السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نجـم البلـدة.... ظاهرة بحرية فريدة في المكلا

نجـم البلـدة.... ظاهرة بحرية فريدة في المكلا
13 أغسطس 2016 20:13
علي سالم (المكلا) شهدت مدينة المكلا عاصمة حضرموت فعاليات مهرجان البلدة السياحي الذي ارتبط بنجم البلدة الذي يزور مدينة المكلا الآمنة كل عام وتستقبله هذه المدينة الرائعة على طريقتها الخاصة... ولكن هذا العام نجم البلدة ومهرجانها السياحي اختلف عن كل عام، فقد جاء بعد توقف سنوات عانت فيها المدينة أهوال الأزمة اليمنية وتبعاتها من الحروب المتواصلة وآخرها محاولة تنظيم القاعدة الإرهابي إلباس مدينة الحب والسلام وشاح السواد والتطرف، فقد سخر الله لهذه المدينة الوادعة شباب النخبة الحضرمية وقيادة حضرمية واعية ممثلة في محافظ حضرموت اللواء أحمد سعيد بن بريك وبدعم قوي ومباشر من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، فكان التحرير... وهاهي المكلا تحتفي بمهرجانها من جديد. فقد دشن محافظ حضرموت ومعه قيادات السلطة المحلية بالمحافظة مهرجان البلدة السياحي هذا العام موجها رسالة للداخل والخارج بأن مهرجان البلدة هذه العام 2016م يأتي في ظل الأمن والاستقرار الذي تنعم به المكلا وحضرموت عامة ليرسم البسمة على شفاه أطفالنا وشبابنا. ومع تباشير هذا النجم الذي يبدأ من 15 يوليو يتجدد عشق البحر وأمواجه وشواطئه الذهبية فتنعم به المدينة. ونجم البلدة كما يطلق عليه أهل حضرموت أو منزلة البلدة كما يصف شكلها الفلكي (القزويني) «هي بقعة شاسعة من السماء تخلو من النجوم ويبرد فيها البحر ويعتدل المناخ ويبلغ قطرها 13 درجة تقريبا»، وهي ظاهرة بحرية فريدة ويغتنم السكان هذه الفرصة للاغتسال في مياه البحر الباردة لما لها من فوائد صحية وعلاجية كثيرة وثبت للأجداد علاجها للأمراض الجلدية. وقيلت الحكم والأشعار والأمثال حول هذا النجم ومن الأمثال الشائعة: «غسل البلدة ترجع العجوز ولده»! وأفضل الاغتسال في مياه البحر في الساعات المبكرة من الصباح أي قبل طلوع الشمس، ما يعيد النشاط إلى الأجسام. وأصبح مهرجان نجم البلدة حدثا سنويا يعكس الوجه التراثي والثقافي الذي تتسم به مدينة المكلا عاصمة حضرموت وما تمتلكه من مقومات حضارية واستثمارية لتسويقها داخليا وخارجيا بما يسهم في تنشيط العمل السياحي والتجاري. أهداف المهرجان يواكب مهرجان نجم البلدة عادة عدد من الفعاليات الرياضية والثقافية والترفيهية والتجارية، ومنها: السباحة المفتوحة، وسباق القوارب والتجديف والكرة الشاطئية (طائرة- قدم)، سباق الدراجات الهوائية، ويهدف المهرجان إلى استغلال الإمكانيات السياحية والترفيهية والعلاجية الطبيعية والجمالية لمدينة المكلا وتسويقها يمنيا وعربيا ودوليا، وتحريك الحياة الاقتصادية لمدينة المكلا لجذب الزوار والسياح، والمساهمة في نشر التراث الحضاري الحضرمي بكل فنونه، وتوجيه الاهتمام بالبحر كمورد اقتصادي متنوع العطاء والحفاظ عليه. وقته وصفاته ونجم البلدة يحل في الموسم الزراعي وبالتحديد في اليوم الخامس عشر من شهر يوليو من كل عام، ومنزلة البلدة كما يصف شكلها الفلكي (القزويني): «فضاء في السماء لا كواكب به بين العائم وبين سعد الذابح وليس فيه إلا نجم واحد خامد يكاد لا يرى وهي ستة كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس». يتوافق حلول شهر البلدة منتصف شهر يوليو مع اشتداد الرياح الشمالية وقوة انبعاث التيار الغائص وهذان العاملان (اشتداد ريح الكوس الشمال وعنف سريان التيار الغائص) يثيران حركة موج البحر وعظم كتلتها وحركتها العنيفة بدفع التيار الغائص الذي يدفع مياه الأعماق الباردة مع الحشائش الغائصة إلى السطح الذي تنشطه الرياح وتدفع بتلك الكتل المائية إلى شواطئ البحر العربي الجنوبية فتشيع البرودة. الاغتسال في البلدة من المشاهد المألوفة في المدن الساحلية بحضرموت نزول عدد من الناس إلى الشواطئ للاغتسال والسباحة في مياه البحر الباردة، فيخفف عنهم حرارة الجو ويزيدهم نشاطا ويقضون أوقاتا ممتعة على الرمال ولهم في الاستمتاع والتعلق بهذه العادة الاجتماعية العامة اعتقاد وطيد بإزالة أوساخ الدماء من الأجساد لذا يقولون: «إن الاغتسال في نجم البلدة يغني عن احتجام سنة ومعلوم تلك الفائدة الصحية من الحجامة». من المعلوم والمتعارف عليه في موسم البلدة أن تكون مياه البحر باردة ويعتقد عامة الناس أنها تشفي من آلام المفاصل والروماتيزم والنقرس وبعض الأمراض الجلدية وأوجاع الظهر المزمنة، وهو اعتقاد توارثه الناس ولم يعد مقصورا على أبناء حضرموت بل يشاركهم في ذلك أبناء الدول المجاورة الذين يتوافدون من دول الخليج وغيرها طلبا للاستجمام والاستشفاء. المدلول الثقافي والشعبي أكثر الفئات المهنية إحساساً بنجم البلدة وأشدها ارتباطاً بها وبمتغيراتها هم المزارعون والصيادون، ففي هذا النجم يتم التعاقد بين ملاك المزارع والعاملين عليها وبها يتحدد انتهاء العقد من البلدة إلى البلدة، وفيها يتم وضع بذور بعض المحاصيل وتثمر النخيل ويكثر الرطب ويقطع الكثير منه لتجفيفه على أرضية (الأحواش) وتعقد فيها وبعدها الزيجات وتقام الأسواق التجارية في القرى والوديان والمهرجانات (الزيارات) المرتبط بعضها بالأولياء الصالحين والبعض الآخر يرتبط بتقليد تجاري اجتماعي (زيارات المعارة والجوهيين والحامي ومعبر والمقد). أما الصيادون وهم الأكثر ارتباطا وإحساسا بنجم البلدة لكونهم المعنيين بالبحر مصدر كسب عيشهم فإن له دلالات خاصة وشعوراً متغلغلاً في وجدانهم فهم وفي عهد بدائيات وسائل اصطيادهم ومعداتهم البسيطة القديمة لا يستطيعون مواجهة الأمواج العاتية إلا العدد القليل منهم الذين يغامرون بخوض البحر في أول النهار يصطادون الأسماك القريبة من الشاطئ أو القابعة في الخلجان الهادئة لذلك فموسم يونيو- يوليو يعد إجازة إجبارية من العمل ويرحل معظم الصيادين إلى القرى القريبة من المدن ليعملوا في المزارع وبساتين النخيل. وأما من بقي منهم في المدن فيحتفل بمنتصف النجم وفي اليوم الثامن منه ويوافق الثاني والعشرين من يوليو حسب التوقيت النجمي المتعامل به اليوم يجعلونه يوم عيد فينوعون غذاءهم في ذلك اليوم فلا يأكلون السمك فيه ويطوفون جماعات بأضرحة أولياء الله الصالحين يقرؤون الفاتحة، سائلين الله أن يكون موسمهم السمكي القادم وفيرا ينالون فيه خيرا كثيرا وبعد الانتهاء من دعواتهم وابتهالاتهم يعقدون داخل الضريح مجلسا مشكلين فيه صورة الزورق يضربون الأرض بأيديهم في صورة المجاديف وهم ينشدون أهزوجة الإقلاع إلى أعماق البحار (الأعالي) المعروفة عندهم بقصيدة سوبان- سوبان وهي أهزوجة تعبر كلماتها عن معاناتهم وتفاؤلهم بصيد وافر ودعاء للرحمن بتيسير رزقهم. اللفظ (سوبان – سوبان)، ليس إلا مصدراً لكلمة سوب- يسوب بتشديده على الواو فهو – سوبان- والمقصود كما يرويه شيوخ الصيادين عند المقابلة معهم وليس له علاقة بالتعبد والوثنية. وكزملائهم المزارعين يحدد الصيادون عقود اتفاقيات العمل بينهم بنجم البلدة وفيه يستعجل الملاحون رحلاتهم للمتاجرة في التمور مستفيدين من انبعاث التيار الغائص وبقايا الرياح الجنوبية الغربية لتدفع سفنهم شرقا متجاوزين الممر المائي الخطر المعروف بـ (بغبة قمر)، وهي المساحة المائية الكائنة بين جزيرة سقطرى والشواطئ الشرقية لمحافظة المهرة وشواطئ ظفار بسلطنة عمان، ثم التوجه إلى بحر عمان فالخليج العربي، وقد عبر عن هذا الرحيل المستعجل الشاعر الملاح المرحوم سالم محمد مفلح (أبو راشد) على لسان (الصرنج) رئيس البحارة في مرشدته البحرية (ذكريات ملاح) قائلاً: اليوم في حسبة البلدة ثمان من يوم دخلت ونحنه في أمان ماشي مراسي ولا معنا صوان قد آخر النجم يلقي ازدحام علاج ثلاسو (ثلاسو)، كلمة يونانية تعني البحر وعلاج ثلاسو يشمل جميع الاستعمالات لمكونات ماء البحر وهوائه والرمل أو الطمي المتواجد في قاعه أو المحيط به، فبالإضافة إلى كلوريد الصوديوم والذي يمثل 75% من أملاح البحر يوجد بماء البحر مكونات أخرى مهمة لجسم الإنسان فيتوقع أن يوجد بماء البحر كل مكونات الأرض ومعادنها وأملاحها، حيث إن البحر يتكون من مياه الأنهار التي تصب فيه بعد أن تغسل تربة الأرض وأعلى تركيز لهذه المواد يوجد في قاع البحر من رمل أو طمي. أفضل استعمال لكل هذه المكونات هو تواجد المريض أو المصاب في هذا المناخ الصحي لعدة أيام، والتي تكون عامة في فصل الصيف. فالاستحمام في ماء البحر والوقوف والمشي والسباحة بين أمواجه والجلوس والاستلقاء على الشاطئ تحت أشعة الشمس أو تحت المظلة قبل أو بعد الحمام له فوائد صحية عديدة، بالإضافة إلى تأثيره الترويحي، فتلاطم الأمواج وتكسرها على الجسم وكذلك تأثيرها في تحريك الجسم لأعلى الجسم ولأسفله يؤدي إلى الشعور بالراحة والاسترخاء. ويمكن أيضا تطبيق تمرينات علاجية داخل الماء وعلى الشاطئ يمكن استعمال الرمل كوسيلة لنقل الحرارة إلى الأجزاء المصابة من الجسم المصاب وعلاج (زامو) ويعني (العلاج بالرمل)، يمكن تطبيقه على الجسم كله أو جزء منه ويؤدي هذا النوع من التطبيق إلى إفراز العرق بغزارة وله فوائد عديدة خاصة للمصاب بأحد مفاصله ومحاط بالمفصل المصاب ورم واضح فبعد استخدام حمام الرمل يتبع ذلك نزول المصاب إلى ماء البحر ثم يجفف ويطبق على الجزء الأنسب للإصابة والتدليك الطبي ثم يتبعه استعمال التمرينات العلاجية المناسبة. تعرض جسم المصاب للشمس على فترات منتظمة يؤدي إلى رفع مقاومة المصاب ضد ضربات الشمس وإصابات الحساسية، وأيضا للاستفادة من الأشعة فوق البنفسجية وتأثيراتها الكيميائية على مكونات سطح الجسم وتحويلها إلى مواد ضرورية لبناء وتجديد خلايا الجسم. وأثناء تواجد المصاب على شاطئ البحر لابد وانه سيتعرض لتيارات هوائية نقية وبأخذ الحيطة المناسبة وتعرضه لجرعات منظمة ومتزايدة يؤدي إلى تحسن ظاهر في قوة الجلد خاصة وجميع أجهزة الجسم عامة. ما بعد التحرير.. غير تحاول مدينة المكلا كل مرة في مهرجان البلدة أن تبدو في أجمل حلة وتقدم أروع ما تملك من إمكانيات جمالية وفنية... وهذا العام مهرجان البلدة غير، فالسعادة بدت على محيا الجميع، وألوان الفرح زاهية تجدد العهد بان لا يكون بين أهلها وناسها الطيبين متطرف أو إرهابي. إن مهرجان نجم البلدة الذي تنظمه هذه البلدة الطيبة (المكلا) هو عنوان حضرموت الكبير تبذل قصارى الجهود من الجميع لتستحدث كل عام ما هو جديد مستوحى من تاريخ وثقافة حضرموت فقد أصبح هذا المهرجان بفضل القائمين عليه والمساهمين في إنجاحه معرضاً فنياً عملاقا لكل ما تكتنزه حضرموت وعاصمتها المكلا بداخلها من فن وتراث وعلم، فاتحين قلوبهم وصدورهم فرحين بكل زائر لمدينة الحب والسلام والجمال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©