الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

خصوصيات متقاطعة في التعبير البصري الإنساني

خصوصيات متقاطعة في التعبير البصري الإنساني
17 ابريل 2013 00:18
إبراهيم الملا (دبي) ـ يعمل مهرجان الخليج السينمائي ومن ضمن أهدافه لتعميم مخرجات الفن السابع، وإشاعة الثقافة السينمائية في المكان، إلى استقطاب مجموعة من الأفلام الدولية في مسابقة مستقلة تشهد في كل دورة من دورات المهرجان إقبالا ملحوظا من السينمائيين الخليجيين الباحثين عن أعمال ذات مرجعيات مختلفة ومواضيع متنوعة وأساليب إخراجية تملك خصوصيتها وتتقاطع أيضا مع التعبير البصري الحرّ والمتاح لمختلف الأذواق والانتماءات. وفي الدورة الحالية من المهرجان استقبل المهرجان ستة عشر فيلميا روائيا قصيرا من مختلف بلدان العالم، من أجل التنافس على الجوائز المخصصة لهذا البرنامج، والذي بدا نوعيا ومستقطبا لأجود الأعمال المنتجة في دول موزعة على خارطة شاسعة جغرافيا ومن هذه الدول فرنسا واليونان وإيران وكندا وإسبانيا والهند ومولدافيا وفنزويلا ولبنان، وغيرها، وشكلت هذه الأفلام مزيجا فنيا وإبداعيا ضم تجارب متقدمة في حقل الإنتاج السينمائي. وهنا عرض لبعض الأفلام الدولية التي لاقت صدى إيجابيا من الحضور وتميزت بقوة الطرح وجاذبية الأداء الفني والتمثيلي، وغلبة الطابع الاحترافي على أساليب الإخراج والتقنيات القياسية المستخدمة في تنفيذ الأفلام. الحلم والتضحية ففي فيلم بعنوان «عظام مهجورة» للمخرج الهولندي المشهور باسم مفرد هو (روستو) يعرض لنا الفيلم فكرة تتمحور حول خلق الحلم وتقديم التضحية، وهي فكرة تنطلق من مقولة يعرضها الفيلم في بدايته وتبوح بكلمات مفعمة بشعريتها كما بعبثيتها المروضة، مثل: «انهمري أيتها الأرواح، ولتتغمدك الأرض المتعفّنة، قليلا مما يعلمون، سيقومون بتحقيقه اليوم»، ويحلق بنا الفيلم من خلال تقنيات الأنيميشن والغرافيك، إلى زمن حلمي ومستقبلي، نرى فيه رجلا بعين مثقوبة وهو يحمل مذعورا حقيبته التي يهرب بها من خيالات وأشباح تطارده أينما اتجه، ويرتحل بنا الفيلم إلى عوالم سوريالية وكابوسية، حيث نرى قامات هلامية لرجال غامضين، يصاحبهم موسيقيون معلقون في الهواء، وهم يجبرون الرجل صاحب الحقيبة على السقوط في بئر تمتد إلى هاوية سحيقة، وهناك يبرز رجل شبيه به يقوم باستلام الحقيبة والدخول في مغامرة أخرى ولكنها مكررة للهروب من أعداء ومطاردين لا يمكن هزيمتهم، ولكن بالإمكان وضعهم في الدائرة الجهنمية ذاتها التي تجمع الجلاد بالضحية، بانتظار معجزة ما باستطاعتها كسر هذه الحيرة الكبرى وهذا التوهان الأبدي. وسبق لمخرج الفيلم الفوز بالعديد من الجوائز في مناسبات ومهرجانات سينمائية شهيرة في أوروبا، ويتميز أسلوبه بالمزج بين حقول فنية وأدبية وفلسفية ونفسية من أجل صياغة أفلام تحريك تتجاوز ثنائية الزمن والمكان والخير والشر والمألوف والغرائبي، انتصار لرغبته في التجريب والذهاب إلى أقاصي المغامرة البصرية في فضاءات السينما المعاصرة. حبل الموت وفي فيلم للمخرجة اللبنانية هبة طواجي بعنوان «الحبل» يروي الفيلم قصة صاحب الدكان المعلم يوسف الذي يعاني من مشاكل مادية سببها قلة توافد الزبائن على دكانه الصغير، وطيبته الزائدة التي تدفعه لتقديم بضاعته بالدين لأصدقائه والمقربين منه، وفي مشهد أقرب إلى الخيال، يتفاجأ يوسف قرب دكانه بوجود حبل طويل يتدلى من السماء ويخترق الغيوم إلى ما لا نهاية، ويتحول هذا الحبل الغرائبي إلى مزار جماعي يتحلّق حوله الجميع، وتنتعش الحركة في المكان وينتعش معها دكان يوسف الذي بات ثريا بين ليلة وضحاها، ولكن الأمور تأخذ منحى معاكسا، وتتحول تدريجيا إلى لعنة وكارثة، بعد أن تسلط الأضواء الإعلامية على يوسف وتكال له عدة تهم مثل الدجل والجاسوسية، وتبدأ عائلته بالتفكك ويفقد زوجته التي تخونه مع مسؤول البلدة ويفقد أبناؤه الذين أفسدهم الثراء المفاجئ لوالدهم، وعندما يكتشف يوسف وجود كاميرات مراقبة في كل زاوية بمنزله يصاب بلوثة عقلية، وينتهي به المطاف إلى شنق نفسه بالحبل المتدلي من السماء، في لقطة صامتة ومؤلمة تتضمن الكثير من التأويلات والدلالات غير المباشرة والصادمة أيضا. نظرة ملتبسة وفي عمل آخر جميل ومعبّر تم إنتاجه وتصويره في الهند بعنوان: «الله أكبر» يقدم المخرج الإيطالي (أندريا لانيتا) فيلما مفعما بالأحاسيس الإنسانية التي تتشوّش أحيانا بالانفعالات الذاتية الحادة عندما يحكم أحدنا على الآخر من وجهة نظر ملتبسة هي أقرب إلى العنصرية والنظرة الدونية للشعوب الأخرى الفقيرة، أو التي تنتمي لعرق وديانة معينة، واعتمادا على هذا المفهوم الملتوي وغير المنصف، يشرع الفيلم في نسج خيوطه السردية حول مهندس دانماركي يذهب في رحلة عمل إلى الهند، وعندما يبدأ بتجهيز حقائبه للسفر إلى دولة أخرى في رحلة عمل جديدة، يتفاجأ بمجموعة من الأهالي وهم يقدمون له الهدايا البسيطة المعبرة عن امتنانهم لما قدمه من خدمات هندسية لقريتهم النائية، ولكن مشكلة الرجل تبدأ مع سائق التاكسي المسلم (سالم) الذي يقوده إلى المطار ويدخل معه في نقاشات أيديولوجية وسياسية، وعندما يقول الدانماركي للسائق أن الهند هي أكبر دولة ديمقراطية في العالم، يرد عليه السائق بأنها ديمقراطية مزيفة، لأن من يملك أكثر هو الذي يتحدث أكثر وهو الذي يسيطر على القرار ويحركه على هواه. وتتوالى المشاكل عندما يتفاجأ السائق بمظاهرة غاضبة في الشارع، فيضطر لأخذ شارع جانبي غير مسفلت، مما يؤدى إلى انفجار الإطار وحدوث عطل مفاجئ في السيارة القديمة والمتهالكة أصلا، وهنا يبدأ الدانماركي في فقدان أعصابه خوفا على تأخره عن موعد الطائرة، وبعد أن تخفت حدة التوتر ويتم إصلاح السيارة، يتوقف سالم بعد مسافة قصيرة يقطعها كي يؤدي فريضة الصلاة، فيصاب الدانمركي بحالة من الهيجان التي يخفف سالم من أثرها بهدوئه وتوكله على الله في تدبير مسائل وشؤون البشر، وهو ما يحدث فعلا عندما يدخل المهندس المطار ويطرد السائق دون أن يعطيه المبلغ المتفق عليه كاملا، ويكتشف أن طائرته على وشك التحليق ولا مجال للحاق بها، فيخرج محبطا ويقرر السفر في اليوم التالي وفي إحدى المطاعم القريبة من فندقه الجديد يرى على شاشة التلفاز صورة طائرته التي لم يلحق بها وهي محطمة في إحدى الغابات بعد أن فجرها إرهابيون أثناء تحليقها في الجو، وفي لحظة إنسانية متدفقة بمشاعر غريبة وفائضة يستعيد الرجل وبندم اللحظات والمحطات التي جمعته بالسائق المسلم، وكيف أن صلاته أنقذته من نهاية دراماتيكية مفجعة، وفي لقطة الختام نرى المهندس وهو يتصل على هاتف السائق كي يعتذر له ويعيد له المبلغ الباقي، ومع رنين الهاتف النقال المرمي في التاكسي والذي لا يرد عليه أحد، ترتحل الكاميرا في لقطة متواصلة إلى خارج كابينة القيادة، حيث نرى السائق وهو يصلي وسط طبيعة ساحرة وصامتة ومستسلمة لخشوعها العميق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©