الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم محمد إبراهيم: أشعلت قصائدي!

إبراهيم محمد إبراهيم: أشعلت قصائدي!
18 نوفمبر 2009 22:18
كان ترويض اللغة هو هاجس إبراهيم محمد إبراهيم من أجل النأي والتمهل مقابل الاندفاع والجموح الملازمين لفورة البدايات الشعرية، فكان من الضروري بعد تجاوز هذه المرحلة الشعرية تحويل الخطاب المباشر والكلي لهكذا أنساق ومواضيع قومية وسياسية إلى خطاب متوازن وباحث عن فرادته وتوهجه، هذا النأي والتمهل بانت معالمه وبقوة في ديوانه الثاني: “فساد الملح” الصادر في العام 1997، فكان المزج بين الهم العام والهم الخاص وسيلة للدخول في فضاءات جديدة، ومغامرات وتبدلات لغوية تحفر في الذات، وتينع وتتشكل في ذائقة الآخر وفي ظلال وانعكاسات العالم والوجود، ومرورا بدواوينه اللاحقة: “هذا من أنباء الطير” و”عند باب المدينة” و”خروج من الحب دخول إلى الحب” و”مس من شتاء”، تفتحت مساحات أخرى للهدوء والتأمل ومحاورة تفاصيل اليومي والمعيشي، وباتت بعض قصائده أقرب للنص المفتوح الذي يزاوج بين الشعر والنثر والسرد الخالص ـ قصيدة “عروة في المرآة” من ديوان “هذا من أنباء الطير” كمثال لامع لهذا التوجه، ومع الديوانين الجديدين اللذين سيصدران قريبا للشاعر وهما: “ريشة في الضباب” و”هكذا قهوتي” يمكن لنا القول إن الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم قد حاز على موقعه المتفرد في خارطة الشعر الإماراتي، وهي حيازة دونها الكثير من التضحيات والبحث والمداومة والتجريب والنقد ومراجعة الماضي لاستشراف القادم. في الحوار التالي يتحدث الشاعر عن جائزة الدولة التي استحقها مؤخرا وعن الملامح الأولى لتجربته الشعرية، وعن المشهد المحلي وتحديات الكتابة في عالم افتراضي متسارع ومزدحم بالتغيرات. نلت جائزة الدولة التقديرية في توقيت يبدو مناسبا لأي مبدع، خصوصا وأنك ما زالت محملا بوعود ومفاجآت كثيرة على مستوى الكتابة وعلى مستوى الدخول في مغامرات فنية جديدة، كيف تقيّم هذه الجائزة... هنا والآن؟ فرحتي بالجائزة نابعة من مسماها لأنها تحمل اسم دولة الإمارات ولأنها تقديرية، أي أن هناك من يقدرك من الداخل ويهتم بتجربتك، وأنا أشكر القائمين على الجائزة لأنهم لم يلتفتوا لأعمار المرشحين، بقدر ما التفتوا للمنجز الإبداعي حتى وإن كان هذا المنجز مكثفا ونوعيا، وأن تأتي جائزة بهذا الثقل المعنوي في وقت أو زمن مفاجئ ومبكر أفضل من أن تأتي في زمن من الانتظار أو اليأس الطويل، ومن هنا فإن المبدعين على هذه الأرض الطيبة عليهم أن يعملوا وأن يداوموا على طباعة نتاجاتهم ولو بجهود ذاتية، لأن الإخلاص للموهبة هي الجائزة الشخصية الكبرى التي ينالها المبدع في النهاية وهي التي تحميه من كل هذا اليأس والانتظار اللذين أشرت إليهما. إعادة الاعتبار لم يظهر اسم شعري جديد في الإمارات خلال السنوات العشر الماضية.. في ظل هذا الركود والضمور الإبداعي على مستوى الأسماء والنتاجات اللافتة، كيف يمكن لمثل هذه الجوائز والمحفزات أن تعيد الروح للمشهد الإبداعي المحلي؟ كما قلت لك، المبدع الحقيقي هو الذي لا يلهث وراء الجوائز، ولكن نظرا لقلة المبدعين وعدم وجود حلول سحرية أو وصفات جاهزة في المطلق لولادة المبدع، فإن هذه الجوائز بشكل أو بآخر يمكن لها أن تعيد الاعتبار للكتابة وأن تحرك بذرة الإبداع لدى المواهب الشابة، وهناك محفزات أخرى مثل الدعم المادي والتكفل بطباعة وتوزيع الإصدارات الجديدة يمكن لها أيضا أن تفتح مسارات مبشرة ومبهجة على صعيد الإنتاج والمردود. أما عن انقراض الأسماء الشعرية في الإمارات فهذه معضلة كبيرة وأعتقد أن السبب في ذلك قد يعود للسؤال المؤلم الذي يحوم في واقعنا الجديد وهو: “ما جدوى الكتابة في هذا الزمن؟”، خصوصا في ظل التبدلات الكبرى لمنظومة القيم الثقافية، والخوف من المستقبل الشخصي وسط العواصف الاقتصادية العمياء والمربكة، وهذه المناخات الاجتماعية الجديدة والصادمة يمكن لها أن تضع الكتاب الجدد في منطقة الإحباط، كما يمكن لها أن تضع عراقيل هائلة أمام الشاعر الشاب قبل أن يشرع في نشر قصيدته الأولى. وما الحلول في رأيك للخروج من هذا المأزق الشخصي والعام الذي يعرقل ظهور أسماء جديدة في الساحة؟ أعتقد أنه حان الوقت لظهور قانون تفريغ المبدع، لأن هذا القانون بالذات والذي انتظرناه طويلا يمكن أن يحقق التوازن والحضور الفاعل للثقافة والمثقفين في البلد، لأنه يحقق الضمان الاجتماعي للمبدع ويخلصه من التشتت وعدم التركيز والتماهي مع وظائف ملزمة وضاغطة لا تناسبه وتقتل مشاريعه الإبداعية حتى قبل ولادتها. فتفريغ الشاعر والقاص والروائي والمسرحي وغيرهم من المبدعين في الإمارات يمكن أن يمهد لثورة ثقافية تعيد الكتاب القدامى والغائبين إلى مواقعهم، وتشجع الشباب الجدد على الإبداع دون عراقيل ذهنية واقتصادية واجتماعية محبطة. لك تجربة في الكتابة من خلال الوسائط الجديدة وتصديت شخصيا لإنشاء موقع “أوتاد” الإلكتروني، هل يمكن لهذه المواقع الأدبية الافتراضية والتفاعلية أن تحتل مكانا مستقبليا وبديلا للنشر الورقي التقليدي؟ لا يوجد بديل للنشر الورقي ولكن النشر الإلكتروني يمنح الكاتب فضاءات جديدة ويخلق علاقات تفاعلية ومباشرة مع النص، بالإضافة إلى أن النشر الإلكتروني يتيح للقارئ البعيد الإطلاع والتعليق على نتاجاتك الأدبية من خلال حوارات حية وتبادلية، بينما يأخذه النشر الورقي حيزه الزمني الطويل قبل أن ينتبه له أحد النقاد أو المهتمين بهذا النتاج، وعندما أنشر في موقع أدبي فأنا أضمن أن قراء ومتابعي هذا الموقع هم من متذوقي الأدب، أما عندما أنشر في الصحيفة فأنا أمام أذواق مختلفة وأمام وجهات نظرة تبدو متباينة وبشدة وتصل أحيانا لدرجة السخرية من النص الأدبي المختلف والنوعي، وما يعيب النشر الإلكتروني اختلاط الغث بالسمين، وظهور أنصاف المواهب التي تجد في الفضاء المفتوح مساحة حرة لنشر الفوضى والركاكة الأدبية التي تسيء للكتابة الإبداعية المميزة، ولا تضيف شيئا على الإطلاق. تحولات شعرية منذ صدور ديوانك الأول “صحوة الورق” وحتى ديوانك السابع: “مس من شتاء” هل ثمة تحولات جعلتك تتوقف نقديا أمام الأساليب والطرائق الشعرية التي تتبعها؟ عندما أعود الآن لقراءة دواويني القديمة أشعر بالفوارق الكبيرة على مستوى الطرح اللغوي وتقنيات الكتابة مقارنة بما أكتبه الآن، ورغم أنني لا أتبرأ من تجاربي المبكرة مع اللغة الفصيحة، إلا أنني وعندما كتبت قصائدي النبطية الأولى والتي مالت كثيرا للغزل، قمت بإشعال النار فيها دفعة واحدة.. لأن صدمة الواقع السياسي في تلك الفترة جعلتني أشعر بأن القصيدة الغزلية هي نوع من الترف الشعري الذي يجب التخلص منه. وهذه هي المرة الأولى التي أمارس فيها نوعا من الإقصاء العنيف لتجاربي المبكرة، رغم أن أصدقائي ما زالوا يهددونني بنشر القصائد التي أحرقتها لأنها تمثل محطة إبداعية في مسيرتي الشعرية ويجب على الآخرين الإطلاع عليها. في قصيدتك: “عروة في المرآة” التي أتت ضمن ديوان “هذا من أنباء الطير” ثمة ميل واضح للتمرد على قصيدة التفعيلة التي تلازم كل نتاجك الشعري، هل يمكن لهذه القصيدة أن تذهب بك نحو مغامرة جديدة لكتابة قصيدة النثر مثلا؟ لم أكتب قصيدة النثر حتى الآن ولكن يمكن لي أن أخوض هذه التجربة الجديدة مستقبلا، لأن بعض كتاب هذه القصيدة يدهشونني بالفعل من خلال الصور والأخيلة التي يبتكرونها ومن خلال اللغة المتجاوزة التي تذهب بالقارئ إلى مناطق جديدة وغير مطروقة، أما نص “عروة في المرآة” فهو نص مفتوح مزجت فيه بين التفعيلة والنثر والسرد، أنا عموما أقرأ الشعر بمختلف أنواعه ومدارسه، فالمهم لديّ هو القيمة الجمالية للنص وليس القالب الذي كتب فيه هذا النص، سواء كان شعرا عموديا أو تفعيلة أو نثر، ورغم ذلك فإنني ما زلت أميل لكتابة قصيدة التفعيلة نظرا لتوفرها على عنصر الغنائية التي أستطيع من خلالها أن أمسرح النص وأن أحرك عناصره الجمالية في مساحات وأوزان وفضاءات لغوية متعددة. النوع والموضوع ولكن ألا تتفق معي أن قصيدة التفعيلة أصبحت ملازمة بقصد أو بدونه للخطابات الحماسية المباشرة والمرتبطة بأحداث كبرى وهواجس جماعية، ولم تعد تعبر عن الصوت الحميمي والتأملي الخافت للشاعر؟ في رأيي أنه ليس هناك علاقة بين نوع أو طبيعة القصيدة المكتوبة وبين الموضوع الذي تطرحه هذه القصيدة، فأنا ومن خلال قصائد التفعيلة كتبت الكثير من المواضيع المتعلقة بالهم الخاص واليوميات والبعيدة عن الخطابات الحماسية والهواجس الجماعية التي وصفتها في سؤالك، وأنا أتفق معك أن هذا الزخم الكبير من القصائد العمودية وقصائد التفعيلة قد ارتبطت في تاريخنا العربي الطويل بالأحداث والمواقف والتبدلات السياسية الموجعة، ولكن القليل من هذه القصائد هو الذي نجا من التكرار والتقليد والتشابه، وأتفق أن معظم هذه القصائد الحماسية ماتت بعد انتهاء المناسبة أو الحدث الذي كتبت من أجله، كما أن أغلبها عانى من الركاكة والضعف وغلبة الصوت العالي على الصورة الشعرية الحقيقية والمدهشة. أنت من محبي السفر والتجوال في أصقاع العالم، كيف يمكن لهذه الأسفار أن تغذي خيال الشاعر الذي يسكنك؟ يتيح لك السفر فرصة الانفتاح البصري على الثقافات والوجوه والأزياء وطرز المعمار والأماكن المختلفة، وهذه الصور لا بد وأن تنعكس إيجابيا على مخيلة الشاعر، وتضيف إلى رصيده ومخزونه البصري الكثير من التفاصيل والالتقاطات التي توفرها الطبيعة والأمكنة المغايرة، والغريب في علاقتي مع السفر يتمثل في هذا الاستدعاء الحميمي لذاكرتي الشخصية وذاكرة البلد بكل تفاصيله التراثية القديمة، فأستحضر البحر واستحضر الصحراء والأصدقاء وكبار السن، وأخاطبهم بقصائد مشغولة بالحنين والاسترجاعات المتدفقة من الماضي. لك تجربة طويلة في التصوير الفوتوغرافي، كيف يمكن أن يلتقي عندك الشاعر والمصور في نسق إبداعي مشترك؟ منذ طفولتي وأنا مرتبط بالكاميرا، لأنها تمثل العين التي أوثق بها اللحظة الهاربة في الخيال والذاكرة، ومن هنا فإن معظم الصور التي ألتقطها تتميز بأبعاد وزوايا جمالية تنأى بها عن اللقطات الجامدة والمكررة، وأسعى دائما أن أحول الصورة إلى لوحة شعرية تغنيني أحيانا عن كتابة قصيدة كاملة وطويلة تتحدث عن ذات الحالة أو ذات الحدث، ومن جانب آخر استفدت كثيرا من مطالعاتي السينمائية وإدماني على مشاهدة الأفلام المستقلة البعيدة عن الحس التجاري الفج والمباشر، كما أنني من الشغوفين بعوالم التشكيل وأقف طويلا أمام اللوحات التجريدية المليئة بالتأويلات والتواصل الروحي والبصري مع الألوان وعلاقاتها الغامضة والمثيرة للعديد من الأسئلة واختبارات الذائقة، هذه الفنون وغيرها لا بد أن تشكل مخزونا هائلا للشاعر المتواصل معها والمنفتح على فضاءاتها، على عكس الشاعر المتقوقع على تجربته الواحدة والمتكررة منذ سنوات ولا يستطيع الخروج من أسر الشكل الواحد والنمط المتشابه. أخيرا ما هي المرجعيات والأسماء الشعرية التي ساهمت في تكوين القوام الشعري لإبراهيم محمد إبراهيم؟ رغم تأثري بقصائد النبط في بدايات تجربتي الشعرية والتي مازلت أكتبها في فترات متباعدة، إلا أن المتنبي كان هو ملهمي الأكبر الذي جذبني للشعر الفصيح، كما أنني عشقت قصائد مظفر النواب، ومحمود درويش الذي لا يشبهه أحد، وفي مرحلة سابقة أحببت نزار قباني وعمر أبو ريشة، وتوقفت كثيرا عند تجربة الشنفرى و أمل دنقل. عموما أنا تأثرت بكل ما قرأته من نتاجات وملاحم شعرية منذ الجاهلية وحتى وقتنا الحاضر، حتى أنني استفدت أيضا من الشعر الرديء الذي قرأته لبعض الشعراء ومن وجهة نظر مضادة، أي تجنب الأخطاء والسقطات التي وقع فيها هؤلاء الشعراء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©