الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتراف بالمشكلات... وصفة للنجاح في أفغانستان

الاعتراف بالمشكلات... وصفة للنجاح في أفغانستان
22 نوفمبر 2009 00:04
شكل تنصيب الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، خلال الأسبوع الماضي مناسبة مهيبة في ظل السحب القاتمة التي تتجمع في سماء أفغانستان الزرقاء وأعمدة الدخان التي مازالت تلوح في الأفق نتيجة الانفجارات، وليس الأمر بأقل مهابة عند المراقبين الدوليين الذين حضروا للمشاركة في حفل التنصيب وسط التساؤلات التي تنتهي بإجابات غامضة وحيرة واضحة واعتراف ضمني أنه لحد الآن لم تبرز فكرة، أو اقتراح قادر على تغيير الوضع الأفغاني للأفضل ووقف فقدان السيطرة المستمرة للحكومة الأفغانية على البلاد. والسبب في هذا النزيف الأفغاني ليست الانتخابات المزورة، أو استمرار سقوط القتلى في صفوف القوات الأجنبية، فذلك وإن كان أمراً سلبياً إلا أنه ليس نهاية العالم، فقبل عامين تقريباً سمعت دوي التفجيرات التي استهدفت فندق "سيرينا" في كابول والذي خلف سبعة قتلى، وفي ذلك الوقت أيضا سمعنا من يشكك في شرعية الحكومة الأفغانية ويطالب بإدخال إصلاحات عاجلة دون أن تقود هذه المطالب إلى نتائج ملموسة، وبالمثل أجريت الانتخابات مرتين ورغم كل ما شابهما من تزوير إلا أننا في الأخير استطعنا البقاء والاستمرار. والواقع أن المحبط بشأن الوضع في أفغانستان ليس تدهوره، بل لأنه يفشل في التحسن، ففي الوقت الذي غادرت فيه القوات الأميركية فيتنام على الأقل، أثبتت القوات الفيتنامية الجنوبية قدرتها على الوقوف في وجه عدوها حتى وإن تطلب ذلك إسناداً جوياً كبيراً وفرته لها القوات الأميركية، أما في أفغانستان فإن "طالبان" ما فتئت تزحف يوماً بعد يوم على المناطق الجنوبية التي تسقط تباعاً في أيدي المتمردين، هذا في حين بدأ التأييد الشعبي للحرب في الدول الغربية التي تنتشر قواتها في أفغانستان يخبو مع مرور المزيد من الوقت وسقوط المزيد من القتلى. فهل تستطيع 40 ألفا من القوات قلب الوضع رأساً على عقب وخلق واقع جديد؟ في أفضل الأحوال ستساعد تلك القوات على كسب بعض الوقت شريطة أن يُستغل على نحو جيد لأن العنصر الأهم في إنجاح جهود مكافحة التمرد ليست القوة العسكرية بقدر ما هي الاستمرارية والقدرة على البقاء، فأي شخص سيكون أحرص على تبادل الود مع من يعتقد أنه سيبقى خلال العشرين عاماً القادمة سواء لرد الجميل، أو للانتقام، وفيما توفر "طالبان" هذه الإمكانية تعجز الولايات المتحدة عن التعهد بالبقاء في وقت يستمر فيه وضع الحكومة متذبذباً وغير واضح، وفي هذه اللحظة يدور الصراع في أفغانستان بشكل رئيسي حول الأفغان، وليس الوجود الأجنبي في البلاد أكثر من متفرج. ومالم يقم توازن قوة بين جميع الأطراف الأفغانية على أن يبقى مستمراً دون مشاكل، فإن الانسحاب من البلاد سيعجل باندلاع حرب أهلية وبإفشال جميع الجهود التي بذلت لحد الآن في تهدئة الأوضاع، لكن في نفس الوقت وطالما ظلت القوات الأجنبية هي من تسيطر على الصراع مع "طالبان"، ومادام يُنظر إلى أميركا على أنها الحَكم الذي لا غنى عنه في السياسة الأفغانية لن يتم أبداً التوصل إلى التوازن المطلوب بين الأفغان. فقد بات معروفاً الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في حماية الحكومة وإعفائها من واجب تحمل مسؤوليتها في الصراع مع "طالبان"، والحال أنه مالم تستشعر حكومة كرزاي خطورة الوضع والتهديد الذي يحدق بوجودها فإنها لن تضطر أبداً إلى تحسين مستواها. لهذه الأسباب جميعاً دعونا نفشل في أفغانستان، فلو أخفقنا اليوم وبالطريقة الصحيحة سنمنح الأفغان فرصتهم الذاتية للنجاح، ويمكن القيام بذلك على النحو التالي: لقد ناضلت الولايات المتحدة لتوسيع تحالفها في أفغانستان ليشمل دولًا حتى وإن كانت لا ترسل أكثر من بضع عشرات من الجنود وتختلف جوهرياً في سياساتها، فدعونا نفشل في هذه المعركة بمعنى نخفض التحالف إلى حجم نستطيع التحكم فيه. ولتوسيع سلطة الحكومة الأفغانية على جميع مناطق البلاد وضع التحالف الغربي جنوده في قواعد ثابتة وجعلهم يسيرون دوريات في المدن والبلدات الأفغانية ما جعلهم عرضة للهجوم، ومع ذلك تظل أجزاء واسعة من البلاد خارج السيطرة الحكومية ولم تسهم النجاحات العسكرية في توسيع تلك السيطرة. لذا دعونا نقر في هذه المعركة أيضاً بتعثرنا ونسحب قواتنا مع نهاية العام 2010 إلى قواعد محصنة يمكن من خلالها دعم القوات الأفغانية في الحالات الطارئة لينتهي ذلك التصور الرائج لدى الأفغان بأن الحرب في بلادهم يقودها الأجانب. وربما ستعاني القوات الأفغانية من جراء هذا الانسحاب لكن في جميع الأحوال سيكون عليها مواجهة مصيرها بعد رجوع القوات الأجنبية إلى بلدانها، وهو ما يجعل من فرص نجاحها اليوم أوفر قبل ترسخ قوة "طالبان" وزحفها على مناطق أخرى وقبل أن ينفد الصبر الأميركي. وأخيراً علينا أن نخسر معركة البحث عن حكومة مناسبة لأفغانستان لأن المهمة ببساطة لا تخصنا، فليس من شأننا اختيار الوزير الأفضل لأن معاييرنا لا تتفق دائما مع المعايير الأفغانية، بل الأهم من ذلك أنه عندما ينظر إلى حكومة ما على أنها صنيعة قوة أجنبية فإن فشلها غالباً ما يُرد إلى تلك القوة، فلنسقط جميع الأقنعة ولنترك إخفاقات الحكومة الأفغانيــة مكشوفة للعيان بنفس درجة وضــوح النجاحات إن وجدت، وبمعنى آخر لنترك تلك الحكومة تواجه قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح، فإما أن تتأقلم وتبقى على قيد الحياة، وإما أن تندثر. باحث في مركز "كار" لحقوق الإنسان التابع لجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©