السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبو بدر.. قتل اليهود زوجته و «الأوراق» في بلده تؤكد وفاته منذ 70 عاماً

أبو بدر.. قتل اليهود زوجته و «الأوراق» في بلده تؤكد وفاته منذ 70 عاماً
19 نوفمبر 2009 23:56
في أحد مخيمات اللاجئين في غزة، حيث التكدس السكاني والفقر، ثمة متسع لهذه القصة، إنها لمعمِّر ليس فلسطينياً، بل يمني، ولكنه يعيش في فلسطين منذ عام 1936، وهذه هي القصة منذ البداية... بلهجة يمنية يبدأ أبو بدر اليمني، كما يدعوه سكان المخيم، بحساب عمره، قائلاً: «لقد عاشرت تأسيس المملكة العربية السعودية، وكان عمري حينها عشر سنوات، والمملكة الآن تحتفل بالـ 110 أعوام، فإنَّ عمري الآن يقارب ال120 عاماً، أو يزيد قليلاً. ثم يروي كيف ترك قريته «بارق» اليمنية وهو طفل، فحزم حقائبه وهام على وجهه في الدنيا، لافتقاده الحياة الأسرية، فوصل فلسطين مشياً على الأقدام وحمل البندقية، وشارك إخوانه الفلسطينيين في محاربة اليهود والبريطانيين، وهاجر مع اللاجئين، وتوطن مثلهم في غزة، وعاشر القضية الفلسطينية بانتصاراتها وهزائمها، وطال به العمر في الغربة. مواسم الحج مشياً يستفيض أبو بدر في شرح ظروفه الشخصية قائلاً: «تركت اليمن عام 1934، وقد تزوج أبي بعد وفاة أمي وتركنا، فخرجت من قرية بارق التي كنت اسكن فيها، وذهبت إلى السعودية مع قوافل الحجيج مشياً على الأقدام، وأديت مناسك الحج، ومن ثم توجهت مع الحجاج إلى المدينة مشياً على الأقدام متتبعين السفر الليلي، فقد كنا نستريح في النهار، ونبدأ المشي بعد العصر حتى ساعات الصباح، حتى وصلنا إلى مدينة القدس ودخلت فلسطين عام 1936». ويشير إلى انه عمل كحارس في بلدية يافا، وعاشر الفلسطينيين للمرة الأولى ووجد فيهم المحبة والكرم، حيث يقول: «لا توجد تفرقة عندهم، فقد اعتبروني ابنهم، ثم تنقلت في العمل بين رعي الغنم في يافا، وعامل بناء في غزة، حيث كنت أتقاضى خمسة قروش عن كل يوم عمل، من الساعة السابعة صباحاً وحتى الرابعة عصراً». تحت سطوة الاحتلال يضيف أبو بدر: «في عام 1948 بدأ الصهاينة بدخول فلسطين بحراسة من البريطانيين، وكنت آنذاك في عملي فدخلت العصابات الصهيونية إلى يافا، وهجرت أهلها، وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها، ومن البيوت التي نسفت على أصحابها كان بيت أهل زوجتي، الذي كنا نعيش فيه، فماتت زوجتي تحت الهدم». ويشير هنا إلى أنَّه قرر الانضمام إلى المجاهدين ضد الصهاينة، فتطوع مع مجموعات المقاومة الفلسطينية، وحمل السلاح، وعن هذه الفترة يقول: «كنت حينها أشعر بفخر كبير بأنني ابن فلسطين، وأحمل الهوية الفلسطينية مع كوني يمني الأصل». ويضيف: «بدأنا بحفر الخنادق في منطقة تل الريش في يافا، قبل أن أذهب إلى باب الواد في القدس، وعدت إلى حلحلول في مدينة الخليل، ومنها إلى قرية خراس، وبقينا نحارب حتى استشهد العديد من أفراد المجموعة الفدائية، وظل الاحتلال يطاردنا إلى أن وصلنا إلى قرية المسمية في غزة، حيث جلسنا نرتاح بمسجد المدينة، حتى استقبلنا أهل القرية مرحبين بالمقاومين، وسكنا هناك مدة ستة أشهر، حتى وصل جنود الاحتلال بأسلحتهم ومدفعياتهم إلى هذه القرية، وبدأوا بتهجير أبنائها، ونسف بيوتهم، والمساجد على رؤوس مصليها». ويضيف، وقد بدأت الدموع تتراقص في عينيه، وهو يتذكر الملاحم التي شاهدها بعينيه قائلا بحسرة: «حسبي الله ونعم الوكيل على اليهود»، لقد عشنا أياماً عصيبة لم يرحم اليهود لا صغيراً ولا كبيراً، ولا حتى امرأة، فقد قتلوا الجميع بشراسة، ومن ثمَّ شردونا، فهاجر من تبقى من أهل قرية المسمية إلى قرية أسدود». ويشير إلى شعوره ورفاقه بالأمل بعد عقد الهدنة، وإرسال الحماية المصرية، حيث يقول: أحسسنا بالأمل في العيش والعودة إلى قرانا، ولكنَّ الأمل تلاشى فجأة عندما نقض اليهود الهدنة، وبدأوا يقصفون القرى بالطائرات والمدفعية، وتركز القصف على سكان مدينة المجدل، وبلدة اسدود واستمر مدة ثلاث أيام متواصلة». ويضيف: «تجمعنا مجموعة مكونة من ستة عشر فلسطينياً، وسبعة مصريين، وخمسة من الجزيرة العربية (اليمن والسعودية)، وفي طريق العودة إلى المجدل وجدنا الدبابات الإسرائيلية تنتظرنا في مدخل المدينة، ووقعنا أسرى وصادر الجنود الذين كانوا بالدبابة أسلحتنا.. ثم خرجنا في عملية تبادل للأسرى، ورُحلِّنا من جسر بيت حانون إلى قطار العريش في مصر، وهناك أخذتنا شرطة العريش، وأرسلت الحجازيين إلى بلادهم، والفلسطينيين أرجعتهم إلى فلسطين». ويوضح أنَّه أعيد إلى فلسطين كونه يحمل الهوية الفلسطينية، مع أن لهجته يمنية واضحة، واستقر به الحال في مخيم البريج للاجئين بغزة. حنين إلى الجذور يتحدث أبو بدر عن قريته اليمنية بارق، فيقول: «هي قرية جميلة، وفيها أشجار معمرة، منها البرتقال والليمون والجوافة والموز». قبل أن يتنهد قائلاً: «ليتني أرجع لبارق، لكنني الآن لا أعلم عنها شيئاً، ويضيف: «هي قرية خضراء من كثرة الزرع، فيها ترتاح النفس والخاطر، لذلك تجد أهلها كرماء وودودين بين بعضهم البعض، هي تقع في محافظة «حجة» إحدى محافظات دولة اليمن، وسكان القرية هم قبيلتان (قبيلة بدر وقبيلة السلامي). ثمَّ يتجه في الحديث نحو زوجته، التي يكبرها بأربعين عاماً، قائلا: «تزوجت من أم بدر، وأنجبت أبنائي جميعهم، وقد تعلمت في مخيم اللاجئين في مدراس لمحو الأمية التي أقامتها وكالة الغوث لمدة شهر، علمونا القراءة والكتابة، وكنت متفوقا وأجيد الحساب مع أنني كنت كبيراً في السن». معمر وميت بعد ذلك يذهب محدثنا نحو الحلقة الأكثر حزناً في قصته، فيقول: «في عام 1979، وعندما أنهت ابنتي المرحلة الثانوية، أرادت أن تكمل دراستها في الخارج، بسبب تفوقها فأرسلتها إلى اليمن، عند أعمامها وعماتها بعد غربة عنهم دامت سبعين عاماً، وهناك استقبلها إخواني وأبناء قبيلتي بالترحاب، لكن فرحتها بهم وفرحتهم بها لم تكتمل، فعندما أرادت أن تستقر في بيت والدها وتحصل على حقوقه وممتلكاته فاجأتها الحكومة اليمنية بالقول: «أحمد بدر حسن بدر قد مات منذ ما يقارب السبعين عاماً، ولا ندري عنه شيئاً، وأكدت ابنتي للحكومة أنني حي، لكنها قوبلت بالرفض جراء عدم إدراج اسمي في سجلات المواطنين اليمنيين الأحياء». ويؤكد: «قبل عام مضى تلقيت اتصالاً من ابن أختي وأخي ليطمئنوا بأنني على قيد الحياة، ومازالت الاتصالات بيننا، وأريد أن أثبت للحكومة اليمنية أني لا زلت على قيد الحياة، ولكني لا أعرف كيف»؟ لدى أبو بدر خمسة أبناء ذكور وثلاث بنات، وقد سجن أربعة من أولاده لدى الاحتلال الإسرائيلي ثمَّ أفرج عنهم جميعاً، ابنه الأكبر بدر يعمل مديرا لجامعة صنعاء في اليمن، وابنه الثاني نضال موظف في بلدية جباليا، أمَّا تيسير ومحمد فهما عاطلان عن العمل، وقد تزوجت بناته الثلاث، وإحداهن موظفة في مكتب التوجيه السياسي الوطني الفلسطيني.
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©