السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين.. حضارة تفتح شهية الاستكشاف وتروي ظمأ السياحة الثقافية

الصين.. حضارة تفتح شهية الاستكشاف وتروي ظمأ السياحة الثقافية
22 يونيو 2010 20:30
يخطئ من يظن أن الصين ليست بلداً سياحياً، أو أنها وجهة لرجال الأعمال والمتسوقين وحسب. فبلاد المليار و300 مليون نسمة، فيها ما هو أعمق من سياحة الترفيه والنزهات والسهر. حضارة عظيمة تمتد إلى 3 آلاف عام تزرع الساحات والقصور بمجد عمراني قل نظيره، وإرث تاريخي يفتح الشهية لرحلات الاستكشاف والغوص في أعماق كل ما هو مختلف وفريد. زيارة واحدة للصين تروي ظمأ السياحة الثقافية، لكنها لا تكفي حتماً لمعايشة جزء بسيط من واقع الحياة فيها. فكل يوم يمر في كنفها يجعلك تنجذب أكثر لرؤية ما لم تقع عينك عليه بعد. وما أكثر المعالم الطبيعية هناك والمباني التراثية المكللة بالأحمر، والتي تخبئ بداخلها إمبراطوريات لا يزال وقع خطى بنَّائيها يسمع في الأرجاء وصدى صوتها يرن في الردهات اللامتناهية. تجربتنا الصينية لم تستغرق أكثر من 4 أيام في العاصمة بكين، تجولنا خلالها في أهم المواقع التي لا بد للسائح من أن يزورها حتى وإن كانت رحلته قصيرة. البداية كانت من مطار “شودو” الذي على سعته وتنظيمه لم يستغرق بقاؤنا فيه أكثر من 15 دقيقة. وعند خروجنا منه كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً في التوقيت المحلي “فرق التوقيت 4 ساعات”، أي أن يومنا كان لا يزال في بدايته. وهذا توقيت مناسب للسفر إلى بكين عبر “طيران الاتحاد” الذي يقلع من أبوظبي إلى هناك أيام الأحد والاثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع في تمام التاسعة والنصف مساء. رحلة الذهاب ليلاً، والتي تستغرق 7 ساعات ونصف الساعة، تمر مريحة لأن معظمها ينقضي في النوم بهدوء على مختلف الدرجات. وكذلك الأمر بالنسبة لرحلة العودة. “شمس الصيف المشرقة، تخفي دائماً وراءها غيوماً قد تمطر رذاذا في أي لحظة”، هذا ما قيل لنا خلال الساعات الأولى من إجازتنا. ومن حينها أخذنا ننتظر الخير يهطل، ولم يطل انتظارنا طويلاً حتى ابتلت الشوارع. وأخذنا نرمق حبيبات المطر من الواجهة الزجاجية؛ لذلك المطعم الأنيق في فندق “تشاينا وورلد”، بينما نحتسي الشاي الصيني، بحسب الطريقة التقليدية تمهيداً لبدء طعام الغذاء. وفي المناسبة، ولكل من يتساءل عما يمكن أن يأكله في تلك البلاد، فالخيارات واسعة في الفنادق ذات الخمس نجوم. وفي الفندق المذكور الكثير من الأصناف الحلال، والأسماك المطهوة على البخار. أما أصحاب المذاق الصعب، فمن الأفضل لهم أن ينتقوا أطباقهم من قائمة الطعام، وألا يحكموا فقط على مأكولات البوفيه المحضرة معظمها بالنكهات المحلية. مع أن تذوق الأصناف التقليدية جزء من ثقافة المكان، ولا بد من التجربة وإن بالقدر القليل بشرط أن يكون ذلك بالعيدان الخشب “التشوب ستيك”. والنصيحة بعد الوجبة، هي بطلب حلوى الليمون الحامض المحشوة بالكريما أو كعكة جوز الهند المقرقشة. أزقة الآبار لم تمض ساعة حتى عاد الصحو إلى الأجواء، توجهنا بعدها إلى أزقة بكين القديمة للتعرف من كثب على موقعها البارز في التاريخ الثقافي. وهذه الزيارة لا بد منها لكل زائر يرغب في أن يختبر نبض الشارع الحقيقي. الباص أوصلنا إلى شارع “هوتونج” المعروف بمحافظته على البناء التقليدي وأسلوب العيش كما الأمس العتيد. في الساحة تجمع حولنا سائقو العربات التقليدية، وكانت فرصة لالتقاط الصور التذكارية معهم. ومن هناك انطلق بنا موكب الدراجات التي تسير على 3 عجلات، كل راكبين يقودهما سائق يجتاز الإشارات ويسير بكل ثقة بين السيارات والحافلات ويتهاوى بنا إلى الجانبين وسط مشهد ممتع يصعب نسيانه. وصلنا إلى المنطقة القديمة، وتوقفنا قليلاً عند مجرى النهر الذي تمتد على ضفتيه البيوت الشعبية. ومن على اليسار اصطحبنا الدليل السياحي سيراً على الأقدام إلى الحي السكني الذي يعود إلى 300 عام. ولأن قاطنيه كانوا يحفرون الآبار للتزود بالماء، جاءت تسمية الشارع بالـ”هوتونج” والتي تعني البئر باللغة المنغولية.? الأزقة الضيقة لا يزيد عرضها على 3 إلى 4 أمتار، والتنقل يزدحم عادة بالدراجات المحملة مختلف السلع والمواد الغذائية. طرقنا أحد الأبواب المعمرة، فرحبت بنا سيدة البيت من الطبقة الفقيرة، وأدخلتنا عبر حديقة واسعة مهملة إلى دارها المتواضعة واستقبلتنا استقبال الملوك. وفي جلسة ودية، شرحت أن البسطاء مادياً في الصين هم الذين يقطنون العقارات القديمة والتي من غير المسموح هدمها، وإنما تساعد الحكومة في 50 بالمئة من تكلفة ترميمها، في حين أن الأثرياء يقيمون في الأبراج والمجمعات الحديثة. 35 ألف زائر مازلنا في الأجواء الشعبية، ولكن هذه المرة عند سوق الحرير الواقع في شارع “جسيوشوي”، وهو من أبرز المعالم السياحية والتجارية في بكين، ويقع في المركز التجاري وسط المدينة. وهو يضم أكثر من 2000 محل موزعة على 6 طوابق يقصدها السياح من مختلف دول العالم لما يعرض فيها من بضائع منوعة معظمها تقليد، لكن غالبيتها ذات جودة عالية. ندخل إلى السوق بنية ألا نمضي فيه أكثر من نصف ساعة بحجة أننا متعبون، فتكون النتيجة أننا لم نخرج منه إلا بعد 4 ساعات أي عند التاسعة ليلاً موعد إغلاق البوابات. حالنا حال 35 ألف زائر يترددون عليه يومياً لشراء ما يحتاجونه، وما لا يحتاجونه، من ملابس وأحذية وحقائب وهدايا لهم ولذويهم. وأهم ما تعلمناه هناك، أن “المكاسرة” في السعر هي سيدة الموقف. فالبائعون يطرحون أسعاراً خيالية، لكن المتسوق “الشاطر” يقدر البضاعة ويحدد السعر الذي يناسبه. وبالإجمال، فإن معظم السلع يمكن شراؤها بسعر وسطي يتراوح ما بين 50 و100 إيوان. وبالمناسبة، يوجد صراف في الطابق الثاني من السوق، يصرف كل 100 درهم إماراتي بـ170 إيوان. ترددنا عليه خلال رحلتنا أكثر من مرة في اليوم الواحد، وكان آخر ما اشتراه كل منا حقيبة سفر إضافية. لحم البط بعد التسوق المجهد صعوداً ونزولاً بين طوابق السوق المكتظ بالـ”صفقات” المربحة، عدنا إلى فندق “تشاينا وورلد” الذي يبعد مسافة 4 مبانٍ فقط عن السوق. وهناك وسط ترحيب صيني، استضافنا مدير الفندق تي أس تشيه على مأدبة عشاء تقليدية تقتضي العادات أن تكون على طاولة مستديرة. وبحسب القاعدة الترحيبية بالضيوف المميزين، لا بد أن تتألف قائمة الطعام من 8 وجبات تقدم بشكل دوري، وأهم ما فيها لحم البط المشوي. وتتحدث سو مانج شان، مديرة العلاقات العامة عن الأهمية التي يوليها فريق العمل للضيوف القادمين من منطقة الخليج، إذ يخصص لهم أدلاء سياحيون ويوفر برامج تناسب العائلة وجولات تعريفية بالعاصمة بكين بمختلف معالمها الطبيعية والتاريخية. وتتضمن وحدات الفندق، وعددها 716 غرفة وجناحاً، سجادات للصلاة مع إشارة إلى جهة القبلة. أما الخطوة التالية في الاستضافة البكينية، فكانت بتجهيز غرف التدليك لسحب ذيول التعب. والمساج الصيني لا يعتمد في تقنيته لا على الزيوت ولا على الكريمات، وإنما على الأنامل ذات حركات الضغط المتقن. لم نشعر بعدها إلا بحاجة ماسة للخلود إلى النوم في تلك الأسرة شديدة النقاء. مليون بنَّاء في اليوم الثاني، ارتدينا بعضاً من الزي الصيني الذي اشتريناه بالأمس لتكتمل التجربة، وخرجنا باكراً إلى القصر الإمبراطوري الذي تعاقب عليه 42 إمبراطوراً، والمشهور بـ”المدينة المحرّمة”. الموقع الذي صنفته منظمة “اليونيسكو” عام 1987 من أهم معالم التراث العالمي ومن أهم الأماكن السياحية في جمهورية الصين الشعبية. وهو يضم أكبر مجموعة من القصور القديمة المحفوظة في البلاد. ساحات هائلة تمتد إلى 720 ألف متر مربع قطعناها الواحدة تلو الأخرى، وسط حشد سياحي غير معتاد على الأقل بالنسبة لنا. وكما عرفنا من الدليل أن المكان التاريخي الذي يمتد إلى 600 عام، يدخله يومياً ما يزيد على 24 ألف سائح. يقع القصر الذي كان مقر إقامة الأباطرة في قلب المدينة وعلى الشمال من ميدان “تيان أن مان”، شيده وعشرات القصور الفاخرة التابعة له، مليون بنَّاء تعاقبوا عليه مدة 14 عاماً. “المدينة المحرمة” سميت كذلك لأن دخولها كان محظوراً على عامة الشعب، وهي مبنية بالكامل من الخشب الخالص الذي تعمل الحكومة على صيانته بشكل دوري. يحوط بها سور ارتفاعه 10 أمتار، ومن حوله نهر “هو تشنج” أي نهر الدفاع عن المدينة. في هذه المنطقة التي تحمل طابع السلطة والحكم عبر التاريخ، انتقلنا مشياً إلى ميدان “تيان أن مان” الذي يعتبر أكبر ساحة في العالم مساحتها 440 ألف متر مربع وتتسع لأكثر من مليوني شخص. وهي ليست مجرد مكان يقصده المسافرون والزوار، وحتى المارة لالتقاط الصور أمام النصب التذكاري لشهداء الشعب الصينيين، وإنما محطة تاريخية لاستذكار أهم مجريات التاريخ الحديث. فقد اشتهرت هذه الساحة عالمياً بعد مظاهرة عام 1989 في بكين والتي كان يطالب فيها الجامعيون بالديمقراطية. واعتبرت هذه الساحة في ما مضى بوابة الدخول الرئيسة للمدينة الإمبراطورية التي كانت المقر الرسمي للحكومة ومقر السكن للإمبراطور والمسؤولين وحاشيتهم، ولها بوابة تحمل جملة صينية تقول ترجمتها “بوابة السلام السماوي”. ويوجد فيها قبر الرئيس ماو زي دونج مؤسس جمهورية الصين. وإلى الشرق من الميدان تقع قاعة الشعب الكبرى، أي “البرلمان”، وإلى الغرب منه يقع متحف تاريخ الثورة الصينية. قوارب التنين نكمل جولتنا الاستكشافية في هذا البلد الغني بحضارته، كما في تضاريسه وطبيعته. ونباشر يومنا الثالث في حديقة الحيوانات التي تغزوها “الباندا” وأنواع الأسماك النادرة. ومنها نتوجه إلى قصر الصيف، وهو من أهم معالم بكين ويقع على شاطئ بحيرة “كونمينج”. المقر الصيفي، وهو عبارة عن مجمع قصور ومعابد وحدائق، تقصده الوفود السياحية للاستمتاع بالرحلات المائية التي توفرها قوارب التنين. وكان لنا منها نصيب في جولة من العمر يشعر السائح بداخلها أنه وسط بحيرات أرقى الدول الأوروبية. فترة العصر أمضيناها في الحديقة الرائعة لفندق “شانغريلا” والمصممة بحسب المشهد التقليدي لمدينة بكين، بحيث توفر جلسات استرخاء يحتاج إليها النزيل بعد برنامج الجولات المتتالية. وهناك التقينا بمديرة التسويق فيرونيكا ليونج، التي ذكرت أن بكين تستعد منذ فترة لاستقبال أعداد متزايدة من منطقة الخليج وتحديداً من دولة الإمارات. وذكرت أن السائح العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، يشعر في الصين أنه محاط بأجواء من الخدمات الخاصة، بدءاً من شروط الضيافة إلى تسهيلات التسوق والصفقات التجارية والرحلات وما إلى هنالك. ويضم “شانغريلا” الذي يعتبر من أحدث المرافق السياحية في العاصمة الصينية، 670 غرفة، إضافة إلى مطاعمه العالمية المنوعة التي توفر مجموعة منوعة من الأطباق الشرق أوسطية. أعجوبة الدنيا أما اليوم الرابع، فكان عظيماً من بدايته حتى النهاية. بدأ بجو عاصف، كاد يلغي برنامجنا ولكننا أصررنا على خوض المغامرة حتى الآخر. من الفندق توجهنا شرقاً ناحية سور الصين العظيم القابع في الجبال الشاهقة. واستغرقت الرحلة بالباص ساعة و45 دقيقة اجتزنا خلالها أجمل المناظر الطبيعية ما بين بحيرات وحدائق وبساتين. الباحة المؤدية إلى السور تنتشر فيها أكشاك بيع الهدايا التقليدية بأسعار زهيدة جداً. أما البوابة المفتوحة على المدرجات المؤدية إلى السور، فيحرسها رجل متنكر بزي تراثي يمر عليه ملايين السياح في السنة. نأخذ منه الإذن باجتياز الدرج المعبر، ونصعد باتجاه “التليفريك”. وهكذا ننطلق بسرعة في رحلة ترتفع بنا إلى قمة من قمم الجبال المتشحة بالخضار الغزير. نخترق الغيوم الماطرة وتطأ أقدامنا أرض سكنتها العظمة والعبقرية الإبداعية قبل آلاف السنين. وهنا نتأكد مما سمعناه سابقاً، بأن رحلتنا إلى الصين، ما كانت لتكتمل لولا زيارة السور الأعجوبة. السور الذي صنف من ضمن أهم عجائب الدنيا السبع، هو أطول بناء في التاريخ على الإطلاق، ويبلغ طوله 5600 كيلومتر وقد شيده الجنود والسجناء بأيديهم وبظروف بدائية لمئات السنين. وتقول الروايات إن العمل فيه بدأ منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع عشر الميلادي. 119 موقعاً بلغ عدد مواقع المناظر الطبيعية المشهورة على المستوى الوطني 119 موقعاً، أدرج منها 21 موقعاً في قائمة منظمة “اليونسكو” التابعة للأمم المتحدة للتراث الثقافي والطبيعي العالمي. وفي السنوات الأخيرة، اختارت الصين 10 مواقع للمناظر المشهورة الكبرى في الصين وهي، سور الصين العظيم، القصر الإمبراطوري ببكين، جبل هوانغ شان بآن هوي، بحيرة سيحو في “هانج تشو”، الجبال والبحيرات في “قوي لين، المضايق الثلاثة على نهر “اليانجتسي”، الحدائق في “سوتشو”، التماثيل الصلصالية والجنود والجياد في “شيآن”، القصر الصيفي في “تشن ده”، بحيرة الشمس والقمر في “تايوان”. الأكثر سكاناً تعتبر الصين البلد الأكثر سكاناً في العالم اليوم. ويبلغ طول سواحلها 18 ألف كيلومتر. تتناثر في مناطقها البحرية 500 جزيرة، أكبرها جزيرة “تايوان” ثم جزيرة “هاينان”. وينتشر على بحر الصين الجنوبي عدد كبير من الجزر الكبيرة والصغيرة والجزر الرملية، وهي تعرف بجزر “دونغشا” و”شيشا” و”تشونغشا” و”نانشا”. ترجمة “ني هاو” باللغة الصينية، تعني أهلاً وسهلاً ويمكن استعمالها لقول صباح الخير أو مساء الخير. “تشي تشي” تعني شكراً، وكابوتشي تعني عفواً.?
المصدر: بكين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©