الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد المنصوري: الترجمة تشبيك ثقافي

محمد المنصوري: الترجمة تشبيك ثقافي
29 ابريل 2014 19:39
حصل الدكتور محمد طاهر المنصوري من تونس على جائزة الشيخ زايد قسم الترجمة لهذا العام، عن كتابه (إسكان الغريب في العالم المتوسطي)، ويعد المنصوري واحداً من أبرز المترجمين والجامعيين التونسيين الذين تميزوا ببحوثهم العلمية الصارمة، عن هذا الفوز والجائزة والكتاب الفائز وحركة الترجمة في العالم العربي اليوم كان لنا معه هذا الحوار الذي أكد فيه أن شرفاً أثيلاً ناله بالحصول على هذه الجائزة التي تقدر جهود المبدع العربي، وتحث على العمل على إيجاد آليات ثقافية جديدة من خلال تكريس التنافسية العلمية التي جعلت منها قبلة يتوجه إليها كثير من الأكاديميين والمبدعين العرب بمختلف اهتماماتهم. ساسي جبيل في بداية الحوار شكر المنصوري جائزة الشيخ زايد (قسم الترجمة) وكل الذين اهتموا بالجائزة، وكل الذين شاركوه الفرح بالحصول عليها، وأشار إلى أن الجائزة «هي تقدير للشعب التونسي وللذكاء التونسي من خلال شخصي المتواضع، واعتراف لتونس بأنها أرض معطاء وخصبة وهي تحتاج إلى من يسندها ويقف إلى جانبها في الوقت الراهن لتكون أفضل مما هي عليه، وما تعيشه، خصوصا في السنوات الأخيرة». وقال المنصوري، إن الجائزة تعتبر وساماً يضعه هو نفسه على صدر كل تونسي في الوقت الذي تعيش فيه بلاده بعض الركود وعدم الاهتمام بالمثقف خصوصا والثقافة عموما، ويأتي هذا التكريم الإماراتي ليزيح عنه - أي المثقف - غبار النسيان. الجائزة أنصفتني ? كيف تلقيت نبأ حصولك على جائزة الشيخ زايد في قسم الترجمة؟ ?? ككل شخص يفوز بتتويج مهم، شعرت بالفرح والسرور لعدة اعتبارات أولها: أن جائزة الشيخ زايد أنصفتني وقدمت لي اعترافا أكاديميا لا يمكن إلا أن يزيد في عزيمتي ويدفعني إلى الأمام، وثانيا أيقنت أننا مبدعون خارج أوطاننا الضيقة وأن قيمة الباحث والمترجم لا تدرك إلا في الأوساط التي تعطي قيمة للمعرفة بغض النظر عن منتجيها، وهي من الأمور التي لم تتحقق في تونس سابقا ولم تتحقق راهنا ونأمل أن تتغير لاحقا. ? كيف تعرفت على الجائزة، وماذا تقول عنها وعن دورها في خدمة الثقافة العربية؟ ?? جائزة الشيخ زايد لا تحتاج إلى تعريف فهي ذات شهرة عالمية، وأعتقد أن النخب العربية أو النخب غير العربية المهتمة بالشأن الفكري والثقافي والأكاديمي لا تجهل الجائزة. فهي جائزة معروفة ولها اعتبارها في العالم وليس في العالم العربي فقط. والجائزة بالنظر لعدد المشتركين فيها نكتشف أهميتها في تحفيز الناس على الترجمة وعلى تجويدها إلى أبعد الحدود من أجل الحصول على الجائزة، خاصة أن المقاييس المعتمدة تدعو إلى الارتقاء بمستوى ما يترجم وبمستوى عملية الترجمة. ومن هذه الناحية يعتبر وجود الجائزة في حد ذاته محفزا للمترجمين وللأدباء وغيرهم ممن تهمهم الجائزة لإتقان ما يقدمونه من أعمال. كما تلعب الجائزة دور المحرك لدى النخب لاختيار ما يترجم ولإتقان ما يقدم، وهي بذلك تخدم نقل المعرفة الجيدة وبصورة تطمح لأن تكون جيدة. والترجمة في هذا المضمار أداة من أدوات تشبيك الثقافات الإنسانية فيما بينها وجعلها متكاملة. الكتاب الفائز ? لو حدثتنا عن العمل الذي شاركت به في الجائزة؟ ??بداية أود الإشارة إلى أنني من اقترح الكتاب للترجمة وليس الناشر، وها هو يفوز بالجائزة. واقترحت على الناشر ترشيحه للجائزة فلم يقبل إلا بشرط أن يتسلم نصيبا من الجائزة في حال فاز الكتاب بها، ولا أروي لكم ما حدث مع الناشر منذ الإعلان عن فوز الكتاب. والحمد لله أن الجائزة مكنتني من إيقاف جميع أنواع المعاملات مع هذا الناشر وسيأتي يوم أتحدث فيه عن ذلك. أما الكتاب موضوع الترجمة والحائز جائزة الشيخ زيد للكتاب فهو بحث يتناول مؤسسة الفندق أو المكان المخصص لإسكان الغرباء في العالم المتوسطي منذ الفترة الرومانية المتأخرة إلى نهاية العصر الوسيط. والمؤسسة موضوع الكتاب هي مؤسسة الفندق. تبدو مؤسسة الفندق مؤسسة معقدة التنظيم ومتنازع حول جذورها التاريخية وهي موضوع نقاش من الناحية الاصطلاحية. فهل هي ذات جذور يونانية أم لاتينية أم عبرانية أم عربية؟ كيف تناقل الناس المصطلح وكيف عبرت الكلمات، ومن خلالها المؤسسات المتعلقة بالفندق حدود اللغة والدين والمجال؟ وكيف تطورت هذه المؤسسة من مؤسسة لإسكان الغرباء عن أوطانهم إلى مؤسسة اقتصادية مختصة بنوع من أنواع الأنشطة أو البضائع؟ وكيف انتقلت التسميات من فندق الجنويين والقطلانيين والبنادقة وغيرهم من الجاليات التجارية إلى فندق الحبوب وفندق الزيت والقطن والبيض والبياض والكتان والغلة؟. انتشرت الفنادق وتطورت في الضفة الجنوبية للمتوسط منذ عهد الأمويين إلى عصر الأيوبيين (من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر). فقد أصبح الفندق بالإضافة إلى ما كان يقوم به قبل الإسلام تحت اسم البندوكيون، يضطلع بأدوار جديدة في العالم الإسلامي: فهو مؤسسة خيرية وتجارية في نفس الوقت، يؤمها المسؤول، ويأوي إليها ابن السبيل، والسائح المتصوف، ويقيم بها التاجر وهو ما جعله موضوع اهتمام الدول وموضوع تشريعات خاصة. ولعل الإطار الذي سمح للفندق بالترعرع والانتشار خارج بوتقة العالم الإسلامي هو النشاط التجاري الأوروبي المتزايد بعد القرن الحادي عشر، فقد اكتشف التجار الأوروبيون فاعلية هذه المؤسسة وحيويتها، فلم يتوانوا في تقليدها ونقلها اصطلاحا وشكلا هندسة وتنظيما ورمزا من العالم الإسلامي إلى العالم المسيحي الأوروبي بجناحيه الشرقي والغربي. وقد برهن الفندق على قدرته كمؤسسة في اختراق كل الحدود، إذ تبناه العالم الغربي بصورة تكاد تكون مطابقة للأصل العربي الإسلامي. لم يكن الفندق أداة لتسهيل المبادلات التجارية فحسب، بل كان أيضا نافذة على العالم الخارجي، وأداة لتلاقح الأفكار وتحقيق نوع من التعايش السلمي حتى ولو كان هشا. «فالفنادق لم تكن دائما مغلقة وجدرانها كانت دائما نفاذة». كما تناول الكتاب بالدرس تواصل الفندق في هذه الفضاءات الأوروبية الجديدة التي وقع انتزاعها من أيدي المسلمين وتطويعها للأوضاع الجديدة. فقد ظل الفندق فاتحا أبوابه لكل الوافدين بشروط في ظل الدول المسيحية المنتصرة وبعد أن كان في خدمة التجار المسيحيين أضاف إليهم الجاليات الإسلامية على اختلاف مشاربها وعلى اختلاف أنشطتها التجارية وغير التجارية. والكتاب يسمح لنا بالتعرف على تطور المؤسسة في حد ذاتها ويسمح بالكشف عن علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية بين العالمين الإسلامي والمسيحي ويسمح بتعديل نظرتنا لماضي العالم المتوسط فلم يكن دمويا كما قد يتبادر إلى الأذهان نتيجة للحروب الصليبية، فالكتاب يثبت وجود علاقات ودية رغم اختلاف اللغات والأعراق والأديان. الحمار القصير ? الترجمة في الوطن العربي باتت أشبه بحمار قصير عند البعض فهل لابد أن تترجم لكبار الكتاب العالميين ليعترف بك المشهد الثقافي؟ ?? إذا نظرنا إلى عديد الترجمات المتسرعة وغير الدقيقة يمكن أن نرى فيها حمارا قصيرا يمكن أن يمتطيه أياً كان وهذا للأسف صحيح. لا يجب أن نترجم كل شيء ولا يجب أن نترجم ما لا نعرف وموضوعه بالأساس. الترجمة في الوطن العربي فعل محدود وهو لا يخضع إلى دعم رسمي وحتى بعض المؤسسات المختصة في الترجمة في العالم العربي، باستثناء المنظمة العربية للترجمة التي تسعى إلى الاقتصار على ترجمة المنتوج الوطني او ما يتعلق بالوطن، والحال أن فعل الترجمة يجب أن يشمل التراث الإنساني ونقل ما امكن نقله إلى اللغة العربية للاستفادة منه، خاصة أن اللغات الأجنبية في تراجع ليس أمام لغة عربية جيدة بل أمام لهجات محلية لا يمكن أن نعتبرها لغة علم وإنما لغة تخاطب. وقد كتب احد الباحثين (خليفة الميساوي) مقالا عن موت اللغة العربية أمام زحف اللهجات المحلية. علينا أن نستفيد مما يكتبه الآخرون وان امكن في مختلف اللغات عبر تدعيم دراسة اللغات الأجنبية وعبر ترجمة اكثر ما يمكن من التراث الإنساني ووضعه بين يدي القارئ العربي. من ناحية اخرى علينا إذا كنا نرغب في المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية والتعريف بالفكر العربي وبالإنتاج العلمي وغيره أن نترجم في الاتجاه الآخر، فحتى يفهم العالم غير الناطق باللغة العربية بأن الحضارة في العالم العربي لها أعلامها ولها أقلامها يجب أن نقربها منه ونضعها بين يديه بلغته. لو نظرنا في واقع الشعوب محدودة العدد في العالم مثل اليونانيين لوجدنا أن حركة الترجمة من وإلى اليونانية تضاهي ما ننتجه نحن في العالم العربي كما نرى الإسبان وإقبالهم على ترجمة ما هو غير إسباني إلى اللغة الإسبانية حتى يستفيد الناطق باللغة الإسبانية مما لا يقدر على الاطلاع عليه في لغته. تؤدي حركة الترجمة إلى التراكم المعرفي والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى وتقلل من الانغلاق الذهني وتنمي ثقافة التعارف والتسامح بين الشعوب من خلال الاطلاع على التراث الفكري الإنساني الذي هو في واقع الأمر تراث مشترك. الترجمة عن وإلى الآخر ? هل نترجم عن الآخر لننقل له ثقافتنا أم نترجم الآخر لننقل معارفه وإبداعاته؟ ?? هناك فرق بين الترجمان والمترجم، فالترجمان هو الذي يترجم عن الآخر [interpret/interpreter] والمترجم [traducteur/translator] هو من يترجم الآخر. وقد وجدت الوظيفتان في التاريخ، ولكن نحن هنا بصدد ترجمة الآخر ونقل الأثر الفني أو العلمي من حقل ثقافي إلى حقل ثقافي آخر مختلف. وعلى المترجم أن يكون مدركا وواعيا بالاختلاف ومتمكنا من الثقافتين المنقول منها والمنقول إليها، لذلك في رأيي من غير المعقول أن يترجم الإنسان بعنوان معرفة اللغة ما يقع بين يديه من آثار فنية أو علمية. ومن هذا المنطلق تكون الترجمة عملا ابداعيا يعتمد الأصل المترجم لنقله وصهره في بوتقة حضارة أخرى وليس الأمر نقلا لغويا جافا وفي بعض الأحيان حرفيا حتى لو لم تكن العبارات والأفكار مستساغة في اللغة التي ينقل إليها الأثر. فكيف يمكن أن ننقل عبارة «كلام يثلج الصدر» إلى لغة أوروبية بصورة حرفية؟ فالمفروض أن نعرف مرادفها في لغة الآخر بحسب المعايير الحضارية الخاصة به. لذلك الترجمة من هذا الباب ليست ترجمة عن الآخر وإنما هي ترجمة للآخر للاستفادة منه وتطوير الذات وليس للبقاء في مستوى النقل. الترجمة يمكن أن تكون أداة للانطلاق ولا يجب أن تكون الترجمة هدفا في حد ذاتها وإنما أداة من أدوات المراكمة المعرفية والتجاوز إلى ما هو افضل. ? ماذا ينقص الترجمة اليوم في الوطن العربي وما هي النقائص المحيطة بها، وهل بإمكانها تحقيق الأهداف المنتظرة منها؟ ?? هناك محاولات عديدة في الوطن العربي للنهوض بالترجمة على المستويات الرسمية خاصة، ولكنها لم تتجاوز حدود ترجمة الذات أو صورة الذات، فهي ترجمات متقوقعة في بعض الأحيان عن الذات الوطنية وبعيدة عنها كل البعد. من نقائص الترجمة كذلك في أيامنا العربية هذه أن الكثيرين من المترجمين يترجمون من منطلق المعرفة اللغوية فقط في حين أن الترجمة تحتاج إلى المعرفة اللغوية والمعرفة العميقة بالحقل الذي يتناوله الأصل المعد للترجمة ومعرفة الحقل والمجال الذي ستتم إليه الترجمة. كما لا يخفى أن بعض الساهرين على النشر في القطاع الخاص ليس لهم حس فكري بقدر ما لهم التفكير التجاري المادي وينصبون أنفسهم من أهل المعرفة وممن لهم باع في هذا المجال أو ذاك وهو أمر معوق للإبداع عموما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©