الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة المجتمعات الإسلامية

9 سبتمبر 2008 00:06
تشكل شعوب العالم العربي الإسلامي في الوقت الراهن أحد الشعوب الأكثر التصاقا بماضيها، في نفس الوقت الذي تواجه فيه تحدي التحديث والتقدم والذي يمثل الغرب نموذجهما؛ يقول ''عبدالله العروي'' في كتابه (الإيديولوجيا العربية المعاصرة): ''منذ 75 سنة والعرب يطرحون نفس السؤال: من هو الآخر؟ ومن هو الأنا؟'' وإذا كان صاحب مفهوم العقل قد طرح السؤال أواخر الستينيات، فإن الملاحِظ لحركية المشهد العربي الفكري والثقافي لا بد أن يكتشف استمرار حضور نفس الهواجس وإن اختلفت صيغها، ما بين حافر في العقل العربي وناقد له· يقدم العالم العربي للملاحِظ الأجنبي صورة حية لمجموعة من التناقضات أمام عنف التغيير المفروض بقوة تكنولوجية وحضارية واقتصادية، تروج لنموذج النجاح الغربي المدعوم بايمان عميق بالتفوق؛ فما بين انجذاب كلي إلى ماض مجيد ورهانات التحديث تختلط الدعوات بالصراخ، بالعواطف اللاعقلانية وغليان اجتماعي وسياسي؛ إنها ملامح أزمة هوية عميقة· لا بد من العودة إلى الانفجار الحداثي الذي رافق الاستعمار، ابتداء من القرن التاسع عشر حيث واجه المسلمون أسئلة هوياتية عميقة؛ فأصبح مفهوم الخصوصية المؤسس على قدسية اللغة والتاريخ والدين المشتركين موضع نقاش منذ النصف الثاني من القرن، وتعمم بعد ذلك على امتداد العالم العربي الإسلامي؛ وقد أفرز هذا الاختلال مجموعة من الاستتباعات أهمها على الإطلاق العداء الذي انتصب بين الوطنيين والإسلاميين عند بداية القرن العشرين حيث اعتبرت النزعة الوطنية نقيضا لروح الدين، ولم تتردد في وصفها بالمؤامرة الغربية التي تمس وحدة الأمة؛ غير أن المسافة الموضوعية بين المثالي والواقعي أفرزت فكرة الإصلاح، ومن ثم دعا مفكرو الإصلاح إلى العودة للسلف الصالح والى التقاليد الصافية للدين· كما لم يحدث قط على امتداد تاريخ الدولة الاسلامية، تطبيق الليبرالية السياسية، حيث ظلت السلطة تقريبا في يد حاكم مطلق وهو ما يناقض جذريا الصورة المثالية لأسطورة دين يدعو إلى العدالة والمساواة؛ وحيث ما وجدت مصلحة الجماعة فثمة شرع الله؛ أما الملاحظة الثالثة فهي غرابة مدى الحيوية الحاسمة للانتماء إلى الأمة الإسلامية المتصورة كوحدة، في حين أن الحقيقة التاريخية تكذب هذه الأطروحة بشكل سافر؛ مبدئيا كل المسلمين أخوة في الدين، مهما كان انتماؤهم الإثني، لأن منهج الإسلام العالمي يتجاهل الحدود الوطنية· ولحماية الذات من الانقسامات طالما لجأت الأدبيات الإسلامية إلى اتهام الغير (العدو المحتمل) على اعتباره سبب المؤامرة المحبوكة الذي يرمي إلى تقزيم الدين من الداخل، وهذا ما يمكن أن يفسر الحذر الذي تقابل به أية محاولة تجديدية، لأن ''الإسلام فقد ثقافته الأصلية إلى حد بعيد بفعل الافتراءات الكاذبة ذات الأصول الخارجية''؛ ومن أجل الهدف نفسه، أي حماية الذات، يعتبر وضع وحدة الأمة في خطر خطيئة كبرى لا يمكن التساهل فيها، ويرمي هذا بالضرورة الى الحفاظ على الانسجام الاجتماعي· إلا أن الاضطرابات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والحرب العربية الإسرائيلية أسهمت في إحداث تغيرات فجائية وجذرية في انبثاق حركات التحرر حيث شكل مفهوم الثورة أحد المفاهيم العامة التي طبعت المرحلة؛ وقد طرحت على النزعة العروبية مجموعة من التحديات تمثلت في هذا التحدي المزدوج الذي يمثله الغرب من جهة والبنيات التقليدية المهيمنة من جهة اخرى؛ فسادت نزعة مناوئة للنموذج الغربي باسم الأصالة والخصوصية والقيم المسماة أصيلة، كما شهدت المرحلة نوعا من التماهي بين العروبة والإسلام، شارك فيه بعض المنظرين المسيحيين الذين أكدوا على الأبعاد الإسلامية للشخصية العربية معتبرين بأنها موروث مشترك بين أفراد الأمة· يعرف العالم العربي الإسلامي حاليا العديد من التغيرات تمس العقلية السائدة، يرافقها قلق حاسم ناتج عن تعدد الإجابات المقترحة للرد على اكراهات وضعية فقدان الهوية، ويمكن تلخيص ذلك في التناقض بين الأصالة والمعاصرة الثورية· تلك هي بعض سمات المجتمعات العربية الإسلامية الباحثة عن استقرار هوياتي تأوي إليه عندما تضيع كل النماذج المسماة مرجعية وهي السمات التي لا يمكن فهمها في انفصال عن بنية شديدة التعقيد من العوامل التاريخية والسياسية والدينية· عزيز مشواط أستاذ فلسفة وصحافي مغربي ينشر بترتيب خاص مع خدمة مصباح الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©