة أو مجازيّة للكتاب المقدّس. كما وضع فهماً روحانيّاً للزّواج باعتباره انعكاساً لآصرة سماويّة حيث الرّجل والمرأة يشكّلان باجتماعهما ملاكاً واحداً ويحقّقان رابطة علْوية تدوم بعد رحيلهما عن هذا العالم. وقد تأثّر العديد من الفلاسفة والكتّاب بأفكار سويدنبورج فناقشها مثلاً الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في شبابه مصرّحاً بأنّ من الصّعب التمييز بين هذيانات سويدنبورج الرؤيوية وميتافيزيقاه الدينية، ثمّ عمل على انتقاده في مقدّمة “نقد العقل المحض”. بيد أنّ فرنسيّين عديدين من فولتير إلى بلزاك فشارل بودلير فبول فاليري، وكذلك الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، أبدوا إعجابهم به واستوحوا بعض أفكاره وتصوّراته. ? أوجست سترندبرج (1849-1912): مؤلّف مسرحي وكاتب عُنيَ خصوصاً بمصاعب البحث عن هوية، وبتصوير المآزق الاجتماعية لعصره مع تركيز على العالم النفساني للشخوص. وهذا كلّه جعل أعماله المسرحية تحظى بإقبالٍ دائم حتّى الآن، كما استلهم أعماله سينمائيون عديدون على رأسهم إنجمار برجمان. من أشهر أعماله روايته “الغرفة الحمراء” ومسرحياته الأولى المنضوية تحت لواء المدرسة الطبيعية وعلى رأسها “الآنسة جولي”. أما مرحلته التعبيرية فتمثّلها مسرحيّتاه “رقصة الموت” و”سوناتة الأشباح”. ومسرحيّتة “الآنسة جولي”، بالرّغم من امتثاله فيها لقواعد المسرح الكلاسيكيّ (وحدة الزمان والمكان والحدث)، لا تزال تُعتبر مجدِّدة في ضبط تدرّج الانفعالات وتصعيد الأزمة، وسترندبرج نفسه عرّفها بأنّها “مأساة بالأسلوب الطبيعيّ”. ? سلمى لاجرلوف (1858-1940): هي أوّل امرأة تنال جائزة نوبل في 1909، وأوّل امرأة تُنتخب عضواً في الأكاديمية السويدية في 1914. صدر عملها الأوّل “ملحمة جوستا برلينج” في 1891 وفيه تتجلّى رومنطيقيتها الجديدة وأسلوبها الغنائي الموقّع. ثمّ توالت أعمالها التي تمثّلت ذروتها في “رحلة نيلس هولجرسون العجيبة عبر السويد”. صدرت الرواية في 1906 و1907، وقد كتبتها استجابة لتكليف من وزارة التعليم السويديّة بوضع عمل يسهّل تعليم جغرافية البلاد لطلبة المدارس. فسافرت من أجل تأليفه عبر السويد تدرس جغرافية مختلف مناطقها وتجمع الحكايات والأساطير والخرافات المحليّة. هكذا أصبح درس الجغرافيا واحدة من حَكايا الجنيّات وفي الأوان ذاته حكاية فلسفيّة. ? بار لاجركفيست (1891-1974): شاعر وروائيّ وكاتب مسرحيّ، لم يمنعه الحياد الذي التزمته السويد أثناء الحرب العالمية الثانية من إدانة فظاعات النازيّة. فاز بجائزة نوبل في 1951، ومن أشهر أعماله “الجلّاد” و”القزم” و”منفى الأرض” و”باراباس”. في الرواية الأخيرة يستلهم شخصيّة باراباس المذكور في “العهد الجديد” (أناجيل ماتيو ومرقس ويوحنّا ولوقا)، والمصوّر فيه باعتباره متمرّداً على السلطة الرومانيّة يحاكمه الوالي الروماني بيالطس البنطيّ في الأوان ذاته مع يسوع المسيح، ثمّ يخيّر الجمهور هل يطلق سراحه أم سراح يسوع، فيطالب الجمهور بإطلاق سراح باراباس. وتنطلق رواية لاجركفيست من المشهد الأخير وترينا باراباس وقد قادته رؤية المسيح مصلوباً إلى الإيمان. لقد دمغه عذاب المسيح بميسمه إلى الأبد، فتمرّد من جديدٍ وصُلب بدوره. ولدى صلبه نطق بالكلمات التالية: “بين يديك أضع روحي...”. تقف الرواية وراء فوز الكاتب بجائزة نوبل، وقد عادت له بشهرة واسعة بعد ما قام ريتشارد فليشير بتحويلها إلى فيلم اضطلع بدور باراباس فيه الممثّل الشهير أنطوني كوين. ? جونار إكلوف (1907-1968): يمثّل إكلوف في عمله الشعريّ آصرة متينة بين الموروث الرومنطيقيّ والشعر الحديث، إذ اكتشف السوريالية بباريس في 1929 وترجم إلى لغته بودلير ورامبو وأبولينير ودسنوس، وكذلك بين روحانيّات الشرق والمعرفة الغربيّة. له مجموعات عديدة منها “متأخّراً على الأرض” و”ليلة في الأفق”، وأشهرها ثلاثيّته الشعريّة التي منحها العنوان الشامل “ديوان” (مستخدماً الكلمة العربية). والجزء الأخير، وقد أكمله في تركيا التي زارها في 1965، سمّاه الشاعر “أسطورة فطّومة”. وقد بنى هذه المجموعة على هيئة مسبحة شرقيّة تجمع سلسلتين من الأشعار تنتظمان في عقد واحد. وهو يصف فيها العشق الذي يجمع فطّومة (التي باعتها أمّها) والأمير الذي ينقذها ثمّ الهجران فالشيخوخة فالعزلة فانتظار الموت. وقد أشار النقّاد إلى ما يجمع بين اسم فطّومة Fatumeh (التي تثير وراءها سلسلة من الاستحضارات الشرقيّة) والمفردة اللاتينيّة Fatum، التي تعني “القدَر”. فالمجموعة، التي تجمع بين عنف الأهواء وصفاء الرؤية الرّوحانيّة، هي في المحصّلة تأمّل في زواليّة الهوى وضرورة التسليم والتواضع والامّحاء. ? آستريد لندجرين (1907-2002): اشتغلت لندجرين لسنوات عديدة سكرتيرة ولم تنشر عملها الأدبيّ الأوّل إلّا في العام 1944. وبعد رواية تقليديّة للناشئة عنوانها “مسارّات بريت ماري”، توالت أعمالها المجدِّدة والغزيرة في الجنس الأدبيّ ذاته، وتُرجم أغلبها إلى أكثر من خمسين لغة. من أشهرها “فيفي صاحبة الجوربين الطويلين”، وقد أصبحت فيفي من أشهر شخوص أدب الناشئة العالميّ، والكتاب بالأصل مجموعة حكايات كانت المؤلّفة ترويها لابنتها أثناء مرض هذه. وبعد مقاومة أبداها الكبار، نالت أعمالها قبولاً متحمّساً من لدن الناشئة والمربّين والنقّاد، لما فيها من تحرّر وخروج على قواعد التربية التقليديّة وما يميّزها من قسرٍ وجمود. أبطالها هم عموماً صغار جسورون يتخطّون المآزق بفعل مخيّلاتهم الخصبة، ولديهم من الذكاء ما يسمح لهم بردّ حجج الكبار على أصحابها. كما ابتكرت أسلوباً في الحكاية الشعريّة بلغ ذروته في “ميو، عزيزي ميو” (1945)، وبالرغم من احتجاجات الكبار غامرت في “الإخوة قلب الأسد” إلى دعوة الناشئة إلى تأمّل العنف والقسوة والموت والشرور المحيطة بالشرط البشريّ. في أعمال أخرى تراها تشيع الفكاهة والدعابة وتدعو إلى احترام البئية والتعايش السلميّ بين الإنسان والحيوان. ? إنجمار برجمان (1918-2007): فرض برجمان اسمه مرجعاً عالميّاً في الفنّ السابع بفضل إنتاج سينمائي يشمل ما يقرب من خمسين فيلماً أخرجها بين 1945 و2003، فضلاً عن مسيرته الواسعة مخرجاً مسرحيّاً. تتميّز أفلامه بطابعها الفلسفي وشحنتها الوجودية العالية، إذ سخّر لفنّه سيرته الذاتية وآثار نشأته في كنف عائلة لوثريّة كانت على ما يقول تغذّي في أفرادها حسّ الارتياب والإحساس بالإثم، فصوّر على امتداد أفلامه شخصيّات يتأكّلها عذاب الروح والجسد وتتناهبها مشاعر المرارة والقلق والبحث عن خلاص. من أشهر أفلامه “الخاتم السّابع” و”صراخ وهمسات” و”الفراولة البرية” و”عبر المرآة” و”مونيكا” و”مشاهد من الحياة الزوجية” و”فاني وألكساندر” و”سَرَبندة”. ويلاحظ متتبّع أفلامه أنّ القتامة التي تطبع أغلبها تكتسي في مرحلته الأخيرة نوعاً من الفرح والحنين والسّلم كما في “فاني وألكساندر” و”سرَبَندة”. كما أنّ جميع أفلامه، حتّى القاتمة منها، تعرب عن عناية شديدة بالمناظر الطبيعية السويدية، التي كان يقاربها بحساسية جمالية عالية ويوظّفها ببراعة في النموّ السرديّ للحبكة. ? ستيج داجرمان (1923-1954): كاتب وصحفيّ كان من أهمّ أدباء بلده في أربعينيّات القرن العشرين. طوال أربعة أعوام مجيدة، ابتداءً من 1945، توالى نشر أعماله الأدبية بغزارة، كما نشر في 1946-1947 سلسلة ريبورتاجات لافتة صوّر فيها معاناة الشعب الألمانيّ في أعقاب الحرب، واستنكر أن يحمل الشيوخ والنساء والأطفال المجوَّعون بالآلاف وزر جرائم النازيّة بعد سقوطها. واعتباراً من 1949 ألفى نفسه عاجزاً عن الكتابة وهو في ذروة مجده، ثمّ وُجد في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته منتحراً في سيّارته بعدما أغلق أبوابها وترك محرّكها دائراً. كانت الشبيبة السويديّة ترى فيه ضميراً أدبيّاً وفكريّاً، باحثاً عن الحقيقة يضطلع بدور مماثل لذاك الذي اضطلع به سارتر في فرنسا. من أشهر أعماله رواية “الأفعى” و”الخريف الألمانيّ” (ريبورتاجات) و”ديكاتوريّة الشجن” و”حاجتنا للمؤاساة لا إشباع لها”، وهما مجموعتا مقالات. وثمّة الآن في السويد جائزة أدبية باسمه تعتبَر الأرفع بعد جائزة نوبل. ? توماس ترانسترومر: شاعر ولد في 1931، وفاز بجائزة نوبل في 2011. توفّى أبوه مبكّراً فعنيت أمّه، المعلمّة، بتربيته. تخصّص في علم النّفس، وبعد فترة وجيزة علّم فيها بجامعة ستوكهولم، اتّجه لممارسته معرفته العلميّة في مساعدة المعاقين والمدمنين على المخدّرات والسجناء. وفي الأوان ذاته أنشأ عملاً شعريّاً معروفاً بكثافته واقتضابه، اقتضاب يقف، إلى جانب براعته في صنع الصّوَر الشعريّة، وراء فوزه بالجائزة. فليست الوجازة وحدها هي اللافتة في هذا العمل بل قوّة التكثيف وقدرته على الإشعاع بدلالات قويّة ينالها بأبسط الوسائل. وقد تعّمقت نزعة الاقتضاب هذه عنده بعد إصابته في 1990 بجلطة دماغيّة جعلته يعاني شللاً نصفيّاً. مع ذلك، دأب على العزف على آلة البيانو يوميّاً بيد واحدة، وعلى إملاء ما يودّ تدبيجه على زوجته مونيكا. ويتّسم شعر ترانسترومر بجدّة كبيرة وتحرّر من التأثيرات، وبدقّة في رسم الانفعالات التي يستمدّ أغلبها من حياته اليوميّة وتاريخه العائليّ. ? يان جيّو: ولد في 1944 لأب فرنسيّ وأمّ نرويجيّة، وهو حاليّاً من أشهر الروائيّين والصحفيّين السويديّين. اشتهر بسلسلة روايات بوليسيّة بطلها جاسوس سويديّ سمّاه كارل هاملتون، وبنشاطه الصحفيّ الذي مكنّه في 1973، بصحبة زميله بيتر برات، من إثارة ما عُرف بـ “فضيحة الآي بي”، وهو الاسم المختصر لمكتب استخبارات عسكريّة سويديّ سريّ يعمل بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكيّة على جمع معلومات عن المواطنين السويديّين لغايات سياسيّة. وبسبب هذا النشاط الذي سبق به الأمريكيّ إدوارد سنودن بعقود من السنوات، أُودِع هو وزميله السجن لمدّة ستّة أشهر. كما أنّه معروف في الصحافة المكتوبة والمرئيّة بمناهضته الحادّة لإسرائيل، ومن مقولاته عنها أنّ “نظامها يشبه نظام الفصل العنصريّ في أفريقيا الجنوبيّة سابقاً، مع فارقٍ يتمثّل في أنّ إسرائيل تقتل أكثر ممّا تعتقل”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©