الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الانتداب.. مشكلة القضاء الواقف

الانتداب.. مشكلة القضاء الواقف
11 أغسطس 2016 13:30
ناصر الجابري (أبوظبي) عندما تنتدبه المحكمة محاميا للدفاع عن متهم في قضية ذات «بعد إعلامي» وتحظى باهتمام جماهيري، يجد المحامي نفسه في حيرة، بين طلب المحكمة الذي تفرضه مواد القانون التي تنص على ضرورة وجود محام يترافع عن المتهم مهما كانت جريمته، والبعد العاطفي الذي يدفع المحامي لرفض الانتداب، حتى لا يكون هدفا للرأي العام الذي يضع المحامي أحياناً مع المتهم الذي يدافع عنه في خندق واحد. محامون ومستشارون قانونيون التقتهم «الاتحاد»، أعربوا عن استغرابهم من ردة الفعل العاطفية لبعض المحامين الذين يرفضون الانتداب، فيما يرى آخرون أن المحاماة أسمى من الترافع عن من ثبتت بحقه أركان الجريمة، بينما يرى فريق ثالث أن الموقف القانوني يختلف عن الموقف العاطفي، فعدم الوعي المجتمعي يجعلهم في الموقف الرافض للانتداب. يؤكد طارق الشامسي المحامي والمستشار القانوني وعضو جمعية الإمارات للمحامين أن الدستور الإماراتي كفل حق المتهم في وجود محام يترافع عنه في القضايا الجنائية، مشيراً إلى أن قبول الانتداب للترافع عن المتهم، من الأركان الأساسية لتطبيق العدالة. وأضاف «للمحامي دور في تطبيق القانون، وهو حلقة مهمة من حلقات تطبيق العدالة، ووجوده وجوبي في القضايا الجنائية، فالمجني عليه له حقوق، والجاني كذلك له الحق في تطبيق العدالة، ودور المحامي يكمن في الدفاع عن هذه الحق. وتابع «الدفاع عن المجرم لا يعني أن يجعله المحامي بريئاً، فالمحامي يدافع عن صحة الإجراءات القانونية، ويتولى مهمة حماية حقوق للمتهم، ومهما كانت درجة بشاعة الجريمة، هناك حقوق للمتهم، موضحاً: لنضرب مثلاً في قيام شخص بتصوير جريمة ما، ونشرها عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، هناك حق عام في محاكمة مرتكب الجريمة، ولكن أيضاً هناك أحقية للمجرم في مقاضاة المصور. وأكد الشامسي بطلان حكم المحكمة في حال حكمها على متهم دون وجود محامٍ، فالمتهم له حق في محام يترافع عنه». إجراءات المحاكمة ورداً على تساؤل حول بعض المحامين ممن يصفون الدفاع عن المجرمين بالجريمة، أشار الشامسي إلى أن البعض تغلبه العاطفة للأسف، ففي حالة رفض محام الأول قبول الانتداب، يتم الانتقال لمحام ثان، ثم لمحام ثالث، فإجراءات المحاكمة لن تكتمل إلا في ظل وجود محام يقبل انتداب المحكمة، وبالتالي فإن الرفض المستمر يطيل أمد التقاضي، وفي هذا تكلفة إضافية تتحملها الدولة بسبب بقاء المتهم في السجن لفترة طويلة دون محاكمة، فيما يؤدي قبول الانتداب إلى تيسير إجراءات العدالة، وتطبيق مواد القانون التي تشدد على المعاملة الإنسانية للمتهمين. وأضاف: يجب عدم التعجل في القضايا، ذات الزخم الإعلامي، والتي تحظى بمتابعة جماهيرية مستمرة، ففي بعض الأحيان توجد أدلة لا نعلم عنها شيئاً في ملف القضية، وهذه الأدلة قد تغير الأحكام، وبالتالي علينا عدم الحكم المسبق، وانتظار الحكم النهائي. رفض الانتداب من ناحيته، يوضح المحامي إبراهيم الخوري أن رفض الانتداب إشكالية حقيقية تعطل مسار بعض القضايا، فالقانون يشترط، ويلزم بوجود محام مع المتهم، وفي حال رفض المحامي للانتداب لكون الجريمة بشعة، وعندما يرفض المحامي الانتداب يكون قد أخطأ في حق القانون نفسه، فمن واجبه قبول الانتدابات. وأضاف، رداً على ما قد يتعرض له المحامي من انتقاد في حال قبوله الانتداب، وتشوه سمعته نتيجة لذلك، طالب الخوري بتثقيف المجتمع عبر التركيز على الجيل الناشئ، من خلال إضافة مواضيع تتناول الثقافة القانونية، وماهية القانون، ومواده ضمن المناهج الدراسية، مع التركيز على دور المحامي بالأخص، باعتبار أن معرفة المجتمع لدور المحامي، سيرسم صورة ناصعة لاداء المحامين، وترادع ما يتردد أحيانا عن الدور السلبي لمهنة المحاماة. وتابع: «قبل البدء بأي مشروع تجاريا كان أو غير ذلك، يجب أن يحرص الفرد على استشارة المحامي لمعرفة الجوانب القانونية، وهذا من الأساسيات التي اقترح تضمينها للطلاب في المناهج الدراسية». ورغم وجود محامين يؤكدون على أهمية قبول انتداب المحكمة للبدء في الجلسات، هناك طرف آخر يرى في الدفاع عن من توافرت فيهم أركان الجريمة استحالة، نظراً للجانب العاطفي، ورمزية دور المحامي كطرف يدافع عن الأبرياء، ومنهم المحامي مكتوم الكعبي، الذي أكد أنه لا يمكن الدفاع أو الترافع عن قاتل، سولت له نفسه ارتكاب جريمة بشعة، مستشهداً ببعض القضايا التي يذهب ضحيتها أطفال أبرياء، قائلاً إنه لا جريمة أبشع من قتل طفل، واستدراجه، والاعتداء عليه، وباعتبار أن المحامي يوصف بالقضاء الواقف، لا يُمكن قبول الانتداب للترافع عنه. وأضاف «إن دولة الإمارات دولة تعايش، وسلام، ومحبة، ونجحت في الوصول إلى أعلى مؤشرات التميز بفضل الأمان الذي يجمع الجنسيات المختلفة في أرضها، ومن الطبيعي أن المحامي يضع نفسه موقف الأب الذي فقد طفله، فهو أب في النهاية، وله مشاعر، وبالتالي لا يمكن للمحامي الذي يسعى للمساهمة في تمكين المحكمة من تحقيق للعدالة، أن يقف إلى جوار القاتل». وأكد الكعبي أن قانون العقوبات الاتحادي شدد العقوبة في جرائم القتل في حالات مثل قتل الأطفال، والعاجزين، وذوي الإعاقة، «وشخصياً لا أرضى أن أقدم مرافعة تدعم مجرماً أو قاتلاً». وأشار إلى أن هدف الدعاوي هو الوصول إلى الحق العام، وتحقيق العدالة، فكيف يمكن لرفض الانتداب أن يعرقل العدالة؟، خاصة مع توفر أركان الجريمة، وتابع «لابد أن يضع المحامي نفسه موضع أهل القتيل، ويتذكر أمانته، وأن يكون هدفه الرئيس هو الدفاع عن الحق، وأكد مجدداً عدم قبوله أي انتداب في قضية توافرت فيها كافة الأدلة التي تدين المجرم». الزخم الإعلامي من جهته أكد المحامي علي الحمادي أن قبول الانتداب في بعض الأحيان يسبب متاعب للمحامين ويفرض عليهم أن يشرحوا للمجتمع أسباب قبول الانتداب من الناحية القانونية، وتوضيح مواقفهم، ولكن هناك نقطة علينا الإشارة إليها متعلقة بالزخم الإعلامي في القضايا، تتعلق بالدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التأثير على موقف المحامي في قبول انتداب المحاكم.. خاصة مع الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام بمختلف وسائلها في تغطية القضايا؟، يرى علي الحمادي أن الزخم الإعلامي هو مفتاح قبول المحامي الانتداب من عدمه، فالإعلام يلعب دوراً كبيراً في تسليط الضوء على بعض القضايا، وفي بعض الأحيان يلعب دورا محوريا في التوجيه العاطفي للمجتمع ضد بعض المتهمين، مما ينتج عنه في المحصلة خسارة الناس. وأَضاف «أرى أن التغطية الإعلامية هي العامل الرئيس، ففي القضايا البعيدة عن الإعلام، يقبل المحامي الانتداب من المحكمة، أما في القضايا ذات الزخم الإعلامي فمن الصعوبة أن يقبل المحامي بالتضحية بسمعته». وأوضح «هناك وعي بين المحامين أنه من الناحية القانونية يجب أن يقبل أحد المحامين الانتداب من المحكمة للترافع عن المتهمين، ولكن هناك قصوراً في الوعي المجتمعي بالموضوع، ولذلك لن أقبل الانتداب بسبب النظرة المجتمعية، والتي يجب على الإعلام وخاصة الصحف توضيحها». المادة 4 من قانون الإجراءات الجزائية تنص المادة 4 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه يجب أن يكون لكل متهم في جناية معاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد محام للدفاع عنه في مرحلة المحاكمة، فإذا لم يوكل المتهم محامياً للدفاع عنه انتدبت له المحكمة محامياً تتحمل الدولة مقابلاً لجهده، وذلك على النحو المبين في القانون، كما أنه وللمتهم في جناية معاقب عليها بالسجن المؤقت أن يطلب من المحكمة أن تنتدب له محامياً للدفاع عنه إذا تحققت من عدم قدرته المالية لتوكيل محام، فيما إذا كان لدى المحامي المنتدب أعذار أو موانع يريد التمسك بها فيجب عليه إبداؤها من دون تأخير إلى رئيس محكمة الجنايات، وإذا قبلت الأعذار ينتدب محام آخر.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©