الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وبيلاروسيا: فصل التوتر

23 يونيو 2010 21:16
شرعت روسيا يوم الاثنين الماضي في قطع إمدادات الغاز الطبيعي عن جارتها بيلاروسيا فيما يبدو أنه نزاع جديد حول الطاقة بدوافع سياسية واضحة ومألوفة. ويستبعد الخبراء تأثير النزاع الأخير على أسعار الغاز بالنسبة للمستهلكين في أوروبا التي تعتمد على روسيا في تلبية أكثر من ربع احتياجاتها من الغاز، وذلك خلافاً للمرات السابقة التي توترت فيها العلاقات الروسية مع أوكرانيا وتأثير ذلك على الإمدادات الأوروبية من الطاقة. فأنابيب النفط التي تمر من بيلاروسيا لا تحمل سوى 20 في المئة من الصادرات الروسية إلى أوروبا، هذا فضلا عن تراجع الطلب الأوروبي حالياً مع اشتداد حرارة الصيف وانتفاء الحاجة إلى التدفئة. لكن رغم ذلك تعكس المواجهة الحالية مع بيلاروسيا استمرار موسكو في توظيف الطاقة كإحدى أدوات سياستها الخارجية، لاسيما في ظل المشاكل التي تسبب فيها رئيس بيلاروسيا، "ألكسندر لوكاشينكو"، ونفاد صبر المسؤولين الروس في التعامل معه. فهو وإن كان يظهر انسجاماً مع الموقف الروسي العام إلا أنه اختط لنفسه طريقاً مستقلا عن التوجهات الروسية، ليبدأ الخلاف في التصاعد بين الطرفين في الفترة الأخيرة. فقد أصر لوكاشينكو خلال الشهور الماضية على موقفه الرافض للانضمام إلى اتحاد جمركي يضم، بالإضافة إلى روسيا، كلا من بلاده وكازاخستان، وهو اقتراح كان قد طرحه رئيس الوزراء الروسي، بوتين، في وقت سابق، بل أكثر من ذلك طالب لوكاشينكو، في مقابل تعاونه مع روسيا، بإعفاء واردات بلاده النفطية من الرسوم الجمركية. كما أنه، وفي تصعيد آخر، منح حق اللجوء إلى رئيس قرغيزستان المخلوع "كورمان بيك باقييف"، خلافاً لرغبة موسكو كما تقول بعض المصادر. وعن هذا الموضوع يقول "يورسلاف رومانشوك"، الباحث في معهد "استراتيجيا" بالعاصمة البيلاروسية، منسيك، "إن القطع الحالي لإمدادات الغاز ليس سوى فصل آخر في مسلسل العلاقات المتوترة بين روسيا وبيلاروسيا، لاسيما بعد رفض الرئيس التوقيع على اتفاقية إنشاء اتحاد جمركي مع بوتين"، مضيفاً أن البلاد "ستشهد عما قريب انتخابات رئاسية، ويبدو أن بوتين وميدفيدف لم يعودا قادرين على تحمل لوكاشينكو بعدما فقدا أي أمل في تغير مواقفه". وهكذا أمر الرئيس ميدفيدف يوم الإثنين الماضي شركة "جازبروم" التي تحتكر إنتاج النفط والغاز في روسيا، وتأتمر بأوامر الكرملين، بخفض إمداداتها من الغاز لبيلاروسيا بنسبة 15 في المئة يومياً ليصل إجمالي القطع 85 في المئة من إمدادات روسيا لجارتها، أي ما يناهز 192 مليون دولار من الديون البيلاروسية التي تطالب بها موسكو. وكان لوكاشينكو قد عرض في البداية تغطية دين بلاده من خلال منتوجات زراعية وبعض الآليات، وهو الاقتراح الذي رفضه الرئيس ميدفيدف رفضاً تاماً حيث قال "إن جازبروم لا تستبدل ديونها بالزبدة والجبن والكيك وغيرها... إنها تريد مستحقاتها من المال، وعلى شركائنا البيلاروس أن يفهموا ذلك جيداً". وفي رد على تصريح ميدفيدف القاسي، أعلن نائب رئيس الوزراء في بيلاروسيا، فلادمير سيماشكو، أن بلاده ستدفع ديونها إلى روسيا حتى آخر فلس حتى لو اضطررنا إلى الاقتراض. لكن رغم ذلك قالت شركة "جازبروم" إنها ستواصل ضغطها على بيلاروسيا وستحول خطوط نقل الغاز من الأنابيب البيلاروسية إلى خطوط أخرى في أوكرانيا طيلة فترة النزاع. ويرى الخبراء أن أوكرانيا توفر مثالا حياً على استغلال روسيا للطاقة لتحقيق أغراض سياسية وللضغط على جيرانها، فعندما كان الرئيس الأوكراني السابق "فكتور يوشينكو" الموالي للغرب في السلطة دخلت روسيا وأوكرانيا في صراعات متواصلة حول الغاز وقامت روسيا برفع أسعاره على أوكرانيا ليعادل الأسعار الأوروبية. لكن منذ انتخاب الرئيس الموالي لروسيا، فكتور يانوكوفيتش، في شهر فبراير الماضي، أقدمت روسيا على مجموعة من الخطوات والصفقات التي تصب في صالح كييف بما فيها منح الأخيرة تخفيضاً على أسعار الغاز بنسبة تصل إلى 30 في المئة مقابل سماح أوكرانيا باستخدام الروس لقاعدتهم البحرية في شبه جزيرة "كريمين"، وهو ما يوضحه "ألكسي ماكركين"، نائب مدير مركز التقنيات السياسية بموسكو قائلا: "لقد خفضت روسيا بسهولة أسعار الغاز بالنسبة لأوكرانيا عندما رأت أسباباً سياسية لذلك. أما النزاع الحالي مع بيلاروسيا فلا يخرج عن المفاوضات الدائرة حول الاتحاد الجمركي الذي رفض لوكاشينكو التوقيع عليه، كما أن موسكو لم تنظر بعين الرضا إلى التقارب بين بيلاروسيا والغرب ولا إلى رفض بيلاروسيا الاعتراف بالمناطق التي اقتطعتها من جورجيا، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا". ويُذكر أن الرئيس لوكاشينكو، الذي كان في السابق مديراً لإحدى التعاونيات الزراعية وأحد آخر القادة الدكتاتوريين، حسب التصريحات الغربية، استطاع الوصول إلى السلطة في انتخابات حرة خلال العام 1994. لكنه منذ ذلك الوقت تمسك بكرسي الرئاسة، وقمع المعارضة، كما اتُهم بتزوير الانتخابات. وقد صرح للصحفيين مؤخراً أنه سيرشح نفسه لولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها البلاد مطلع السنة المقبلة. فريد وير كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©