الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معارض الكتب.. معين المعرفة الذي لا ينضب

معارض الكتب.. معين المعرفة الذي لا ينضب
29 ابريل 2014 19:32
مثل الكتاب في الثقافة الإنسانية أحد أهم الروافد المعرفية التي لا غنى عنها، فهو حمال علوم ومعارف، وهو رفيق وجليس، ومعين لا ينضب يشكل أذهاننا، ويصوغ تفكيرنا، إنه البحر الذي لا حدود لمده، وهو الذي مثل في كل الحضارات حجر الزاوية الذي نقل المعارف والإبداعات، وأسس لأنساق ثقافية مختلفة، اجتمعت كلها حوله لتصنع تاريخها، وتؤثث مجالها بما يحمله بين طياته من كنوز، فهو كما هو متعارف عليه خير جليس في الثقافة العربية الإسلامية، وهو الذي حمل لنا فلسفة اليونان وعلومهم، وهو الذي كان وراء النقلات الإيبستمولوجية المعرفية التي أكدت اجتهاد الانسان في كل زمان ومكان لبناء معرفة مستجدة، فكانت الترجمات وكانت الدراسات إلى الحد الذي أصبح فيه الكتاب وجبة ثابتة لا مناص منها. الاتحاد الثقافي تمثل معارض الكتب اليوم إحدى العادات الحميدة التي دأبت الجهات الرسمية، وغير الرسمية في العالم على تنظيمها في كل مرة لتقريب الكتاب من الناس على اختلاف اتجاهاتهم وتوجهاتهم، ومثلت هذه الفضاءات التجارية والثقافية في آن واحد أسواقاً للمعرفة والعلم والفكر والفنون، يقصدها المهتمون كوجهة تزود بأمهات الكتب، وآخر الإصدارات التي ألقت بها المطابع ودور النشر في مختلف الأصقاع. معرض فرانكفورت للكتاب يعتبر معرض فرانكفورت الدولي للكتاب أكبر تظاهرة دولية ثقافية تعنى بالكتاب والأدب بصفة عامة، فهو الأقدم والأهم في العالم، ولا يزال متمسكا بحضور لافت إلى يوم الناس هذا، إذ يبلغ عمره أكثر من خمسة قرون، هذا المعرض مثل دائما فرصة للقاء بالنسبة للآلاف من المثقفين والكتاب والباحثين والناشرين من كل دول العالم، وهو يجمع أيضا ملايين العناوين من كل البلدان والثقافات، ويجمع بأفكاره المبتكرة، وسعيه في كل مرة إلى مزيد ترسيخ التواصل الحضاري بين الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، باعتباره مناسبة مفتوحة ومنفتحة على كل الثقافات، كما أنه لا يمثل فقط سوقا للعرض، بل يتجاوز ذلك للحوار الحضاري وتبادل الخبرات والمعارف، إذ تحتل الندوات الفكرية فيه حيزاً مهماً بالتوازي مع سوق العرض، كما يشهد مشاركة كبار الأدباء والكتاب والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات المعرفية والعلمية، حيث يتجاوز معرض فرنكفورت الدولي للكتاب سوق العرض ليمثل ملتقى بين المشتغلين في صناعة الكتاب وتقنياته المكتوبة والمسموعة والمرئية، ويجد فيه صناع الثقافة من المبدعين والمثقفين والكتاب فرصة استثنائية لإبرام العقود في مجال النشر والطبع والتوزيع على أعلى مستوى من الجودة والفاعلية. فالترويج للمعرفة وما يتصل بها من آليات يمثل أولوية في رؤية المشرفين عليه، وهم الذين جعلوا منه اليوم منصة عالمية تشرف كل مشارك فيها، وتحقق له الإضافة التي يصبو إليها، فمفهوم السوق في هذا المعرض لا يهيمن على كل دواليبه، بل يتجاوزها للتثقيف والترفيه وإرواء الظمأ المعرفي من خلال الأنشطة الموازية والمنابر المختلفة، إذ يطلع الزوار في هذا المعرض على أحدث الإصدارات المكتوبة والمسجلة والمصورة، كما يناقش الضيوف مسائل ذات علاقة وطيدة بالكتاب من جميع الجوانب. والحقيقة أن كثيرا من معارض الكتب العربية بالخصوص باتت اليوم في حاجة إلى تجديد نفسها ومواكبة آخر التطورات الحاصلة في عالم الكتاب ،وما يتعلق به للوصول إلى تحقيق المزيد من الإشعاع والتميز لمثل هذه المنابر والفضاءات المفتوحة على مصراعيها للفكر والمعرفة والأدب والفنون كافة. ففكرة إقامة معارض الكتب في كثير من المعارض في الوطن العربي إقتصادية بالأساس، وهذا خطأ فادح لابد من تجاوزه، لأن طالب الكتاب والباحث عن الجديد في عالم الثقافة يحتاج أيضا إلى غذاء فكري حقيقي ومكمل للكتاب من خلال لقاءات الكتاب بالقراء، ولقاء الناشرين والمؤلفين في حوارات من شأنها أن تشير إلى مواطن الخلل أحيانا، وهي مجال لطرح الإشكاليات الفكرية والمعرفية العالقة اليوم في مجتمعاتنا العربية، فالتجاري وحده بات العنوان العريض للكثير من المعارض، وهذا للأسف يعود عادة إلى قصور في رؤية بعض الإداريين الذين لا علاقة لهم بالإبداع والفكر والثقافة من قليل أو من بعيد، وحتى بعض المعارض العربية التي تكثف من اللقاءات الفكرية والجلسات نجد أغلبها يركز على العلاقات الخاصة والأسماء المستهلكة لا لشيء إلا لأن تركيزها على الكمي يجعلها تتجاوز النوعي، وتكتفي بمجرد المجاملة وتسجيل الحضور. معارض الكتب في الإمارات المتأمل في خارطة معارض الكتب في الإمارات يلمس ذلك الاهتمام الموصول بالكتاب وأدواته، سواء من خلال المعارض الرسمية، أو المعارض الخاصة في العديد من الفضاءات الثقافية والتجارية، ويعتبر معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب من أعرق المناسبات في هذا المجال، إذ يستقطبان الاهتمام أكثر من غيرهما، ويعتبران قبلة للكثير من المثقفين وأحباء الكتاب في منطقة الخليج العربي، كما ينفتح المعرضان على الكثير من التجارب الفكرية العالمية، ويحرصان دائما على تناول إشكاليات النشر والتوزيع والطباعة، وكل ما يتعلق بالكتاب من قريب، أو من بعيد. كما أرست الشارقة تقليدا جميلا من خلال مهرجان الشارقة القرائي الموجه أساسا إلى الأطفال والناشئة من طلبة المدارس والمعاهد الثانوية، واستطاع هذا العام فقط أن يستقطب أكثر من 140 ألف زائر، منهم 50 ألفا من طلاب المدارس، والمسألة المثيرة للانتباه حقا في بعض معارض الكتب في دولة الإمارات العربية المتحدة هو حرص الهيئات الثقافية والمؤسسات الرسمية على تخصيص ميزانية لاقتناء الكتب ومساعدة الناشرين، ولعل آخر رقم تحتفظ به الذاكرة مثلا هو تخصيص سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة لمليوني درهم في المعرض القرائي الأخير لفائدة المدارس والمكتبات والإدارات بغاية اقتناء المؤلفات من المعرض الذي انتهت فعالياته في 25 أبريل الجاري، ومثل هذه المبادرات من شأنها أن تشجع الناشرين على المشاركة، وتساهم في دعم المكتبات العامة ومكتبات المدارس والإدارات الحكومية، وقد نسجت جهات كثيرة في الإمارات على منوالها، ولو بشكل محتشم أحيانا، خلا أن أصحاب القرار ماضون بالفعل في سبيل رفد المؤسسات العامة والجمعيات بالكتب في إطار دعم يتزامن عادة مع هذه المعارض، إلا أن البرامج الثقافية الموازية في بعض المعارض تبقى في حاجة إلى مزيد الدراسة والمراجعة كلياً باعتبار أن الأسماء المدعوة التي نراها دائما تتكرر، وهو ما يطرح سؤالا مهما، وهو: لماذا لا تتكون لجان فكرية داخل إدارات بعض المعارض لإعداد البرامج الفكرية الخاصة على هامش كل معرض، وفق منهجية تقوم على التنويع وتحقق الإضافة المنتظرة. معارض الكتب العربية باتت معارض الكتب العربية اليوم تقليداً في أغلب العواصم العربية تقريبا، باعتبار أن سوق الكتاب العربي بالخصوص أصبحت في أمس الحاجة إلى مثل هذه المناسبات، وكانت القاهرة وبيروت سباقة في هذا المجال، لكن الأمر اليوم عمم على كل البلدان العربية تقريبا بنسب متفاوتة في النجاح في التنظيم، وهو ما يقيم الدليل على أن الوطن العربي يقرأ بخلاف ما يروجه البعض من أن ما تدفع به المطابع العربية كثيرا ما يبقى بين الرفوف، إذ تشكل المعارض العربية في مجال الكتاب مناسبات واقتصادية في الغالب، أما الثقافي في كثير منها، فيأتي في درجة ثانية، وهذا ما نلاحظه من خلال بيع العطور والحشائش أحيانا، وبيع بعض الكتب الصفراء في بعض المعارض وخصوصا في بعض البلدان العربية التي عاشت ما يسمى بهتانا بالربيع العربي، فمن الخطورة بمكان أن نجد في بعض المعارض كتبا تنادي للجهاد، أو تقوم على الحقد والتكفير ورفض الآخر، وهو ما بدا جلياً في أكثر من فضاء عربي خلال السنوات الأخيرة، وهو أمر على المؤسسات الثقافية المنظمة وهي أساسا وزارات الثقافة والهيئات التابعة لها أن توقف نزيفه وتحد من حضوره في مناسبات من الضروري أن تكون محطات للانفتاح والتقارب والتواصل بين مختلف الثقافات، بعيدا عن العصبية المقيتة والأصولية المقصية للآخر. وأخيرا إن الكتاب وأدواته على اختلافها، والمعارض وأدوارها المختلفة تحتاج منا اليوم أكثر من أي وقت مضى لنجعل منها منابر للفكر الحر والأدب الإنساني الذي لا حدود له، ومحطات للتزود بالمعرفة الخصبة في الوقت الذي باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة تهرّب القارئ نحو الفضاءات الافتراضية، وتأخذه إلى عوالم أخرى بعيدا عن القرطاس والقلم، الذي كان لهما الفضل علينا في جميع مراحل حياتنا التربوية والثقافية والفكرية، وسيظلان كذلك على مر الأزمنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©