الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة عدسة في المدينة

رحلة عدسة في المدينة
20 ابريل 2011 20:00
الصورة والكلام جمالية الحقيقة والوصف جمالية الضوء والظل الصورة اقتناص اللحظة الراهنة وتثبيتها في العيون، استعادة روحها في كل زمان، موطن الذكريات والضحكة الفارهة والحركة المؤبدة. الكلام أسلوب الوصف، وطريقة الشرح والتفصيل، حوار الأنا والآخر، سرد الذات والطبيعة. الصورة والكلام: بين الأشياء الثابتة والمتغيرة، كلاهما يمتلك خصائصه فالصورة أقوى ثباتا والكلام أكثر تغيرا، والصورة ضوء وظل والكلام عتمة، الصورة استقرار والكلام تحول. الصورة تنقل لحظة ماضية والكلام يشرح تلك اللحظة. سلمان كاصد أجمل الصور ما كانت ممزوجة بالحركة، بالغرابة، اذ تفردها في غرابتها فهي غرابة الجمال، غرابة الطرافة، غرابة الوجود حيث نرى المدن الغريبة في جمالها، الفارهة في تألقها، حيث نسأل ماذا تريد منها الصورة؟ فنجيب إنها تبحث عن موطن هذه الغرابة. جماليات أبوظبي كيف ينظر الفنانون الفوتغرافيون إلى جماليات أبوظبي، كيف تبصرها وتلتقطها عدسة الكاميرا؟ مَنْ الذي يتحسس بؤرة الجمال في أحيائها وموروثها وطرقاتها؟ من قبل أعلنت مسابقة “أبوظبي من خلال عيونكم” 2010 ـ 2011 التي نظمها مكتب أبوظبي للهوية الإعلامية للسنة الثالثة على التوالي. ومن بين أحد عشر ألف صورة لفنانين من 83 جنسية مختلفة قدموا رؤيتهم لجماليات إمارة أبوظبي اختيرت 10 صور فائزة ومجموعة مختارة من الصور المتميزة. تصدرت صورة “التسريح” للفلبيني روجير الفونسو كل الصور المشاركة. “التسريح” كلمة تعني إطلاق الإبل للرعي فهي مُسرحة، تأخذ راحتها في رعيها الآمن، تمشي لمسافات طويلة، وفي لقطة “التسريح” هناك تعبير صارخ عن هذا “المشي” الذي هو كلام كيف يمكن أن أنقل هذه الجملة “تمشي لمسافات طويلة” إلى ذهن المتلقي من خلال الصورة. الفنان ليس صانع كلام، الفنان هنا صانع صورة. كيف يحول المفهوم إلى صورة، كيف يشعرنا بأن هذه الجمال الوئيدة تمشي لمسافات بعيدة في لقطة التسريح؟ من الذي يجسد هذه الفكرة؟ هنا التقط الفونسو سيقان إبل كثيرة، هيمن عليها في بؤرة عدسته، التمَّت مع بعضها في لحظة واحدة واختفت وجوه الكثير منها خلف الجمال الأربعة المتقدمة بينما بانت سيقان تدل على ما يقرب من خمسة عشر جملاً. هذه براعة الصورة أنها ترجمت الكلام إلى مشهد صوري عبَّر عن الوصف الزائد. من أقدام الإبل الوئيدة نقل الفونسو فكرة التسريح حيث الإبل ذاهبة للمراعي. صمت الكلام في صورة الأميركي ديلورس جونسون مثال على صمت الكلام وبلاغة الصورة وجمالية الضوء والظل. أصابع لامرأة تشير إلى: 1) عمر متقدم من خلال التجاعيد. 2) وتوازٍ بالتناظر بين جزئيات الصورة. 3) وجه متخيل وراء سواد يحمل بياضاً. كفان لامرأة تنسج خيوطاً، صورة وسط سواد قاتم، إصبعان من الكف اليمنى وآخران من الكف اليسرى مضاءان، وثمة خاتم في الاصبع الأيسر والآخر الأيمن. والإصبعان هنا وهناك منطبقان وما بينهما نهر من الزمن.. وأظافر الأصابع متقابلة/ متناظرة والضوء الساقط على الاصبعين في الكف اليمنى هي ذاتها كمية الضوء الساقط على الاصبعين في الكف اليسرى. استطاع جونسون عبر كمية الضوء البسيطة تلك أن يناظر جزئيات كفي الامرأة المتجاورين. استطاع أن يلقط الزمن، زمن عمر المرأة إلى حد بعيد، أن يقول بصمت ما لا يستطيع الكلام قوله. تشابك الظلال وفي صورة ثالثة حاول الإماراتي أسامة الزبيدي أن ينقل لنا “تشابك الظلال” في تل مرعب عند واحة ليوا في المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي، فإلي جانب الطريق المؤدي إلى تل مرعب التقط الزبيدي صورة من على سطح أحد التلال الرملية حيث رأى مجموعة من الإبل وظلالها وآثار سير أقدامها على الرمال وهو ما كوَّن لوحة فنية رائعة. جمال منتشرة فوق تل من الرمل وسط الصحراء، جمال متناثرة وثمة ظلال لأجسادها تجرها خلفها، ظلال قصيرة عند أعلى التل وظلال طويلة عند أسفله، طول وقصر تشكلهما شمس آفلة أو تقارب على الأفول. خطوط كثيرة لرمل بعثرته حوافر الإبل وهي في لحظة “تسريح” خطوط متشابكة، تدل على فرح بالسير على الرمال وئيداً، الصورة تحاول أن تنقل فرح الإبل وهي تطلق في الصحراء، تصطف التلال بين السواد والبياض الشفيف، صحراء وتلال وجمال وخطوط متشابكة تحكي قصة لا تعاد مرتين. في صورة الإماراتي عبداللطيف المرزوقي والمعنونة بـ”وجدتها” ثمة رجل خط الزمن على شاربيه بياضاً وبجواره طفلان لم ينبت لهما الزمن شاربين، وما بينهما حكاية. في يد الرجل آلة فتح المحارة، وفي كفي الطفلين محارتان، نتساءل هل تحتويان الآن “تلك اللحظة” على لؤلؤتين؟ الصورة تروي مشاعر طفلين وهما ينتظران لؤلؤتين من باطن كومة المحار المكدس أمامهما. ضحكة فرحة على وجه طفل وانتباهة لرغبة في المعرفة على وجه وعيون الطفل الآخر، ومحار ينتظر أن يفتح. أين الدهشة هنا؟ هل تكمن فيما يشرحه الرجل عن كيفية فتح المحارة أم عن رغبة الطفل بالسؤال عن كيفية فتح المحارة أم عن الصلة التي تحاول الحضارة أن تفقدها بين الأجداد والأحفاد، صلة الموروث الذي جلبه الرجال من البحر. قدم المرزوقي في صورته قصة وحكاية طويلة اختصرها في عدة تساؤلات وثمة ضوء أبيض مشع ينطلق من كل أجزاء الصورة. في صورة “مرور عبر الميدان” للفلبيني دونال كابلاس غوميران يتجلى هذا الحس العالي بتأبيد لحظة لن تمر ثانية. طفل حافي القدمين يعبر ميدان سباق الهجن في مدينة زايد، طفل إماراتي يريد من قدميه أن تلامسا الرمال بحرية طاغية، انه يسير في قلب الميدان الصاخب بغبار حوافر الإبل الراكضة، لم يركز المصور بؤرة كاميرته على الجمال، فهي لقطة لن تهرب منه، إذ ربما تعاد بعد ساعة أو نهار أو يوم غد ويستطيع أن يؤبدها، إلا أن لقطة عبور الطفل ساحة السباق لن تعاد ثانية. مكان مناسب، وقت مناسب، وطفل يعكس روح إمارة أبوظبي، طفل يعكس تصميم جيل آتٍ يريد الارتباط بالموروث، طفل يركض ليلحق بالتاريخ، طفل لا وجه له سوى نظرة نقرأها من الخلف. حكاية البحر وللبحر حكايته في “أبوظبي من خلال عيونكم” عند الأوسترالي لويز غرولز الذي التقط قارباً شراعياً في لحظة تقوسه عبر الريح الآتية على ضفاف أبوظبي. شاب إماراتي يحدق في الشراع وهو يقود قاربه نحو عمق البحر.. شراع يتقوس كالموجة وهو ينحني فوق جسد الشاب الذي ينتظر منه الانطلاق.. بياض يوازي بياض وكأن الشراع يتكلم بلغة الموجة الآتية.. ويلتقط الهنغاري لاسلوتوث صورة غريبة أطلق عليها “التحليق في واحة ليوا” من منطقة تل مرعب في المنطقة الغربية.. بعد شروق الشمس ثمة ألوان تنهض هناك، ألوان من الشفافية والتجانس لا مثيل لها.. رجل يحلق بمظلة فق تلال مرعب التي نسجت بتموج عجيب وبانحناءات وظلال وحوافٍ رائعة الجمال.. ثمة سماء صاحية هناك أعلى الصورة وتمتد حتى أسفلها تلال غامقة اللون تنسحب ظلالها حتى طرف الصورة القريب لتتحول إلى لون رصاصي آخر يوازي لون السماء وثمة رجل يحلق بمظلة رسم عليها علم الإمارات. صور المختارات ومن مختارات الصور صورة لجسر الشيخ زايد للأندونيسي محمد أندي ناتاويجايا حيث انسيابية جمالية الجسر وبخاصة عند المساء حيث تنعكس الإضاءة الملونة فوق الماء، وتلك الانحناءة الرائعة للموجة والإضاءة التي تأتي من عواميد منحنية.. ضوء أحمر كالشلال يسقط فوق الماء، وآخر أبيض كالموجة يخرج من الماء. صورة “نسج للمستقبل” للهندي نيل الدرين رودريغيز حيث المغزل بيد المرأة و”لحن الانتصار” للفلبيني لوريكس كونتاوي حيث العصا بيد الرجال في العارضة و”العين من ارتفاع 600 متر” للإماراتي أحمد عمر محمد بالحمر لجبل حفيت، حيث الطريق المتعرج على جسد الجبل، كلها تحكي قصصاً، تسرد ماضياً وحاضراً عن إمارة أبوظبي. أما صورة “رحلة في ضوء المساء” للفرنسية ناتاشا سوري رابيلود حيث مساء الأبواب المغلقة وصورة “واحة النور” للإنجليزي مايكل غرين حيث واحة النخيل والتشابك، فانهما تسجلان محتوى تلك القصص عن ماضٍ لا يزال مرصعاً على الأبواب الخشبية القديمة، وحاضرٍ لايزال يعطي من ثماره الكثير، ثمار نخيله المتشابك مع الضوء الذي يتسرب بين جذوعها كما يتسرب من بين الأصابع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©